اطلعت على مقال الأستاذ عطية عيسوي "عواقب الدفء الغايب بين مصر وليبيا" الذي نشرته صحيفة الأهرام يوم الاثنين الماضي 10 سبتمبر بصفحة "قضايا وآراء"، وفي الوقت الذي أحييي فيه الكاتب على تناوله هذا الموضوع المهم، وكنت أتمني من سيادته أن يحاول التحري وجمع البيانات قبل الخوض في هذا الموضوع الشائك، ولكنه بذلك أتاح لي فرصة الرد والتعقيب والإيضاح. بداية أتفق مع الأستاذ عطية في الاختلاف بين موضوع "عبدالله السنوسي والآخرين، إلا أن هذا الاختلاف ليس كبيرًا بالنسبة لبعض الليبيين المتواجدين في مصر، ولعله من المفيد أن أوضح بعض النقاط الهامة التي أحيط دراية بها بشكل كامل بحكم موقعي الوظيفي السابق أو ملاصقتي لأحداث الثورة الليبية ومعرفتي بمعظم تفاصيلها منذ بدايتها. وفي ردي هذا سأركز علي محورين أساسيين: الأول يتعلق بأعوان نظام معمر القذافي الموجودين الآن بمصر، فأقول: أولا: أن المتواجدين على الأراضي المصرية من أعوان القذافي ليسوا فقط سراق المال العام الليبي، بل هناك أكثر من وزير داخلية ورؤساء أجهزة أمنية وضباط كبار من المخابرات الليبية السابقة، ومنهم من تم تحرير مذكرات في حقهم وتم تعميمها من قبل الإنتربول، بالإضافة إلى ذلك فإن مؤسسات الأمن المصري بمختلف تنظيماتها تعلم عن هؤلاء الكثير، وكانت تنتقد في تقاريرها تصرفاتهم ضد الشعب الليبي والمصريين المقيمين في ليبيا خاصة. ثانيًا: أن هؤلاء وغيرهم لم تمنحهم الحكومة المصرية اللجوء السياسي لكي نتحدث عن ضمانات لهم قبل تسليمهم. ثالثًا: أن وضع هؤلاء الآن أنهم موطنون ليبيون دخلوا مصر زيارة وأقاموا بها، بل تملّكوا عقارات وفقًا لاتفاقيات بين البلدين تنظم ذلك، وأيضا تنظم العمل الثنائي الأمني، فكم من مرة أبلغت السلطات المصرية عن مجرمين مطلوبين كمتهمين وليس محكومًا عليهم، تم تهريبهم إلى ليبيا وسلمتهم السلطات الليبية في السابق للسلطات المصرية، وفي الوقت الحالي وفقًا لهذه الاتفاقيات. رابعًا: أن هؤلاء مع الآخرين الذين يملكون المال يتآمرون الآن، ومن مصر، ضد الشعب الليبي وثورته، وما تفضل به الكاتب في نهاية مقاله ليس احتمالاً بل حدث ويحدث بالفعل، فهم يتحركون في مصر بكل حرية ويتآمرون على ليبيا وشعبها، بل يتطاولون حتى في المقاهي والأماكن العامة والأسواق من قبل أبنائهم ويستفزون الليبيين والليبيات بهتافاتهم وحملهم صور الطاغية القذافي، بل إن هناك محاولات عديدة، وبشكل مستمر، لفتح قنوات فضائية مضادة للشعب الليبي وثورته التي اختارها بملء إرادته الحرة. وفي ختام المحور الأول أقول: تصور أن ليبيًّا الآن موجود فيها حبيب العادلي وزير داخلية حسني مبارك وبعض أعوان النظام وضباطه الموجودين في سجون مصر الآن، فماذا سيكون موقف ثوار مصر وشعب مصر؟! أترك التقدير لسيادتك! أما المحور الثاني فيتعلق بالجانب الاقتصادي "الليبي- المصري" والعمالة المصرية في ليبيا، وبحكم عملي في ليبيا خلال الفترة منذ عام 1993م إلى 1999م، كمسئول عن القوى العاملة في ليبيا ومن 1999 إلى 2007 كمدير عام لمنظمة العمل العربية، وبحكم إلمامي بالاستثمارات الليبية في مصر والعمالة المصرية في ليبيا والصادرات المصرية لليبيا وتدنيها وأسباب ذلك، أحب أن أوضح لسيادتك الآتي: 1 أن الاستثمارات الليبية الحقيقية في مصر في كافة الميادين السياحية والصناعية والزراعية ومجال الاتصالات والإنشاءات والإسكان تقترب من ال 10 مليارات دولار، 95٪ منها أو أكثر مملوكة لمؤسسات استثمارية رسمية ليبية وليس أفرادًا ليبيين، والباقي منها يملكها رجال أعمال ليبيين بمصر منذ فترات زمنية سابقة، والأغلبية منهم انحازوا للثورة إلا عددًا لا يتعدى أصابع اليد الواحدة، الذين سجلوا أنفسهم بمصر على أنهم رجال أعمال، في حين