رائعة ديكنز "الآمال الكبرى" تقلبات الحياة تكشف سر السعادة الحقيقي الامال الكبرى - ديكنز محيط - مي كمال الدين "الآمال الكبرى" إحدى روائع الكاتب المميز تشارلز ديكنز، صدرت أولاً كحلقات مسلسلة نشرت في إحدى المجلات الأسبوعية قبل أن يجمعها كتاب، وتدور الرواية حول الآمال الكبرى التي يتطلع الإنسان إلى تحقيقها فهل يصل إليها، وإذا وصل إليها هل تكون هي فعلا ما كان يتمناه ويحلم به وهل تكون مرضية له؟ .. وفي ذكرى وفاة مؤلفها نستعرض معا أحداث الرواية الشهيرة . بطل روايتنا الرئيسي هو فيليب أو "بيب" وهو طفل صغير في السابعة من عمره، نشأ يتيماً فتولت أخته رعايته مع زوجها الحداد الطيب "جو" والذي أحب "بيب" كثيراً واهتم به في حين كانت أخته والتي تكبره بحوالي عشرين عاماً حادة الطباع تقسو عليه وعلى زوجها أحياناً كثيرة. وتبدأ أحداث الرواية عشية عيد الميلاد في مقاطعة "كنت" عندما كان "بيب" ذاهباً لزيارة قبر والديه الواقع بساحة واسعة ملحقة بالكنيسة ويطل على احد المستنقعات الموحشة، والتي أثارت الكثير من الخوف في نفس الولد الصغير، إلا أن هذا الخوف تضاعف آلاف المرات عندما ظهر له فجأة من بين القبور رجل عملاق انقض عليه ممسكاً به في قوة . كان الرجل يرتدي ملابس رمادية اللون ويحيط بقدميه طوق حديدي، مبتل الملابس مرتعش الجسد، سيطر على "بيب" الرعب، ولم يبال الرجل بهذا الرعب، بل وأمره بالذهاب لإحضار مبرد حديدي، وبعض من الطعام على أن يعود إليه مرة أخرى في الصباح، وحذره أن يبلغ احدا بما رآه وإلا تعرض للقتل. انطلق "بيب" مبتعداً تجاه المنزل غير مصدق نجاته، وبعد أن افلت بصعوبة من عقاب أخته على تأخيره، انطلقت إحدى الطلقات التحذيرية تلك التي تطلقها السفن للبلاغ عن سجين هارب. سارع "بيب" بالذهاب للمستنقعات مع تسلل ضوء الفجر بعد أن تمكن من سرقة بعض الطعام من وراء أخته، وتسلل إلى ورشة الحدادة واخذ منها المبرد الحديدي، وبعد أن قدم له الطعام في الموعد المحدد فر هاربا .
الآنسة هافشيام نشأ "بيب" في بيت أخته وزوجها وهو يعرف أنه يعد ليخلف "جو" في مهنة الحدادة، إلا أن الأحداث تنقلب رأساً على عقب بعد زيارة من مستر بامبلشوك عم "جو" زوج أخته ، والذي أتى ليخبر الأسرة الصغيرة أن الآنسة "هافيشام" تدعو "بيب" للعب في منزلها. أما منزل "هافيشام" فقد بدا كئيبا موحشا يحيط به السور من كل جانب، وأبوابه مغلقة بالمتاريس، والنوافذ مغلقة بالطوب وتحيط بها القضبان الحديدية، وكانت "ستيلا" طفلة في عمر "بيب" وقد رآها في المنزل ، إلا أنها بدت اكبر من عمرها بسبب تعاليها الشديد وطريقتها المتغطرسة في الحديث. قادته الطفلة لسيدة غريبة .. إنها الآنسة "هافيشام" التي كانت ترتدي ملابس العرس البيضاء" ! ومن الواضح أنها ملابس معدة لعروس شابة ، فكيف ظلت به هذه السيدة العجوز ! بعد أن رأته السيدة أصدرت أوامرها له بأن يبدأ اللعب، واحتار "بيب" فيما يفعله فهو لا يدري ماذا يفعل وكيف يلعب وبعد أن نفذ صبرها، أمرته أن ينادي "ستيلا" وعندما حضرت قربتها منها ثم التقطت قطعة مجوهرات وعلقتها بشعرها