هذا العمل ليس هجوما علي السلطة وليس دفاعا عنها ليس دفاعا عن عبد الناصر فليس هناك من يملك قدرة الدفاع عن "ناصر" إلا" ناصر"، كان ناصر يحلم بالكثير لهذا الوطن لكن الكثيرون في الداخل والخارج نهشوا لحمه حيا وميتا ربما يكون له بعض الأخطاء ولكن من منا بلا خطيئة لقد حقق عبد الناصر في مصر يوتوبيا جديدة للحكم ولكن نحن من لوثناها. بهذه الكلمات بدأت سطور كتاب "نقد العقل المصري" الصادر عن دار شمس في طبعته الأولى 2009 في 175صفحة لمؤلفه دكتور زين عبد الهادي. تضمن الكتاب مقدمة عن العقل المصري وأسباب الاتجاه لتأليف العمل وستة عشرة مقالة دارت في هذا السياق وكلمة أخيرة عن التسامح وما يجب علينا إتباعه لتحقيق ثقافة عقلية ناضجة. يسعى المؤلف من خلال العمل إلى رصد مجموعة من الأفكار المتسلسلة التي تحاكي عقل القارئ لقد تم كتابة العمل بإتباع أسلوب الحوار مع القارئ وإتاحة عديد الاستفهامات والتساؤلات التي تثير شغف وفكر القارئ المصري بصفة خاصة والعربي بصفة عامة. افتتح العمل بمقدمة تحدد ماهية العقل المصري ولماذا يتم مخاطبته وأهم المتغيرات والعوامل التي توثر فيه وفي تكوينه وأهم المعوقات التي تعوقه عن الفرار من عديد من معايير الفكر الخاطئة التي بثت إليه. تناول العمل عديد هذه المفاهيم التي تسيطر على عقل المصري وعلى علاقته بالسلطة والآخر من خلال حوارية خاصة بين الكاتب وصديق له يمثل العقل المصري، حيث عبر عن فكرة الثأر التي تبلورت في مفهوم الثأر الاجتماعي والثقافي والتعليمي بين ثأر الإنسان العادي وثأر الجامعي وثأر الأمي وثأر السياسي مبينا ماهية الثأر حيث قال: "إن الثأر يشبه هذا القاتل التسلسلي يتحول من ضحية إلى أخرى فإما أن نحتفظ بالشكل نفسه من عملية قتل إلى أخرى أو نحتفظ بفكرة القتل نفسها من ضحية إلى أخرى علينا إدراك العلاقة في كل مرة بين كل جريمة ترتكب وأخرى". موضحا ماهية عملية الثار والتي تتبلور في كونها جزء من تركيبتنا الوراثية الثقافية حيث إننا نرتكب جريمة الثآر دون أن نعي، فليس شرطا في هذا الثأر أن يكون هناك قتيلا بل المهم إفراغ الشحنة الثأرية من داخلنا. ركز العمل على تناول أساليب الثأر والتي تختلف من الحاكم إلى المحكوم وإلى طريقة المثقف والعامي والقروي مركزا على طرق ثأر الحاكمين من الرافضين لهم مع التعرض للعلاقة بين "الضمير والثأر" وكيف يمكن للضمير التحكم في مفهومه مبينا الحال الذي وصل إليه الضمير قائلا على صفحات كتابه: " لقد ضاع الضمير في الأزقة والطرقات كنت أظن إن عصر الثورة سيعيد تشكيل الضمير ولكنه استعبده ثم ألقى به في أزقة ودروب صحراوية ومن يوم خروجه لم يعد . هذا ما وصل إليه الضمير مشيرا إلى تعريف الضمير مع استنكار غيابه الذي أدى إلى غياب الوعي والقدرة علي التطور والنهوض والتفكير في غد أفضل. أيضا يتساءل المؤلف: ما الذي قتل القطاع العام في مصر؟، ما الذي قتل المؤسسات التعليمية والصحية؟، من الذي قتل الضمير؟. متسائلا عن أسباب هذا الغياب وارتباطاته بالدين والقانون والرقابة الشعبية. يستعرض الكتاب نماذج من الحياة الاجتماعية توضح غياب الضمير في عديد من المؤسسات ولدى عديد من المهنيين والمسؤلين. يفتح المؤلف النيران ورياح الغضب على ما وصلت إليه منظومة التعليم في مصر وما وصلت إليه الأمانة العلمية في الجامعات والمؤسسات والشركات والمصانع مع التطرق إلى دور الوعي والإدراك في الحد من الأمراض الاجتماعية التي أصابتنا دون وعي وأصابت المجتمع محددا دور الوعي في ذلك من خلال استعراض نماذج توضح طرق اضمحلال العقل. وفي ضفة أخرى من ضفاف العمل تم تناول الفوضى المسيطرة علي الشعب المصري فوضي الروح والعقل والحواس والإدراك فوضي تم التعبير عنها من خلال هذه العبارة "دعنا نتأملها سويا" لقد تفوقنا علي الشيطان! الشيطان نفسه لو أراد خلق هذه الفوضى العقلية لن يستطيع لماذا؟ لأننا فقدنا الأمان، خلقنا الأداة التي تقتلنا كل يوم هذه الأداة تكبر كل يوم وأصبحت وحشا لم يعد من الممكن السيطرة عليه لأن أذرعته أخطبوطية ونحن ضعاف مشوشون فوضويون وبعضا لا يستحق مجرد الحياة. أيضا يبرز الكتاب أساليب وأشكال الانسحاب من كل شيء في العالم ومنها الانسحاب من المشاركة في عالمنا وحياتنا، وأصبح القانون الذي يسيطر على علاقاتنا هو قانون الغابة وقانون البقاء لمن يملك القوة. في رثاء لواقع الشباب اليوم تطرق المؤلف إلى واقع عمالة الشباب في الدول الأوربية ومدى الهوان والعناء الذي يكابدونه، مشيرا إلى عديد من صور الوعود التي يتعرض لها المصري في الخارج والتي تحقر من شأنه ويتساءل المؤلف: "أي عقل هو الذي دعا الشباب إلى ذلك" ثم يقول المؤلف: "متى ستكون لأرواحنا قيمة؟". السلطة والعقل وقبول الآخر والفساد سلسلة من التساؤلات استطاع الكاتب أن يصنع منها حلقة نقاش تدور حول القناعة في أن أسباب الفساد تكمن من داخل الإنسان وليس للمجتمع أحيانا دخلا بها ليس هناك دافع للفساد سوى عقول تحجرت ووقفت تائهة أمام الحياة وأمام الشغف بحب السلطة والتقرب منها متعجبا من أوضاع من يقترب من السلطة وكيف ستكون حياته وطريقه وكيف استطاع العقل الإيمان بمبدأ المساواة يقول: "حين دخلت فكرة المساواة إلى المجتمع المصري خرجت روح الحرية منه قتلت وتم التشهير بها في كل الميادين هنا كان يجب أن نفرق بين المساواة والعدل الاجتماعي". ويضيف: "لقد اتسمت أفكار يوليو بالنبل والوعي لكل الآثار السلبية التي ظهرت في العهد الملكي لكنها تحولت مع الوقت على أيادي بعض أفرادها إلى لعنة شربت من دماء الشعب المصري كله". لقد أشار الصديق الذي تم محاورته خلال مقالات العمل إلى مدى إمكانية خضوع العقل المصري لإستراتيجية محددة وماهي ملامحها مع تناول فكرة الثأر من منظور ديني يحدد أسباب التطرف الديني وأسباب الاندفاع والانسياق إليهم محددا رؤية الصديق بمفهومه الضمني في كون هذا التمسك بالدين ما هو سوى تمسك شكلي دون إدراك حقيقي للمضمون أو الأهداف الخاصة به لقد أشار إلى أزمة التمسك بالدين دون إتاحة الفرصة للتعقل أو التدبر أو الاجتهاد قائلا "نحن في أزمة حقيقية لقد ورثنا أفكار كثيرة – مسلمون ومسيحيون – ولكن باب الاجتهاد لم يغلق وباب الفكر لم يغلق. قائلا "إن جزءا من العقل المصري إن لم يكن كله – عبارة عن موروثات دينية وثقافية اختلط فيها الحق بالباطل والصحيح بالخطأ إن الهوية الدينية للعقل المصري هوية تراثية وقد تم الوقوف على ماهية عقل المرأة وهل يعاني ما يعانيه العقل المصري الذكوري والفروقات ودرجتها بين العقلين وهل هذه الفروقات تدفع العقل إلى اتجاهات متخالفة أو متعارضة أم في اتجاه واحد. وفي النهاية يقول المؤلف: "لا يمكن لنا أن نضمد جراح الوطن دون أن نضمد جراح أنفسنا بيننا وبين ذواتنا وبيننا وبين الآخرين وبيننا وبين السلطة. لا يمكن لنا أن نسير في الإصلاح إذا لم نرفع من قيمة التسامح ولا يمكن لنا ان نسير في الإصلاح دون أن نبصر جميعا هذا الضوء القادم من نهاية النفق ولا يمكن لنا أن نسير دون أن نعي بأن هناك أخطاء جديدة تولد علينا أن نعالجها باستمرار دون توقف". وختاما وكما جاء في الإهداء: هذا العمل إهداء للقارئ المصري من أجله.. من أجل مستقبل أفضل له ولكل الأجيال القادمة.