القاهرة : في كتابها "الجيش في مصر في العصرين الطولوني والإخشيدي" الذي صدر عن "دار العالم العربي"، قالت د. فاتن محمد البنداري مؤلفة الكتاب إن جيش مصر خلال ذينك العصرين كان قوة يحسب لها حسابها من جانب الخلافة العباسية وغيرها من القوى الأخرى في العالم الإسلامي وخارجه، بل كان أقوى الجيوش الإسلامية في حينه. وبحسب قراءة محمد ولد المنى بمجلة "وجهات نظر" الإمارتية، تتناول المؤلفة بتفصيل موسع البناء البشري لهذا الجيش، وتنظيماته العسكرية، وفنون التعبئة والقتال كما كان يعتمد عليها، وأخيراً أسلحته وإمداداته. لقد أتيح لأحمد بن طولون أن يستقل بمصر عن الخلافة العباسية التي انشغلت بإخماد الفتن والثورات وضعُف نفوذ خلفائها. ومن هنا تقول المؤلفة إن شخصية بن طولون كان لها أثر كبير في قيادته الحكيمة للجيش المصري، لاسيما بالنظر إلى نشأته العسكرية والدينية في طرسوس. لكن إنشاء أول جيش إسلامي مصري مستقل عن الخلافة العباسية لم يكن مهمة سهلة على الإطلاق. فلضمان التفوق، ولكبح جماح مطامع الروم بصفة خاصة، كان لابد لابن طولون من إعداد وتعبئة الجيش على نحو جديد تماماً. وفي هذا الخصوص يقول بن طولون نفسه: "واحتملت الكلف العظام والمؤن الثقال باستجذاب كل موصوف بشجاعة واستدعاء كل موصوف بغنى... ما قد أعددته لحياطة الدولة من الجيوش المتكاثفة والعساكر المتضاعفة". وكما توضح المؤلفة فقد ضم الجيش المصري في هذه الحقبة عناصر تركية ومغربية وسودانية ورومية وعربية ومصرية، لكن أكثرها وزناً كانوا هم الترك الذين منهم وحدهم حوالي أربعة وعشرين ألف جندي. هذا إضافة إلى ما تذكره مصادر تاريخية من أن ابن طولون استخدم بعضاً من أهله الأتراك وولاهم المناصب القيادية. وكانت للمصريين أيضاً أدوار قيادية لاسيما في المرحلة الأخيرة من عهد الدولة الطولونية ومن بعدها الدولة الإخشيدية. أما عن الجند والتجنيد، فتستنتج المؤلفة من المصادر التاريخية أن بن طولون قدم إلى مصر وبصحبته جنود على درجة عالية من التدريب والولاء، فاستخدمهم للانتصار على معارضيه وكانوا النواة الأولى للجيش الجديد. وتتويجاً لتلك البداية القوية، قام بن طولون بتجنيد أعداد هائلة من السودان، ثم توالت الأعداد الغفيرة من كافة العناصر تلتحق بالجيش الطولوني. وتقول المؤلفة إن الطولونيين والإخشيديين اعتنوا عناية عظيمة بأمر الاستطلاعات العسكرية وأولوها اهتمامهم، كما كانت التعبئة العسكرية وإعداد الجنود للقتال على درجة عالية في العهدين، حيث تمت تعبئة الجيش على قسمين: الفرسان والرجالة، وكان لكل منهما دوره في القتال. وإذ قامت الدولة الإخشيدية في مصر عام 323 ه، فقد كانت امتداداً لسياسات الدولة الطولونية في إدارة الجيش، وقد قامت على التحكم فيه والعناية بمختلف عناصره، وتدريبها تدريباً جيداً ومنحها الأرزاق السنية والمنح السخية.