وقالت لها وهي تضحك " في يوم ما ستصبح هذه الجوهرة ملكاً لك يا عزيزتي ستكسبين بها إعجاب الرجال الذين ستحطمين قلوبهم" علمت "هافيشام" الطفلة كيف تكون قاسية على الرجال ، وقد أمرتها بلعب الورق مع الصبي، أبدت "ستيلا" امتعاضها من فكرة اللعب مع عامل صغير من أبناء العوام، فقالت لها السيدة "بإمكانك أن تحطمي قلبه ألا تستطيعين ذلك"، ثم جلست لتراقب لعبهما. خرج "بيب" من منزل الآنسة "هافشيام" حاملاً في صدره الكثير من الهوان والذل بسبب سوء معاملة "ستيلا" له ونظراتها المشمئزة وكثرة ملاحظاتها عليه من كون يديه خشنتين، وحذاءه غليظ، وتصرفاته غير المناسبة، وفي النهاية إعطاؤه الطعام بطريقة أشعرته أنها تقدمه لأحد الكلاب، ثم نظرة الانتصار التي بدت في عينيها بعد أن وصلت لهدفها بإذلاله. وظل "بيب" يتردد على المنزل لمدة ثمان أشهر وفي كل مرة يفعل الشيء ذاته يصحب العجوز في جولاتها في غرفة المنزل الكئيبة ثم يلعب مع ستيلا ويرضخ لغطرستها وتكبرها. الآمال الكبرى جاء بعد ذلك الوقت الذي يجب أن يعد فيه "بيب" لمهمته التي كتبت له منذ وعيه على الحياة بأن يصبح صبياً لجو في ورشة الحدادة، وكان "بيب" أولاً راضياً مستسلماً لمستقبله كحداد، إلا أن وجوده في منزل الآنسة "هافيشام" وتعرفه على "ستيلا" قد جعله يتمرد على هذه الحياة وأصبحت آماله الكبرى في أن يصبح جنتلمان حقيقي ملائماً ل "ستيلا"، ولكنه في نفس الوقت لا يريد أن يجعل جو حزيناً فاستسلم لمصيره. خلال ذلك تعرضت أخت بطل الرواية لحادث أفقدها الذاكرة والقدرة على الحركة، واتت فتاة لخدمتهما ورعاية شئونها تدعى "بيدي" وكانت "بيدي" هي الصديقة الوفية لبيب يستطيع أن يتكلم معها بحرية عن آماله وطموحاته وحبه وحلمه بان يصبح "جنتلمان". في أحد الأيام جاءت فرصة "بيب" الذهبية وذلك عندما جاء رجل غريب لزيارة المنزل، والذي عرف نفسه بأن اسمه "جاجرز" ويعمل محاميا بلندن، وجاء بناء على طلب أحد عملائه لإعداد "بيب" لكي يصبح جنتلمان ويتمكن من إدارة الثروة التي سوف يمنحها له هذا الشخص، مع وجود شرط هام أن يظل اسم هذا الشخص سراً لا يعلمه احد. وجد "بيب" بعد هذه الزيارة أن حلمه أوشك أن يتحقق أخيراً وارجع الفضل في ذلك للآنسة "هافشيام" ولم يكن لديه أدنى شك بأنها هي صاحبة الفضل في كل ذلك. لندن وصل "بيب" إلى لندن والتي قال عنها" كنت اشعر بالرهبة حيال هذه المدينة الكبيرة إلا إني صدمت حين رأيتها مدينة غير نظيفة ملأى بشوارع ضيقة متعرجة قبيحة الشكل". ذهب "بيب" مباشرة إلى مكتب "جاجرز" والذي أعطاه بطاقات مالية للتعاملات اليومية والمصاريف، كما تعرف على كاتبه مستر "وميك" الذي صحبه إلى مقر إقامته مع "هربرت بوكيت" هذا الشاب الصغير الذي سوف يصبح الرفيق المخلص له بعد ذلك. كان هربرت شخصا عطوفا رقيقا أحبه "بيب" كثيراً وطلب منه أن يعلمه الحياة اللندنية وأن يرشده إلى السلوك السليم لكي يصبح "جنتلمان" حقيقي، وكان هربرت خير معين له. أتى في احد الأحاديث بينهما ذات مرة ذكر الآنسة "هافيشام" فحكي له "هربرت" قصتها بأنها كانت طفلة صغيرة نشأت يتيمة الأم