يبدأ الدكتور محمد محمد داود كتابه "جدلية اللغة والفكر" الصادر عن دار غريب للنشر بتقديم تعريفات عديدة للفكر ومنها أنه إعمال الخاطر في الشيء ويقال لي في الأمر فكر, أي نظر وروية. والتفكير هو إعمال العقل في مشكلة للتوصل إلى حلها, والفكر عمل عقلي مجرد يتسم بطابع الشمول والعموم, أما التفكير فنشاط ذهني "عقلي" يختلف عن الاحساس والادراك لأنه تدفق فكري تثيره المشاكل التي تتطلب حلا من خلال الدراسة والتحليل لكل معطيات المشكلة وجوانبها للوقوف على الضوابط والمعايير التي تحكمها والآليات التي تعمل بموجبها. ويهدف التفكير لفهم حقيقة العالم وتتعدد وظائفه بتعدد المهمات والمسائل الحيوية التي نجابهها في حياتنا اليومية وتطلب اجابات وحلولا مناسبة لها تبعا لطبيعة المعلومات وكميتها ونوعيتها وللقدرات العقلية والعملية التي يمتلكها الفرد وطبقا للأهداف المتوخاة في هذه المعالجة. ويؤكد الكاتب كما نقفلت عنه نجلاء محفوظ بصحيفة "الأهرام" المصرية تميز التفكير الإنساني بالخصائص التالية: حاجة التفكير إلى اللغة فهي واسطة للتعبير عن التفكير, كما يتسم التفكير بالاشكالية أي أنه يتخذ من المشكلات موضوعا له, ويعد محورا لكل نشاط عقلي يقوم به الإنسان, ويعتمد على حصيلة الخبرة التي اكتسبها وعلى ما يحمله من تصورات ومفاهيم وقدرات وطرائف في النشاط العقلي مما يشير إلى العلاقة الأنيقة بين الذاكرة والتفكير من جهة, وإلى العلاقة بين التفكير والمعارف من جهة أخرى. ولا ينفصل التفكير عن طبيعة الشخص فهو عنصر مهم في مكونات شخصية يعمل في إطار منظوماتها الديناميكية, وهو سلوك خفي لا يمكن ملاحظته لكونه استجابة لمثيرات قد لا تكون ظاهرة للحواس بشكل مباشر, فهو نشاط يولد ذاتيا يقوم به المرء بهدف تحقيق نتيجة مرغوبة تضع خطة عمل أو حل مشكلة ما. وينبه الكاتب إلى أن التفكير يتأثر بالعامل النفسي سلبا وايجابا, وبمدى الاقتناع بالقضية محل التفكير, فإذا تمتع الإنسان بصحة نفسية جيدة حال تفكيره في قضية توافرت أسباب اقتناعه بها, فإنه سيندفع إلى التفكير فيها بحماس وانفتاح بطريقة قد توصل إلى الحل المناسب, بعد توفيق الخالق له, في حين أنه قد يعجز ذلك الإنسان عن مجرد اقناع نفسه بأهمية استمراره في التفكير في تلك القضية في حالة اعتلاله نفسيا. ويلقي الكاتب الضوء على نقطة هامة عندما يتحدث عن القوة التأثيرية للغة والتي لا يمكن إغفالها حيث يستخدمها السياسيون وأصحاب النفوذ للسيطرة على عقول الناس من خلال الخطب الرنانة والألفاظ البراقة الخداعة التي تلعب بعواطف الناس وتخدرهم. وقد يصل ذلك أحيانا إلى نوع من غسيل الدماغ أو البرمجة العقلية والتنويم المغناطيسي, يستخدم في نشر مبادئ وعقائد معينة بين الناس, وممن تم دفعهم لتبني أفكار ومعتقدات وتوجهات معينة, وامتلاك وعيهم وهذا مرهون بعقول البشر أنفسهم وبامتلاكهم الوعي الكافي لتمييز الخطأ والصواب, والكذب من الحقيقة, فكلما كانت الأفكار المطروحة متناقضة وغير منسجمة مع الأفكار الموجودة بعقل الإنسان كان دخولها إلى العقل وقبولها والاقناع بها أصعب للمقاومة الشديدة بين الأفكار المطروحة والموجودة, أما إذا كان عقل الإنسان فارغا من الأفكار ومفتقرا إلى الوعي فسيكون دخولها سهلا دون مقاومة حتى تستقر فيه وتصبح بمنزلة الحقائق الثابتة.