صدر مؤخرا كتاب "هوية لبنان الوطنية، نشأتها وإشكالياتها الطائفية" الصادر عن دار المشرق - بيروت تأليف صلاح أبو جودة اليسوعي عضو في الرهبانية اليسوعية، دكتور في الفلسفة السياسية، أستاذ جامعي ومدير سابق لمعهد الدراسات الإسلامية والمسيحية في جامعة القديس يوسف بيروت وله عدة كتابات لاهوتية وسياسية. يثير الكتاب موضوع الهوية الوطنية، بصفتها عائقاً أساسياً في وجه بنيان وحدة وطنية، وسبباً يحول دون الارتقاء نحو إقامة دولة قوية وذات مصداقية. يهدف الكتاب وفق صحيفة "المستقبل" اللبنانية إلى القول أن جذور الهوية الوطنية في مجموعة معالم مشتركة عند الشعب كله، كرسها الزمن وأضفى عليها طائفاً قدسياً. ينطلق البحث من جملة أمور في شأن الهوية الوطنية يذكر منها: لا يمكن النظر إلى الهوية الطائفية بصفتها ظاهرة نفسية اجتماعية محلية فقط، وإن كان تجاوز "ثقافة الاختلاف" الذي يطبع تلك الظاهرة يؤول إلى تفاعل وطني أكثر إيجابية وحيوية، لا يمكن المبالغة في الاتكال على تحرير "الفرد" أو تحقيق "فردانية اللبناني" لأسباب طائفية وتربوية، قيام الدولة يفترض قبول جميع الفرقاء المحليين بخصوصية لبنان في المنطقة لجهة نظامه وتركيبه ولا سيما دوره. الدراسة تنهج أكاديمياً تأريخاً وتركيباً من ثلاثة أقسام وبفصول متعددة وعناوين مختلفة، القسم الأول "من الإمارة إلى لبنان الميثاقي" مفارقات الحياة الوطنية في نظرة اجتماعية للتعايش الدرزي الماروني ودعمات الكيان اللبناني الأولى في نظرة إجمالية للمشهد الإجمالي السياسي في الإمارة المعنية وعمل النظام السياسي ومتطلبات قيام الأمة ويعود في هذا المجال إلى الدكتور ادمون رباط. يبرز الفصل الثاني اخفاق نظام المركزية وما تسبب به نظام القائمقاميتين من فوضى إدارية وتوتر طائفي متصاعد، والترتيب الجديد لم يأخذ بعين الاعتبار الطوائف المسيحية الأخرى الموجودة في الجبل، ولا سيما الروم الأرثوذوكس الذين طالبوا بقائمقامية خاصة بهم بدعم من روسيا. يعرض الفصل الثالث لاشكالية تشابك الدستور والميثاق تطال أيضاّ السلطة التنفيذية بحيث تسود سياسة ملتبسة بسبب السعي وفي الوقت نفسه، إلى خدمة مصالح الطائفة والمصالح الشخصية والمصلحة العامة، وقد آل هذا إلى صراع مرير على الصلاحيات بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ومنذ زمن الاستقلال وقد ولد ما سمي "ازدواجية السلطة" التي كرسها الميثاق الوطني لازدواجية الحكم والتناقضات والتطور غير المتساو بين الطوائف وازدياد العمل الاجتماعي السياسي على الاساس الطائفي واستحالة حياد الجبل تجاه التجاذبات الاقليمية والدولية. يستعرض الفصل السادس نظرات اللبناني إلى لبنان زمن الحرب: المرجعيات السياسية التقليدية المسيحية والإسلامية الجبهة اللبنانية، ونظرة الحركة الوطنية بعد انقضاء أربعة أشهر على اندلاع الحرب. يرى البطريرك الدويهي في الفصل السابع من الكتاب أن كرسي روما وانطاكية أقامهما القديس بطرس وأعلى شأنهما لكيما تكون الأولى محدد الإيمان وباب الخلاص في الغرب والثانية في الشرق مع بقاء كرسي انطاكية متحدة بكرسي روما. إن الموارنة في نظر الدويهي حماة الإيمان الكاثوليكي في الشرق وموطنهم الجبلي أي جبل لبنان أضحى ملجأ لكل الجماعات الكاثوليكية في سوريا. الفصل الثامن يعالج اتجاهات الفكر الوطني الإسلامي اللبناني وإشكاليات التيارات القومية المختلفة في العالم العربي وإشكالية الأمة والدولة في الفكر السياسي الإسلامي إلى إشكالية تأسيس دولة إسرائيل وصعود التطرف السياسي وظهور التيار العسكري الثوري الفلسطيني وتحديات التيارات الإسلامية السياسية وأزمة الأمة والحلم في الفكر السياسي السني والثورة الإسلامية في إيران والأممية الشيعية عارضاً لتطور الأبعاد القومية في فكر الأمير شكيب أرسلان وكمال جنبلاط واتجاه الخط السني عند محمد جميل والخط القومي عند تقي الدين الصلح ومنح الصلح إلى خط الإمام محمد مهدي شمس الدين الوطني وتحديات الاندماج الوطني كما خط الإمام الصدر ولبنان في ضوء الحركة الإسلامية عند السيد محمد حسين فضل الله والمرجعيات الإسلامية الراهنة.