صدر مؤخرا عن دار "تانيت" في المغرب العربي كتاب "ما قبل اللغة... الجذور السومرية للغة العربية واللغات الأفروآسيوية"، للباحث والكاتب عبد المنعم المحجوب في 288 صفحة. يقول المؤلف في المقدمة التي جاءت تحت عنوان "هذه الحفريات": "يتجه هذا العمل ليس فقط نحو التشكيك في المسلمات التي سيطرت لعقود طويلة على قراءة التراث اللغوي الأفروآسيوي، بل ويسعى من خلال طرح نظريته الجديدة في قراءة اللغة السومرية إلى إعادة ترتيب صورة هذا التراث في الذاكرة الإنسانية. الصورة التي صُنعت بتراكمات استغرقت من علماء الآشوريات والمصريّات، والمستشرقين عامةً، أكثر من قرن متصل من البحث والتدقيق". وأضاف: "إن المنجز الاستشراقي فذّ في حدّ ذاته، وقد استغرقت الخلاصات المعروفة جيداً في الوقت الحالي، والمنتشرة بما يجعلها أقرب إلى المصنفات المدرسية، عقوداً طويلة من الجهد المضني والبحث الدؤوب، بدءا من أواخر القرن التاسع عشر، عندما كانت كلّ خطوة صغيرة إلى الأمام تعدّ فتحاً علمياً صاخباً. ولكن للاستشراق إلى جانب سيرته الملحميّة هذه أوضاع كثيرة، وبعض هذه الأوضاع ليس صحيحاً، أما فيما يتعلق بسومر وباللغة السومرية بالذات، فإنه يبدو واقفاً رأساً على عقب". يفترض الكاتب وفق ما كتبت فيحاء العاقب بصحيفة "الراي" الكويتية وجود متوالية لغوية أفروآسيوية تبدأ من السومرية وتنتهي بالعربية، وبالرغم من الفكرة السائدة عن عزلة اللغة السومرية إلا أن الباحث يلجأ إلى تفكيك الجذور العربية ليثبت أنها في الحقيقة تتكون من مقاطع سومرية ولكن غلبت عليها السمة الجذرية فذابت تلك المقاطع في التلفظ العربي للكلمات. يسعى المؤلف إلى تتبّع واستظهار التغيرات الصوتية "الفونيطيقية" التي أصابت سلسلة الألسن الأفروآسيوية، باللجوء إلى مقارنة أساسية بين السومرية والعربية. وقد وجد أن التداخل السومري الأكدي، يتجاوز في الحقيقة ما عُرف من استخدام مشترك لعدد من المفردات، شاع أنه كان نتاجاً لتمثيل اللغتين بالخط المسماري نفسه، يتجاوز ذلك إلى صلة وثيقة تتبدّى فيها المقاطع السومرية كطبقة لغوية مضمّنة في الأكدية والعربية، وقد خلص إلى أن الضمائم اللغويّة الأفروآسيوية متحدّرة من السومرية، وأن المقاطع السومرية المفردة والمثنّاة متوطّنة، قارّة في الأكدية والعربية والمصريّة.. وغيرها من بقية لغات الفروع والضمائم الأفروآسيوية، ولهجاتها المحكيّة. كما سعى من خلال أمثلته التطبيقية التي تعدّ بمئات المفردات إلى استظهار الفونيمات المفردة المؤسسة للكلمات المقطعية السومرية في تحولاتها التدرّجية إلى جذور ثنائية وثلاثية في اللغة العربية، بالإضافة إلى ما قدمه من مقارنات تأثيليّة تتصل بالمواد المعجمية وتحولاتها الدلالية. قدم المؤلف أيضاً مقارنات لغوية عدة ومعتقدية بين سومر ومصر ليثبت أن معاني أسماء آلهة مصر لا يمكن فهمها إلا من خلال اللغة السومرية، وأن اللغة المصرية القديمة متطورة عن لغة العراق القديم، بنفس المنهج الذي اتبعه في دراسة العلاقة بين اللغتين السومرية والعربية.