ومهملة من الأب ولكنها ورثت عنه ثروة طائلة، وبعدما صارت شابة وقعت في غرام أحد الرجال والذي أغدقت عليه من أموالها ووعدها بالزواج إلا انه في يوم الزفاف بعث لها رسالة تنصل فيها من وعوده، فتسببت لها صدمة قاسية وظلت لسنوات محتفظة بالمنزل على نفس حاله منذ يوم العرس. عاش "بيب" حياته في لندن منعماً بالثروة التي هبطت عليه وتلقى دروسه على يد مستر "بوكيت" والد هربرت إلى جانب زميلين أخريين هما "ستارتوب" و"بنتلي درامل" والذي تبادل معه "بيب" الكراهية منذ اللقاء الأول. زيارة غير متوقعة انتقل "بيب" إلى مستوى معيشي آخر فغير أثاث المنزل بأثاث فاخر، وأصبحت لديه أمواله الخاص، وفي أحد الأيام قرر "جو" زوج أخته وصديقه القديم زيارته، ولم يسعد "بيب" بهذه الزيارة ، وقد بدا هذا من حديث "جو" حينما قال له في نهاية الزيارة: "لقد أخطأت بالحضور إلى هنا يا "بيب" إن ملابسي غير لائقة .. أنا أنتمي إلى ورشة الحدادة والفرن والمستنقعات..." وظل "بيب" حزينا لما بدر منه تجاه زوج اخته . حب ستيلا كان قلب "بيب" متعلقاً بستيلا وبجمالها الأخاذ حتى بعد علمه أنها قد سافرت إلى فرنسا، وبعد رجوعها وعلمه باستقرارها في لندن وأنها تريد رؤيته طار قلبه فرحاً، فكان لديه أملاً عظيماً بأن يتزوج منها، إلا أن صديقه المخلص "هربرت" حذره بأن ستيلا قد تشبعت بأفكار الآنسة "هافيشام" فكانت متعجرفة باردة القلب متحجرة المشاعر تستمتع بسقوط الضحايا من المعجبين ، إلا أن "بيب" ظل على حبه لها، وسبب علمه بقرار زواجها من "بنتلي درامل" صدمة قاسية له. بعد بلوغه الحادية والعشرين قام مستر "جاجرز" بإعطائه حرية التصرف بأمواله، وقرر "بيب" أن يستخدم حوالي نصف الأموال الممنوحة له من أجل شراء وظيفة "لهربرت" بإحدى الشركات الحديثة والتي يمتلكها شاب يدعى "كلاريكار" كان يريد مساعد نشيط على شرط أن يساهم بجزء من رأس المال، وقدم "بيب"حصة من راس المال لكلاريكار دون أن يعلم "هربرت" شيئاً عن هذا، وبالفعل تسلم "هربرت" الوظيفة. الشخص الغامض تراكمت الديون على "بيب" خاصة بعد التزامه بدفع حصة رأس المال المطلوبة لتشغيل "هربرت" بالإضافة لديون أخرى للخياط والجواهرجي وغيرها، وبلغ "بيب" الثالثة والعشرون من عمره، وأصبح كلما مر الوقت تراكمت عليه المزيد من الديون. انقلبت حياة "بيب" رأساً على عقب في إحدى الليالي عندما فوجئ برجل غريب يطرق بابه ويريد احتضانه ، وفجأة تذكره إنه هو نفس الرجل أو السجين الهارب الذي قابله منذ سنوات بين المقابر. حكى له الرجل عن حياته قائلاً انه عاش حياة ناجحة في استراليا وامتلك مزرعة وقطعاناً من الغنم، ثم سأل "بيب" أيضاً عن حياته منذ أن افترق الاثنان، واضطر "بيب" مرغماً لحكاية قصته له. وبعد أن انتهى تطور الحديث بينهما ليكشف الرجل عن أحد الأسرار الخطيرة التي جعلت "بيب" كاد أن يغشى عليه حيث وجد أن هذا الرجل هو الشخص الغامض الذي عطف عليه ووهبه الأموال ووهبه الفرصة من اجل تحقيق آماله الكبرى ، قائلا : "أقسمت أن أحرم نفسي من لذائذ الحياة لأوفر لك ما يساعدك على أن تستمتع بحياة رغدة".
