صدر حديثا عن الهيئة العامة للكتاب ضمن اصدارات سلسلة العلوم الاجتماعية كتاب "الليبرالية المصرية" للدكتور رفعت السعيد الكتاب يقع في 283 صفحة وينقسم الي أربعة عشر فصلا يقدم خلالها الدكتور السعيد رصداً لملامح الساحة الليبرالية في مصر قبل عام 1952 خلال فترة تنامي التيار الليبرالي في مصر من خلال العديد من الدراسات حول العديد من المعارك الكبري التي خاضها مجموعة من اشهر المثقفين الليبرالين ضد دعاوي الاستبداد والاستعمار والتطرف ومنهم شلبي شميل، فرج انطون، وعلي الدين يكن، سلامة موسي، اسماعيل مظهر، قاسم أمين، طه حسين وغيرهم. كما يتناول الكتاب وفقاً لجريدة "الراية" القطرية موضوع الليبرالية السياسية او الفعل السياسي في ساحة الليبرالية حيث يعرض بقليل من التأني والتأمل لكل من زعيمي حزب الوفد سعد زغلول ومصطفي النحاس والطليعة الوفدية الغربية والليبرالية المصرية، ففي حين قامت الليبرالية الغربية علي اكتاف مجتمع اكمل تشكيلته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية عبر بزوغ طبقتين اجتماعيتين هما البرجوازية والعمال فان الليبرالية المصرية كانت ولا تزال تحاول الوقوف تارة في وجه الاحتلال وأخري في وجه القصر وثالثة في وجه التطرف لذا تعرقلت خطواتها اكثر من مرة لان النمو الليبرالي اشبه بنبات رقيق في حاجة الي جو سياسي سليم ليترعرع في اطاره لكن هذا النبات قد اختفي مرة قبل ما يشتد عوده في الفترة من 1922 حتي 1936 فمع كل الفوران السياسي والوطني الذي شهدته مصر آنذاك إلا ان عملية اجهاض حادة قد تعرضت لها العديد من المؤسسات الليبرالية في مصر. ويشير الدكتور رفعت السعيد الي ان احد اخطاء الليبراليين المصريين انهم جعلوا ليبراليتهم مرادفة للتغريب معتبرين ان مهمتهم المقدسة اقامة نموذج ليبرالي اوروبي في مصر مما اوقعهم في متناقصات عديدة وربما كان ذلك سببا في ظهور النزعة السلفية التي تدعو لأسلمة المجتمع وأسلمة السياسة وكان الدكتور طه حسين هو خير نموذج لذلك المثقف الذي كان يري أن مصر لابد ان تصبح جزءاً من العالم الحديث بكل ايجابياته وسلبياته. ويتوقف الدكتور رفعت السعيد في كتابه حسبما ذكرت "الراية" امام الدور والمأزق الذي صنعه الليبراليون الشوام في مصر وخصوصا الذين هاجروا لمصر منذ منتصف القرن التاسع عشر من سوريا ولبنان، فهؤلاء المفكرون الليبراليون الشوام وفدوا الي مصر وعاشوا فيها طولا وعرضا واندمجوا في حياتها الثقافية والصحفية والفنية والاقتصادية حتي الاعماق بل كانوا المبادرين في مجالات عديدة. لكن بعضا من هؤلاء احاط ليبراليته بغلاف انتقادي للموروث بل احيانا بتحدي للمشاعر الوطنية ازاء الاحتلال البريطاني فبعضهم تملقوا الاحتلال الانجليزي لانه الذي افسح لهم صدر مصر ووفر لهم الحماية من العثمانيين. وليس هذا فقط بل يتطرق الدكتور السعيد في كتابه لكل من الليبرالية المسلحة علي يد العرابيين والليبرالية الصاخبة علي يد شلبي شميل والليبرالية غير المكتملة علي يد كل من سعد زغلول ومصطفي النحاس، مشددا علي ان الليبرالية ليست فقط فكرة جميلة بل هي فكر ملتصق بالفعل والممارسة ورغم كل شيء فلقد منحت الليبرالية المصرية حديقة الفكر المصري ازهارا جميلة من المستحيل تجاوزها.