بمثابة بحث في العلاقة ما بين التاريخ والمكان والطبيعة البشرية في مهب الرحيل تأتي رواية "وغد استانبول" للروائية التركية أليف شفق التي كانت قد أصدرت قبلها خمس روايات أخرى قبل هذه الرواية، التي تعد الثانية التي تنجزها باللغة الانجليزية حيث تناقش شخصياتها بحرية مذبحة 1915 التي تعرض لها الأرمن على يد الأتراك، والتي لاتزال الحكومة التركية تنكرها رسمياً. وتتابع رواية "وغد استانبول" ، التي غدت حسبما ذكرت "الدستور" الأردنية من أفضل الكتب مبيعاً في تركيا بصورة فورية ، حياة عائلتين ، الأولى هي قبيلة تركية تسكن استانبول ، والثانية عائلة أرمينية تقيم في كاليفورنيا وأريزونا ، حيث تعمل شفق بالتدريس عدة أشهر من كل عام. ومن خلال قصص هاتين العائلتين تستكشف شفق الموضوع السياسي المحرم المعروف في تركيا باسم "المسألة الأرمينية" ، التي تتساءل عما إذا كان ترحيل ما يزيد على مليون أرمني وموتهم على يد الأتراك في عام 1915 هو "قتل جماعي" أم أنه على نحو ما تذهب الحكومة التركية جزء من الحرب العالمية الأولى. وتصف شفق نفسها بأنها بدوية ، حرة الروح ، امرأة ربتها أم مطلقة تعمل دبلوماسية ، مضت بها لتقيم حيث تعمل في إسبانيا والأردن وألمانيا. وهي تقول: "إنني إنسانة تكتب دائماً سواء أكنت في طريقي إلى تركيا أو بعيداً عنها ، وعندما أحس بالاختناق فإنني أكتب أو أغادر البلاد". وبدورها تستهل رواية "وغد استانبول" على نحو دراماتيكي بميلاد طفلة في ظروف صعبة ، حيث لا تنجح محاولة زليخة قزنجي لإجهاض نفسها ، وتصبح ابنتها آسيا صلة الوصل بين العائلتين. وشخصيات شفق النسائية ذات حضور بارز في أعمالها ، حيث تدير زليخة صالونا للوشم ولها ثلاث أخوات ، إحداهن قارئة للطالع ، والثانية مدرسة للتاريخ التركي ، أما الثالثة فتعاني من الانفصام. وأمهن "كان يمكن أن تكون إيفان الرهيب في حياة أخرى". وتنتقل الرواية سريعاً إلى آسيا، بحسب تقرير "الدستور"، وهي شخصية ذات أبعاد دوستويفسكية ، فهي فتاة في التاسعة عشرة من عمرها ، وهي لا ينقصها التعصب. أما بالنسبة للعائلة الأميركية ذات الأصل الأرمني فنجد فيها الفتاة ذات الذكاء المتألق أرمنوش ، والتي تبدو ناطقة بلسان الغضب الأرمني على الأتراك. وعلى امتداد أكثر من مئة صفحة تعمل شفق ببراعة على التمهيد للصدام بين خطي الحبكة ، عندما تكتشف آسيا وأرمنوش تقاطع أسرار عائلتيهما. على امتداد مسيرة الرواية تبدي شفق اهتماماً فائقاً بتفاصيل الحياة اليومية للنساء ، وبصفة خاصة الأطعمة التي يتناولنها. وهي تقول في هذا الصدد: "يدهشني على الدوام كيف أن الأطباق الشائعة تتجاوز الحدود الفاصلة بين الأمم". جدير بالذكر أن شفق قد ولدت في ستراسبورغ بفرنسا في عام 1971 ، وأمضت طفولتها وصباها في تركيا واسبانيا. وقد تخصصت في دراسة العلاقات الدولية في الجامعة الفنية للشرق الأوسط، وحصلت على الماجستير في "الجنوسة" ودراسات المرأة وعلى الدكتوراه من قسم العلوم السياسية بالجامعة نفسها. وعملت بتدريس التاريخ العثماني والكتابات النسائية وتركيا والهويات الثقافية في جامعة بيلجي باستنابول وعملت باحثة زائرة في جامعة ميتشيغان بالولايات المتحدة، وهي حالياً أستاذة مساعدة في قسم دراسات الشرق الأدنى بجامعة أريزونا وتعد ناشطة بارزة في الحياة العامة التركية ، وهي تساهم بمقالات يومية وشهرية في العديد من المطبوعات التركية. وقد أصدرت روايتها الأولى وهي في السابعة والعشرين من عمرها بعنوان "الصوفي" التي صدرت منها ثماني طبعات ونالت عنها جائزة الرومي التي تمنح لأفضل عمل أدبي "صوفي"، وأعقبتها برواية "مرايا المدينة" التي صدرت منها سبع طبعات ، ثم رواية "النظرة" التي صدرت منها ثماني طبعات وأحدث رواياتها "وغد استانبول" وهي ثاني رواية تكتبها بالانجليزية، وظلت تتصدر قوائم أفضل الكتب مبيعاً في تركيا خمسة أشهر متوالية، وبيع منها هناك أكثر من مئة ألف نسخة حتى الآن.