أحداث متلاحقة بدأت أحداث الرواية تأخذ إيقاعا سريعا حيث علم "بيب" من "أبيل ماجويتش" أو السجين الهارب الذي تبرع له بالأموال، أنه خاطر بعودته من أجل رؤيته وان السلطات لو علمت برجوعه للندن سوف تنفذ فيه حكماً بالإعدام، ومن هنا بدأ "بيب" في إعداد خطة لتهريب "ماجويتش" خارج لندن، بمساعدة كل من المحامي "جاجرز" وصديقه "هربرت"، وكانت الخطة بان يستقل الاثنان قاربا عبر النهر حتى يصلوا لإحدى السفن التي سوف تقوم بتهريبهم للخارج. وجه آخر ظهر في أحداث الرواية وهو وجه "موللي" والتي تعمل كخادمة في مكتب مستر "جاجرز" لفت نظر "بيب" الشبه الكبير بينها وبين "ستيلا" وعندما سأل عن قصتها قال له مستر "وميك" أنها قاتلة قتلت إحدى السيدات بعد أن اكتشفت خيانة زوجها، ويقال أنها قتلت طفلتها أيضا انتقاماً منه، ونظراً للشبه الكبير بين "موللي" و"ستيلا" لم يكن هناك شك لدى "بيب" أنها والدتها. قرر "بيب" زيارة الآنسة "هافشيام" في إحدى المرات ليطلب منها أن تساعده في سداد باقي حصة رأس المال والذي ينص عليها التعاقد الخاص بوظيفة "هربرت"، وبالفعل أعطته المبلغ المطلوب إلا أنها كانت في حالة شديدة السوء بعد أن تركتها "ستيلا" وما عادت تسأل عنها والتي قالت عنها أنها كانت طفلة صغيرة أعطاها لها مستر "جاجرز" لتتبناها وتمنحها حبها وتهييء لها مستقبلاً مناسباً، إلا أنها كانت دائماً تحذرها من الحب حتى أصبح قلبها قاسياً مثل الثلج . أصبحت الآنسة "هافشيام" شديدة البؤس وبعد أن ودعها "بيب" لينصرف وفجأة وجد حريقا هائلا شب بغرفتها وحاول "بيب" إنقاذها واستدعى لها الطبيب، إلا أنها مالبثت أن توفيت متأثرة بجراحها. أثناء الرحلة التي قطعها القارب الذي يتم فيه تهريب "ماجويتش" ويضم كل من "بيب" و"هربرت" وصديق لهما، حكي "ماجويتش" قصته ل "بيب" فيقول أنه كانت لديه زوجة وطفلة إلا أن زوجته هذه كانت حادة الطباع وبعد أن اكتشفت أنه معجب بإحدى السيدات قامت بخنقها وهددت بقتل طفلته ولم يعد يعلم عنهما شيء بعد ذلك. ثم يكمل قصته بأنه لا يكره في حياته سوى شخص واحد وهو احد الرجال يدعى "كومبايسون" والذي تعرف عليه في الماضي، وكان يبدو كجنتلمان حقيقي يخطط الجرائم ويقوم "ماجويتش" بتنفيذها معرضاً نفسه للخطر بينما يظل هو في أمان، وعندما تم القبض عليهما معاً شهد ضد "ماجويتش" في المحكمة والتي قامت بتصديقه نظراً لمقارنتها بين مظهره النظيف المتأنق الدال على انه "جنتلمان" بينما يمتلك "ماجويتش" مظهرا إجراميا، وحكمت المحكمة بسجن "ماجويتش" والذي أقسم أن ينتقم من هذا الرجل. بعد أن استمع "بيب" لقصة "ماجويتش" لم يعد لديه شك بأنه هو والد "ستيلا" وزوج "موللي" إلا أنه فضل الصمت ولم يبح له بهذا السر، ونكتشف من أحداث القصة أن المجرم الثاني أو "كومبايسون" هو نفس الرجل الذي خدع الآنسة "هافشيام".
بداية جديدة فشلت خطة الهروب التي أعدها "بيب" ل "ماجويتش" وقامت السلطات بمهاجمة القارب الذي يقلهم، وتعرض "ماجويتش" لجروح خطيرة أثناء ذلك ، ومات بمستشفى السجن. وبينما "بيب" يعاني من كثرة الديون ، ثم اشتداد المرض عليه ، ظل وحيداً يعاني حمى شديدة إلا أنه عندما فتح عينيه في إحدى المرات شاهد وجها مألوفا له وجه "جو" هذا الصديق الوفي الذي عاد مرة أخرى ليحنو عليه ، ويسدد كل ديونه ، ثم عاد لبلدته . بعد أن انهارت آماله الكبرى بدأ "بيب" يتذكر ماضيه السعيد، وهواء النهر ووجه "بيدي" الصديقة الوفية وفكر في الرجوع مرة أخرى ل "كنت" ليتزوج "بيدي" ويعيش معها حياة سعيدة، إلا انه عندما وصل وجدها قد تزوجت من "جو" فتمنى لهما حياة سعيدة. تذكر "بيب" أيضاً صديقه "هربرت" والذي عرض عليه قبل ذلك أن يعمل معه في فرع شركة "كلاريكار" في مصر وبالفعل سافر "بيب" وأصبح مع مرور الوقت شريكاً كاملاً في الشركة، وحققت أعماله نجاحاً باهراً وحقق ثروة معقولة. ولم ينس "بيب" أن يمر لزيارة منزل الآنسة "هافشيام" والذي أصبح مجرد أطلال محترقة وتذكر ماضيه وحبه ل "ستيلا" وظل سارحاً في الذكريات، وفجأة وجدها أمامه تقف وحيدة في الضوء القمر، إنها "ستيلا" اندفع "بيب" نحوها وتعرفته بدورها، ووجدها قد فر منها بريق شبابها وجمالها وعلم أنها عاشت حياة قاسية وباعت كل أملاكها بما فيها هذا المنزل، وطلبت من "بيب" أن يغفر لها ما تسببت فيه من شقاء له. مشى "بيب" في بطء مع ستيلا .. بينما تركا خلفهما طيف الآنسة "هافيشام" إلى الأبد.