في مؤتمر بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية "التعاونيات" .. هل تصبح حلا لأم المشاكل في مصر "البحث عن شقة" ؟
تغطية زينب مكي
الجلسة الافتتاحية للمؤتمر أجمع العديد من الخبراء والأكاديميين أن المناخ الذي خلقته الأزمة المالية العالمية وتداعياتها يجب أن يدفع الدولة لتمكين القطاع "التعاوني" باعتباره الشريك المناسب للخروج من تلك الأزمة استنادا على نموذجا رشيدا للتنمية الاقتصادية الاجتماعية يقوم على الشركاء الأربعة: دولة قوية متدخلة بحدود ، قطاع خاص منضبط ، قطاع تعاوني موجه ،بالإضافة إلى القطاع الخيري.
وفي هذا الإطار احتضنت كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة أمس الثلاثاء مؤتمرا بعنوان "رؤية جديدة للمستقبل التعاوني في مصر" ، نظمه مركز البحوث والدراسات الاقتصادية والمالية التابع للكلية بالتعاون مع منظمة "كونراد أديناور" الألمانية.
وافتتح المؤتمر الدكتورة منال متولي ،أستاذ الاقتصاد ومدير مركز البحوث والدراسات الاقتصادية والمالية والدكتورة عالية المهدي عميدة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة ورئيس مجلس إدارة المركز ،وحسين الزينيني نيابة عن الدكتور اندرياس ياكوس الممثل المقيم لمؤسسة "كونراد أديناور" في القاهرة.
18 ألف تعاونية في مصر
وفي معرض كلمتها الافتتاحية أكدت متولي أن تنظيم المؤتمر يأتي في إطار حرص المركز على طرح القضايا والتحديات التي تواجه الاقتصاد المصري، مشيرة إلى أهمية موضوع "التعاونيات" خاصة في ظل التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي يشهدها الاقتصاد المصري والعالمي.
وأكدت متولي أن مصر لها دور ريادي على خريطة العمل التعاوني حول العالم حيث بدأ العمل التعاوني في منذ أكثر من 100 عام وأن هذا القطاع يضم ما لا يقل عن 18000 جمعية تعاونية بمختلف أنشطتها (الاستهلاكية، الزراعية ، الإسكانية ، الإنتاجية، والثروة السمكية).
وأشارت أنه بالرغم من الدور المنوط بهذا القطاع في توفير السلع والخدمات للأعضاء بأسعار مناسبة إلى أن هذا "تعاونيات" مازالت تواجه العديد من المشاكل والتحديات التي تعوق عملها.
الجلسة الأولى ومن جانبه تحدث الأستاذ حسين الزينيني نيابة عن الدكتور اندرياس ياكوس ممثلا عن مؤسسة "كونراد أديناور" موضحا طبيعة عمل منظمته ودورها في تدعيم المجتمع المدني في مصر خاصة في مجال التدريب، مشيرا إلى أن كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة تعتبر أكبر شريك للمنظمة في مصر.
الثورة وتأميم التعاونيات
وفي كلمتها تحدثت الدكتور عالية المهدي عن تاريخ التعاونيات في مصر مشيرة إلى أنها بدأت عام 1910 في المجال الزراعي في وقت كانت تعاني فيه البلاد من أزمة اقتصادية هددت بخسارة فادحة للفلاحين ،تلتها منظمة تعاونية استهلاكية عام 1912 وتوالت انتشار الجمعيات وازدهرت خاصة بعد الحرب العالمية الثانية إلا أن الحال قد تغير بعد ثورة 1952 لأن الدولة وقتها قامت بتأميم هذه الجمعيات منها جمعية "الجملة" و "الجمعية التعاونية للبترول" ومن هنا بدأ الاختلاط عند الناس عن طبيعة هذه الجمعيات هل هي حكومية أم قطاع خاص ؟
ومنذ ذلك التاريخ أصبحت الجمعيات التعاونية ما هي إلا منافذ لبيع السلع المدعمة ، ومع بداية التسعينيات من القرن الماضي اتجهت الدولة إلى الخصخصة وبدأت تهمل هذه الجمعيات أكثر، ومن هنا بدأ المعنيون بهذه الجمعيات من أعضاءها البارزين بالتفكير في ضرورة عودة هذا القطاع الهام لما يمكن أن يكون له من دور فعال في مساندة أعضاءه خاصة من محدودي الدخل.
الدراما والقطاع الخاص
وضم المؤتمر ثلاث جلسات كانت الجلسة الأولى برئاسة الدكتور علي لطفي أستاذ الاقتصاد بكلية التجارة جامعة عين شمس ،رئيس الوزراء الأسبق، الذي أكد خلال كلمته أن هناك إهمال كامل للقطاع التعاوني في مصر مشير إلى أنه لاحظ خلال تصفحه خطة التنمية في مصر 2010 /2011 التي كان مقرر مناقشاتها أمس الثلاثاء بمجلس الشورى والتي تضم حوالي 300 صفحة أنها لم تتحدث عن القطاع التعاوني غير في كلمة واحدة "ذرا للرماد فى العيون"، رغم أن هذا القطاع يضم عشرات الملايين يمكن أن يكونوا قوة ضاربة لدفع الاقتصاد الوطني.
