صدر مؤخرا في سلسلة أعلام للأدب السوري كتاب "غادة السمان.. المهنة كاتبة متمردة" للكاتبة السورية سمر يزبك. ووفقا لياسين رفاعية بصحيفة "المستقبل" اللبنانية تتناول الكاتبة تجربة غادة السمان في القصة والرواية والشعر وفن المقالة في أربعة فصول مكثفة، الأول: قراءات سيرية ونقدية، حوارات، دراسات في أدب غادة السمان، ومختارات من أدبها. وتحكي يزبك في مقدمتها عن أول اتصال بينهما قائلة: "رن جرس الهاتف. أجبت.. سمعت صوتاً طفولياً ممزوجاً ببحة غريبة كان الرقم مجهولاً ونظرت ثانية في شاشة الموبايل. وقلت: لا بد أن طفلة أخطأت الرقم. ولكن الصوت ناداني باسمي وقال: أنا غادة السمان. صمتت للحظة وقلت من؟ كأن سؤالي أوحى بعدم معرفة الاسم، حل صمت لبرهة، وعاد الصوت ليقول: أنا التي تعيشين معها هذه الأيام، فأدركت أن المتصلة هي الكاتبة التي أحضر كتاباً عنها، فصرخت: يا .. أهلاً..". وتروي سمر يزبك بعض المهاتفات التي حدثت بينهما، مع أنهما لم تلتقيا معاً إلى الآن: "في كل اتصال كانت تدهشني بعفويتها وانطلاقها، ورغبتها المستميتة في عيش الحياة، وكأنها لم تطأ أرضاً، ولم تكتشف بلاداً ولم تعرف عن الحياة ما يجعلها تكتفي. تقول لي أنها ما تزال ترغب بالتسكع، وتحمل حقيبتها وتمضي، مثل أي مغامرة تعتقد أن الحياة تختبئ خلف جدار مجهول تنبش فيما تراه، وتحلم بتجاوز المستحيل، وليس غريباً أنها كانت عندما تركت دمشق إلى بيروت تقود الدراجات النارية والطائرات وتفعل كل ما هو خارج المألوف. ليس غريباً عليها فهي منذ طفولتها تحاول إبرام صفقة مع الحياة تجعل من التمرد فضيلة للعيش. وربما نجحت في ذلك. على أن تلك الصفقة لم تعطها أسباباً للوجود أقل أهمية من السبب الذي تعتقد أنها عاشت لأجله، التحليق بعيداً والكتابة فقط. لا شيء غير الكتابة يستطيع أن يصنعنا من جديد بعد أن نطير معاً بعيداً عن الوطن. تروي سمر يزبك جزءاً من سيرة غادة السمان، بَدْءاً من فشل زواجها الأول، ثم فشل مشروع زواجها مع الصحفي الشهير ياسر هواري. إلى قصتها مع الراحل الفلسطيني غسان كنفاني وحبه لها، ونشرها رسائله إليها، التي بسببها هاجمها عدد كبير من النقاد والصحفيين ومن بينهم ناصر النشاشيبي في صحيفته التي كانت تصدر في القدس، إذ نشر نماذج من رسائل غادة إليه، كرد فعل على نشر رسائل غسان إلى غادة، ونشر النشاشيبي تلك الرسائل بخط يد غادة، حتى لا ينكرها أحد. وتذكر المؤلفة دعوة غادة السمان الشديدة إلى تحرير المرأة والدفاع عن حريتها. فتذكر أن غادة وضعت دستوراً خاصاً بحرية النساء عام 1962، وقامت بكل جرأة بنشره. وتحدثت فيه عن أوضاع المرأة الصعبة وطالبت فيه بتغيير حياة النساء، ودعتهن إلى عدم استعذاب القيد، وحضتهن على التزام الحرية المسئولة، التي تجعل منهن كائنات ذات مرئية موازية للرجل. ومع ذلك لم تكن غادة من تلك النساء الحاقدات على الرجل. اللواتي ينظرن إلى الرجل على أنه عدوهن. وكانت ترى أن الفرق بين المرأة والرجل، هو فرق كيفي لا كمي وانسانيتهما واحدة، لذلك بدا أنها خرجت من تجربة طلاقها بنظرة أكثر شمولية للحياة. تقول غادة: "فلنصل من أجل الجارية التي تعشق أصفادها، لسنا ندري في أي كهف اعتادت أن تجلد، لكننا نسمع نحيب استسلامها، رمينا لها الحياة فبصقتها، صهرنا لها السلاسل، فعادت لتجد لها سيد ما، كي يقيدها من جديد، لأنها تخاف أن تحيا، ولأنها أجبن من أن تحمل مسئولية الحياة". ومن شعر غادة السمان نقرأ تحت عنوان "أتذكر أيامي معك": كمن يرى الأشياء عبر نافذة قطار مسرع : نائية وجميلة والقبض عليها مستحيل من وقت إلى أخر فلنعد أطفالا ولنحزن بلا كبرياء زائف يوم احتضر سأفكر بتلك اللحظة المضيئة حين وقفنا في الظلمة على شرفة القرار وقلت لي بحقد : أحبك سأتذكر صوتك وسيجيء الموت عذبا ويضمني كرحم الفرح المنسي وسأهمس بحقد مشابه: آه كم أحببتك !