صدر مؤخرا كتاب "الخطاب القومي العربي المعاصر.. من خلال أبحاث مركز دراسات الوحدة العربية" لمؤلفه د. طاهر المناعي. ووفقا لعمر كوش بصحيفة "المستقبل" اللبنانية يتناول الكتاب الخطاب القومي خلال فترة يعتبرها المؤلف من أشد الفترات قتامةً في تاريخ الأمة العربية المعاصر، وهي فترة السنوات (1975 1990)، حيث اتسمت هذه الفترة المدروسة، على الصعيد القومي، بانهيار القوى التقدمية كلياً وبانتصاراتٍ هائلة للقوى الرجعية، من جهة أن أحداث الشرق الأوسط تركت شروخاً حادة في البناء القومي، انطلاقاً من هزيمة 1967 ومروراً بزيارة الرئيس السادات إلى القدس سنة 1977، وتوقيع مصر لمعاهدة الصلح المنفرد في كامب ديفيد سنة 1979، وانتهاء بضرب إسرائيل للمفاعل النووي العراقي سنة 1981 وخروج الفلسطينيين من لبنان بعد أن اجتاحت إسرائيل بيروت عام 1982. ويعتبر المؤلف أن الوضع العربي المتأزم أحدث صدمة كبرى في نفوس معظم العرب، وفي نفوس بعض المثقفين بصفة خاصة. وفي أجوائه الصاخبة ولد مركز دراسات الوحدة العربية، من خلال تجند مجموعة من المفكرين القوميين لتخوض صراعاً فكرياً ضد كل مظاهر التردي والتخلف في الوطن العربي، كي تعيد الحياة إلى التيار الفكري الوحدوي، أملاً منها في أن تترجم الجماهير والمؤسسات هذا التيار إلى واقع. ويستنتج المؤلف أن الطرح النظري للفكرة العربية في المرحلة التقليدية لم يقم على أسس سليمة وقواعد متينة، وأن إستراتيجية القومية العربية في التنظير والاستشراف لم تكن أفضل من مثيلتها في العمل والتطبيق. وترجع أولى الأسباب إلى أن الفكر القومي العربي، بالرغم من حرصه على الاتصال بالواقع، فإنه بقي مشدوداً إلى الأمثلة والنماذج التاريخية الأوروبية خلال القرن التاسع، فلم يطور رؤيته انسجاماً مع متطلبات مرحلة النصف الثاني من القرن العشرين إلا بنسب قليلة وفي ميادين معينة. فقد ظل على سبيل المثال يقدم قراءة واحدة للتاريخ العربي، وفهماً واحداً للتراث العربي الإسلامي، ويلح على خصوصية هذا التاريخ وعدم انطباق مقومات التحليل الغربي عليه. أما في الفترة التي تلت إنشاء مركز الدراسات فإن الأمر اختلف، حيث عكست المناقشات والتحاليل الواردة في الكتب والندوات القومية وعياً سياسياً حاداً بضرورة إجراء تغييرات هيكلية على النظام السياسي العربي قصد تحقيق مطالب الإنسان العربي في الاستقلال والحرية والتنمية. ولم يراجع الفكر القومي أطروحاته وشعاراته، حيث العروبة التي رفعت رايتها خلال نصف القرن الماضي لم تكن استيعابية بقدر ما كانت شعاراً بلا محتوى، بل لم تكن قادرة على تحقيق إجماع وطني حولها. والممارسات التي مورست والنهج الذي اتبع حملا معهما كل أسباب حالات التردي والانهيار والأزمات التي ألمت بالبلدان العربية. إذ كيف يمكن تصور العروبة، بوصفها دالة انتماء وحاضنة هوية، وقد تحولت إلى إيديولوجيا طاردة للمواطنة والإجماع والتعايش.