لماذا وصفت زيارة الرئيس التركي عبدالله جول الي أرمينيا بالتاريخية؟ علي الرغم من أنها تحمل فقط طابع حضور فعالية رياضية؟ ببساطة شديدة لأن جول هو أول رئيس تركي يقوم بمثل هذه الزيارة ولأنها قد تشكل أهمية كبيرة في تطبيع العلاقات بين بلدين معروفين بالعداء التاريخي بينهما برغم مرور90 عاما علي الاقتتال الدامي بسبب الأزمة الضاربة بجذورها الي ما يعتبرها الأرمن مجازر مرتكبة في حقهم زمن الامبراطورية العثمانية قرب نهاية الحرب العالمية الأولي. ويرجع مؤرخون أرمن بداية الأزمة الي بين عامي1894 1896 في مناطق الأناضول الشرقية تحديدا ويقولون إن هذه المجازر أدت الي مصرع ما لا يقل عن مائة وخمسين ألف أرميني, علي أن المجزرة الكبري بالنسبة لهؤلاء المؤرخين بدأت في24 ابريل من عام1915 عندما اعتقلت السلطات العثمانية ستمائة زعيم أرمني في اسطنبول وقامت بتصفيتهم جسديا وقامت بتسريح كل الأرمن الموجودين في الجيش السلطاني واقتادتهم الي الأعمال الشاقة ومن ثم تمت تصفيتهم. ويعتبر الأرمن أن المجازر التي ارتكبت بحقهم في ظل الامبراطورية العثمانية بين العامين1915 1917 خلفت نحو مليون ونصف المليون قتيل وتشكل إبادة, الأمر الذي تقر به دول عدة غير أن للجانب التركي رواية أخري تختص بما حدث من صراع مع الأرمن إذ يؤكد باحثون أتراك أن عددا كبيرا من الأرمن كانوا يعملون في إدارات الدولة العثمانية خلال فترة التهجير وما بعدها, وأن الدولة العثمانية لم تكن في نيتها مطلقا التخلص من الأرمن أو طردهم من المجتمع العثماني, ولكن تركيا ترفض هذا التوصيف بشدة وتري أن ما بين250 ألفا و500 ألف أرمني قتلوا في معارك بعد ما تسلح الأرمن بهدف انشاء دولة أرمينية مستقلة, كما يقول باحثون أتراك إن أرشيف دور الوثائق التركية يضم ما بين135 و136 مليون وثيقة بينها وثائق تكشف عن قتل الأرمن ل524 ألف مسلم تركي في الأناضول. ومن ثم بات السؤال الأكثر إلحاحا الآن, تري هل تنجح دبلوماسية كرة القدم في أن تشكل خطوة تمهيدية لتطبيع العلاقات الثنائية بين البلدين علي الرغم من هذا الإرث المثقل بالأزمات والمطالب التي يستحيل الاستجابة إليها؟ الأمر الذي جعل زيارة جول الي أرمينيا تحظي بهذه الإثارة برغم أنها ستكون فقط لمشاهدة مباراة في كرة القدم. وبطبيعة الحال خلف خبر الزيارة جدلا حادا بين فعاليات الرأي العام التركي, فبينما أشادت وسائل الإعلام بقرار الرئيس التركي جول معتبرة إياه قرارا تاريخيا أبدت المعارضة البرلمانية ارتيابها من هذه الخطوة شديدة الحساسية في تاريخ العلاقات بين الشعبين التركي والأرميني لأن جول سيكون أول رئيس تركي يزور أرمينيا منذ استقلالها في عام1991 في ظل الخلاف العميق بين البلدين حول قضية الابادة الأرمينية وعدم وجود علاقات دبلوماسية بينهما إلا أن الرد جاء سريعا من المكتب الإعلامي للرئاسة التركية الذي أشار الي أن زيارة تتم في إطار هذه المباراة يمكن أن تشيع مناخ صداقة جديدا بالمنطقة. ورأي العديد من المعلقين الصحفيين أن دبلوماسية كرة القدم تشكل فرصة لنوع من تطبيع العلاقات الثنائية التي تظل رهنا بقضية المجازر الأرمينية وكتب جنكيز شاندار في صحيفة راديكال ان دبلوماسية كرة القدم تذكر بدبلوماسية تنس الطاولة في عام1972 بين واشنطن وبكين وأضاف: برغم تعرض قرار الرئيس التركي بزيارة العاصمة الأرمينية لانتقادات حادة داخل تركيا إلا أنه علي المدي البعيد لن يمر هذا الأمر بدون انعكاسات ايجابية علي العلاقات بين البلدين الجارين. وفي حين أشاد قسم كبير من الصحافة التركية بالطابع التاريخي للزيارة التي تستمر بضع ساعات وتتخللها خلوة بين الرئيسين جول وسركسيان وجهت المعارضة السياسية التركية انتقادا شديدا لها وأعربت الأحزاب غير البرلمانية في تركيا عن معارضتها للزيارة وكذلك حزب العدالة الحاكم الذي يعد جول عضوا مؤسسا به فاتخذت تلك الأحزاب قرارا بالإجماع بعدم ارسال أي عضو برلماني الي أرمينيا لمشاهدة المباراة. وبرغم كل هذه الانتقادات والمعارضة, فإن المراقبين يعتقدون أن الرئيس التركي عبدالله جول الذي سلكت تركيا في عهد حكم حزبه العدالة والتنمية سياسة تعتمد علي الانفتاح في كل الاتجاهات سيكون بزيارته الي أرمينيا قد خطي خطوة أساسية لتحسين العلاقات الدبلوماسية مع عدو تاريخي. ومهما يكن من أمر الزيارة ونتائجها إلا أنها تشكل الخطوة الأهم حتي ولو كانت بمثابة خطوة من ألف ميل.