بيروت: صدر مؤخرا عن دار الكتاب الجديدة كتاب "تعايش الثقافات: مشروع مضاد لهنتنغتون" لمؤلفه هارالد موللر، أستاذ العلاقات الدولية فى جامعة فرانكفورت الألمانية. يتعرض المؤلف فى الفصلين الأول والثانى من القسم الأول من الكتاب لقواعد نقده الأساسية لصامويل هنتنغتون، متوقفا فى الفصل الأول عند مفهومى "الثقافة" و"الحضارة"، ومتتبعا القوى التى تدفع إلى تطور الثقافات فى وقتنا الراهن، وقد خُصِّصَ القسم الثانى لفحص أسباب النزاعات العنيفة ومجرياتها فى ضوء السؤال التالي: هل وجدت تكهنات هنتنغتون تحققا لها فى الحروب الحالية؟ أما القسم الثالث، فقد اشتغل الكاتب على الأقاليم الكبرى فى السياسة الدولية: الغرب وآسيا والعالم الإسلامى وروسيا ومجالها، وكذلك أقاليم "الأطراف"، أى إفريقيا وأمريكا اللاتينية. وخُصِّصَ القسم الرابع والأخير لطرح تصور/سيناريو لمسار العلاقات اللاحق بين هذه الأقاليم، مضيئا التأثيرات المحتملة ل"عوامل الاضطراب" مثل الإرهاب والأضرار البيئية والهجرات الجماعية الكبيرة. يوضح منتصر حمادة بصحيفة "العرب" اللندنية ان المؤلف يوجه انتقادات لاذعة للعديد من "النجوم الإعلاميين" الذين يوصفون عادة بأنهم "خبراء إقليميون" أو "خبراء الشرق الأوسط" أو "عارفون بالإسلام".. إلخ، ونخص بالذكر فى هذا المقام الكاتب الألمانى بيتر شول لاتور الذى سبق هنتنغتون بسنوات طويلة فى تصوره التقليدى عن الصراع الجوهرى بين الثقافة المسيحية الغربية والإسلام، "وقبله عالم المستقبليات المغربى المهدى المنجرة من خلال مؤلفه الموسوم ب"الحرب الحضارية الأولى"" فالرجل يستعرض حماسه بوعى على شاشات التلفزة فى أوقات الأزمات. تتمحور أطروحة موللر الأساسية فى هذا الكتاب حول حتمية اللجوء إلى قراءة مُعقّدة ومُركّبة من أجل فهم ما يجرى فى العالم اليوم، فى تقاطع واضح مع أطروحة المفكر المصرى عبد الوهاب المسيرى حول الحاجة إلى نموذج تفسيرى مركب لتفسير الظواهر الاجتماعية. والحال، يضيف موللر، أن عالمنا المعقد يقف بصرامة لا تخلو من سخرية ضد التبسيط الشديد الذى ميّز نظرية هنتنغتون، والذى يقع فيه الكثير من المفكرين والساسة الأمريكيين استجابة لحاجة جمهور عريض غير معنى أصلا بالعالم الخارجي، ولا يعنيه أن يتتبع تفاصيل كثيرة مرهقة، أو يعرف خلفيات معقدة، بل يريد توجيهات سريعة واضحة من قبيل: إننا نقف مع الخير ضد الشر، أو مع الحرية ضد القمع.. الخ، انطلاقا من مبدأ "نحن ضد هم" السهل. نحن أمام مشروع مضاد ومقنع ضد أطروحة هنتنغتون، والعمل بشهادة أحد نقاده الألمان، يقدم نقدا تمت صياغته بشكل واضح على النظرية إياها، وتحليلا للظواهر الأكثر أهمية التى قدمها هنتنغتون بوصفها أحلافا ثقافية، مثلما يقدم طرحا يحتوى على نظرة عالمية فيها كثير من التفاؤل.