كما أشار لطفي إلى ان "إن الدراما المصرية ظلمت القطاع الخاص قائلا "الدراما بتذبح القطاع الخاص" مشيرا إلى تعميم المسلسلات والإفلام في إبراز صورة رجال الأعمال بالقطاع الخاص على أنهم لصوص ونصابين، مضيفا : "أن هذا يعد هذا ظلما لذلك القطاع الذي يضم آلاف الشرفاء".
نصف سكان الأرض مستفدون
الجلسة الثانية وضمت الجلسة الأولى ثلاث ورقات بحثية الأولي قدمها الدكتور محمود منصور عبد الفتاح، أستاذ الاقتصاد الزراعي ،جامعة الأزهر ، الأمين العام للاتحاد التعاوني العربي بعنوان " التعاونيات في جمهورية مصر العربية المهم والتحديات" مشيرا إلى أن عدد أعضاء التعاونيات حول العالم نحو 800 مليون تعاوني.
وعن ضخامة العضوية في التعاونيات أشار منصور إلى أن قارة آسيا وحدها تضم نحو 43.3 مليون تعاوني، وفي كندا 40% من الكنديين أعضاء بمنظمات تعاونية في حين أن 70% من سكان مقاطعة كيبك وحدها أعضاء تعاونيات.
وفي ألمانيا 20مليون تعاوني، وفي فنلندا 62% من الأسر أعضاء تعاونيات، وفي اليابان ثلث اليابانيين أسر تعاونية، وفي الولاياتالمتحدة 25% من المواطنين تعاونين، وفي الهند أكثر من 239 مليون مواطن أعضاء تعاونيات.
وعن مساهمة التعاونيات في الاقتصاد الوطني أكد منصور أن التعاونيات مسئولة عن 40% من الناتج المحلي الزراعي وعن 6% من إجمالي الصادرات، وفي الدنمرك تسيطر التعاونيات الاستهلاكية على 37% من أسواق الاستهلاك، في الكويت 70% من تجارة التجزئة تسيطر عليها التعاونيات.
وكان تقريرا للأمم المتحدة قد أقر أن نحو نصف سكان الأرض يستفيدون بدرجة أو بأخرى من التعاونيات التي تلعب أدورا اقتصادية واجتماعية هامة في مجتماعاتنا.
التعاونيات والفقر
وكانت الورقة البحثية الثانية بعنوان "تفعيل دور التعاونيات في التخفيف من حدة مشكلة الفقر " للدكتورة إيمان محمد أحمد السيد الخبيرة الاقتصادية والتي قدمتها بها 8 نماذج دولية لدور التعاون في التخفيف من وطأة الفقر في كل من "كندا، فنلندا، منغوليا، الصين، كمبوديا، تنزانيا، الولاياتالمتحدةالأمريكية، وألمانيا".
وطرقت أحمد السيد إلى دور التعاونيات في الإسهام في زيادة دخل أعضاءها ومعالجة البطالة والمساهمة في الاندماج والتكافل الاجتماعي ، والإسهام في الإنتاج الزراعي وإمكانية الوصول إلى الأسواق، كما تحدثت عن دور التعاونيات المالية في التنمية، ثم تحدثت عن النموذج المصري وإمكانية تفعيله والتحديات التي تواجهه.
وكانت الورقة الثالثة للدكتور هيكو فريدز أستاذ الاقتصاد، الجامعة الألمانية بالقاهرة بعنوان "الخدمات المالية والحد من الفقر في مصر" والتي ركز بها عند دور البنوك التعاونية، وعقب على الأبحاث الثلاث الدكتور علي لطفي والدكتورة باترشيا باور أستاذ الاقتصاد ببرنامج دراسات الأورومتوسطية بكلية الاقتصاد جامعة القاهرة.
وكانت الجلسة الثانية بعنوان "تطوير البنية المؤسسية للتعاونيات" برئاسة الدكتورة سلوى سليمان ،أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، والتي أكدت أن أية دولة تسعى بالطبع إلى تحقيق النمو السريع في ظل آليات السوق الحر التي فرضتها علينا العولمة مشيرة إلى أنه في أثناء ذلك تحدث تغيرات في المجتمع تعد هي ثمن هذا النمو يتحمل تكلفتها الفئات متوسطة ومتدنية الدخل، ومن هنا تأتي أهمية البحث عن وسيلة لمعالجة آثار النمو والمساهمة في مساعدة هذه الفئات؛ وهذا هو دور التعاونيات.