أن الأموال يديرونها هي أموال من مخابرات القذافي، وأجهزة مصر تعلم ذلك جيدًا، ولا أريد أن أصل بالتأكيد إلى حد أنها كانت تتم بتنسيق معها. 2 أن أعوان القذافي المقيمين الآن في مصر وتستهدفهم الثورة الليبية أموالهم الكبيرة ليست في مصر، بل إن ما لديهم من أموال في مصر من قبيل تغطية مصروفاتهم أو تغطية التكاليف المالية لأعمالهم الإجرامية ضد شعبكم في ليبيا، وهم ليسوا أغبياء، لأن أموالهم في أوروبا وفنزويلا ومناطق أخرى من العالم، وجاري متابعتها، ولا أريد الخوض في تفاصيل أكثر. 3 أن العمالة المصرية في ليبيا ملف استخدمه القذافي لليِّ ذراع السلطات المصرية من أجل تحقيق مطالبه التافهة، مثل إيقاف صحفي انتقده من خلال الكتابة عنه، أو إقالته من رئاسة التحرير، وهكذا أمور شخصية سيدي "القذافي" كذب عليكم كثيرًا، ووصل به الأمر في كذبه إلى أن قال لكم: إن لديكم 2 مليون عامل مصري، ورغم إعلاني بشكل شخصي في كل مناسبة في وسائل الإعلام أن عدد العمالة المصرية الرسمية في القطاع العام والخاص بليبيا لا تتجاوز 150 ألف عامل، وأن العمالة الموسمية أو عمال التراحيل لم يصل عدد المتواجدين منهم إلى 500 ألف عامل، بل إن هذا رقم مبالغ فيه نوعًا ما، وليست هناك إحصائيات دقيقة حول هذا الموضوع، فالعمال يأتون ليعملوا أربعة أوخمسة أشهر ثم يعودون إلى مصر، ثم يرجعون بعد عام، وهكذا فإن معظم هؤلاء يعملون بدون عقود و"باليومية" ويحولون ما يتحصلون عليه عن طريق تجار ليبيين مرتبطين بتجار في الموسكي والعتبة والمنشية بالإسكندرية يدفعون بالدينار الليبي ويستلمون بالجنيه المصري من مصر، والبعض منهم يشتري ذهبًا ويرجع به لأنهم لا يستطيعون التحويل الرسمي من خلال البنوك لعدم وجود عقود عمل لديهم. 4 ولعلمك، فهناك مصريون كثيرون نعتز بهم كل الاعتزاز، لأنهم انضموا للشعب والثوار، بل استشهد العديد منهم بنيران كتائب القذافي ((التي تأوي مصر بعض من قادتها الان ))في هجماتهم المختلفة، وكثير منهم أيضا لم يتركوا ليبيا خاصة المقيمين في المدن الشرقية والعاملين مع الليبين في الزراعة والثروة الحيوانية. 5 عندما نتحدث عن تعويض في حقوق، فإن الأمر مقبول بالنسبة للعمالة المصرية التي كانت متواجدة بعقود رسمية مع الأجهزة الليبية أو الشركات الأجنبية العاملة في ليبيا، وهؤلاء معظمهم رجعوا باستثناء الذين شركاتهم لم تعد للعمل في ليبيا بعد، وعند عودتها ستلتزم بتسوية مستحقاتهم؛ لأن الحكومة الليبية حصرت كل الأضرار التي لحقت بالشركات، ومنها حقوق العاملين مع هذه الشركات من مختلف الجنسيات. 6 أما التبادل التجاري للأسف الشديد، وأقولها بكل صراحة ووضوح، فإن المواطن الليبي والتاجر الليبي فقدوا الثقة في الواردات المصرية بعد اكتشاف الغش في الدواء المنتهية صلاحيته ويتم إرساله إلى ليبيا، علاوة على الغش في المواد الغذائية بالإضافة إلى المنتجات الأخرى مثل الأثاث وغيره، فقد كثر الغش فيها مما أدى إلى عزوف المواطنين عن شراء المنتج المصري، وبالتالي اضطر التجار إلى الاتجاه نحو المنتجات التركية والصينية والأوربية، وهذا الأمر يحتاج إلى إعادة بناء الثقة من جديد، والتي لا تعود إلا بالممارسة العملية ودخول رجال الأعمال الصادقين الأمناء من مصر وليبيا، ومنح دور للرقابة من قبل الغرف التجارية الليبية والمصرية وإنشاء غرفة مشتركة وتفعيلها. وأتمنى أن يتم الاهتمام ببعث اللجنة الليبية المصرية المشتركة، واللجان المتفرعة منها، والبدء في عمل جاد غير عاطفي لخدمة الشعبين؛ لأن ليبيا عمق إستراتيجي لمصر، ومصر عمق إستراتيجي لليبيا ولن نستغني عن بعضنا البعض، ودورنا نحن تقديم المشورة والنصح، وفقنا الله لما فيه خير البلاد والعباد في مصر وليبيا. [email protected] بنغازي