الجلسة الثالثة تجارب آسيوية
وضمت الجلسة ثلاث ورقات بحثية الأولى للدكتور حسن عبيد أستاذ الاقتصاد، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة بعنوان "تطوير التعاونيات في ضوء التجربة الآسيوية" وتحدث عبيد باستفاضة عن التجربتين الماليزية والكورية الجنوبية، مشير إلى رؤى جديدة للعمل التعاوني وأشكالا حديثة في مجال العمل التعاوني مثل مجال الحاسب الآلي والأمن والحراسة وغيرها.
وكانت الورقة الثانية للدكتورة هناء كريم ،مدرس التشريعات الاجتماعية بكلية الحقوق جامعة القاهرة تحت عنوان "أهم الأبعاد القانونية للتجربة التعاونية المصرية" مؤكدة أن تناول هذا الموضوع من خلال هذا المؤتمر يعد ثورة علمية نظرا لأهمية دور التعاونيات خاصة في الوقت الحالي ،مشيرة إلى أن القطاع التعاوني لم يلعب حتى الآن الدور المنوط به.
ومن جانبه قدم الدكتور أنور النقيب ،مدرس الاقتصاد كلية العلوم الإدارية، أكاديمية السادات للعلوم الإدارية ورقة بحثية بعنوان "إشكالية التعاون في مصر بين الحوكمة ومقومات البقات" متحدثا عن هيكل التعاونيات فى مصر وأنشطتها وحجمها وعدد أعضاءها، كما تحدث عن أسباب ضعف التعاونيات فى مصر والتحديات والمعوقات التي تواجهها، وعن إمكانية تطبيق قواعد الحوكمة عليها، كما تحدث عن إستراتيجية حوكمة التعاونيات في مصر وبناء تعاونيات قادرة على الاستدامة.
المنظومة القانونية للتعاونيات
وكما بالتعقيب على الأبحاث الثلاثة الدكتور منير شعراوي سكرتير عام الاتحاد التعاوني الإنتاجي المركزي، والدكتور محمد إسماعيل أستاذ القانون الاجتماعي بجامعة بني سويف الذي أكد أن المنظومة القانونية للتعاونيات فى مصر قديمة جدا حيث بدأت عام 1923مرورا بالقوانين التي اتخذت ما بين عامي 1975 و1981 وذلك في ظل واقع اعتراه العديد من التغيرات مما لا يؤمن لا التكيف مع الواقع الحالي.
وأضاف إسماعيل انه ليس هناك قانون واحد يحكم التعاونيات بل أن كل نشاط تعاوني يحكمه قانون خاص "زراعي ، إنتاجي، إسكان...) ونتيجة لذلك نتج لدينا تعدد تشريعي عقد البيئة التشريعية للتعاونيات، مشيرا إلى أنه عام 1956 كان هناك تجربة هامة جدا وهي "قانون التعاون الموحد" حيث كان يتسم بالبساطة لأنه ترك المسائل التفصيلية للوائح.
مستقبل التعاونيات
وكانت الجلسة الثالثة والأخيرة بعنوان "تطوير التعاونيات في مصر: نظرة قطاعية" برئاسة الدكتور يسرس أبو العلا وكيل كلية الحقوق جامعة بنها وضمت ثلاث أوراق بحثية أولها "مستقبل النشاط التعاوني الزراعي في مصر في ظل المتغيرات الحالية والمستقبلية" للدكتور أسامة البهنساوي ،أستاذ الاقتصاد الزراعي، كلية الزراعة جامعة الأزهر ، متحدثا عن بعض التجارب الناجحة لتطوير دور التعاونيات الزراعية في مصر ومتطلبات تنشيط دور التعاونيات الزراعية في مصر وأهم المعوقات التي تواجهها.
أما الورقة الثانية فكانت بعنوان" دور التعاون الإنتاجي في ظل اقتصاد السوق: المحددات والمعوقات وسبل التغلب عليها" للدكتور رضا هلال الباحث بالمجالس القومية المتخصصة، متحدثا عن دور الاتحاد التعاوني الإنتاجي في نشر الصناعات الحرفية كدراسة حالة.
وكانت الورقة البحثية الأخير بعنوان "التعاونيات الإسكانية: شراكة ثلاثية في حل مشكلة الإسكان في مصر" متحدثا عن نشأة التعاونيات الإسكانية في مصر ووضعا المالي، وعن العشوئيات والمشكلة الإسكانية ، والمشاكل التي تواجه التعاونيات الإسكانية والحلول المقترحة لمواجهتها.
وقام بالتعقيب كل من الدكتور محمود كامل ،مدير عام الاتحاد التعاوني الزراعي المركزي، والدكتور محمد رئيف ،أستاذ الاقتصاد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة والدكتور نجوى خشبة وكيل كلية علوم الإدارة، جامعة أكتوبر للعلوم الحديثة والآداب (MSA) واختتمت المؤتمر الدكتورة منال متولي.