الإعلام المضلل: كارثة كل العصور إذا فكّرت يوما في سؤال جدك أو والدك، أو أي من أقربائك ممن هم أكبر سنا، عن أسْوَدِ يوم مَرّ عليه ستكون إجابته بلا شك: يوم الخامس من يونيو عام 1967 الذي سُمي تخفيفا ب"النكسة".. كان خطأ فادحا للقيادة السياسية والعسكرية في آن واحد، خطأ رهيب، تحمّل تبعته وحده الجندي المصري على الجبهة الذي اضطرّ إلى الانسحاب "كلٌ على مسئوليته الشخصية". "الخامس من يونيو" يُطلَق عليه تجاوزا "الجولة العربية الإسرائيلية الثالثة"؛ بالرغم من أنه لم يكن حربا ولا حتى معركة؛ لأن مصر لم تضرب فيها بسهم، فلا هي حاربت ولا شاركت بجندي واحد في أي خطة هجومية، ورغم أن القيادة السياسية وقتها لم تكفّ عن التلميح والتصريح بأن إسرائيل إذا كانت تريد الحرب "فنحن لها.. نحن مستعدّون.. وسنلقي بها في البحر!!"، ولا نحن كنا لها ولا نحن كنا على استعداد ولا نحن ألقينا بها في البحر! وكانت حرب "يونيو" أو "حرب الأيام الستة" كما تُعرف عالميا. البداية الحقيقية للتوتر بين الطرفين بدأت في نوفمبر 1965، عندما عُقدت اجتماعات مشتركة بين القيادتين العسكريتين في كل من إسرائيل والولايات المتحدة، وجاءت الوثيقة الأمريكية التي تؤكّد استمرار تدفّق الأسلحة السوفيتية على مصر، وذلك رغم تأزّم العلاقات السياسية بين مصر والاتحاد السوفيتي، بل نما إلى علم إسرائيل أن مصر تنوي زيادة حجم قواتها بحلول عام 67؛ فضلا عن اهتمامها بالتسليح النووي عبر بناء مفاعلات نووية. مخاوف إسرائيل لم تهدأ بالرغم من محاولات الجانب الأمريكي "الفاشلة" في تهدئتها، وظلت على قناعتها بأن السلام مع مصر أمر مستحيل، والأفضل هو تدمير القدرة القتالية لمصر. وبدأت الاتصالات الأمريكية البريطانية لجسّ النبض إلا أن إصرار عبد الناصر على تنازل إسرائيل عن صحراء النقب كاملة من جانب، وتمسّك إسرائيل بعدم التنازل عن أي أرض من جانب آخر قضى على تلك المحاولات. النجاح الساحق للضربة الجوية الإسرائيلية دمر القوات الجوية المصرية تماماً الساعة التاسعة صباحا يوم 5 يونيو 1967 أقلعت أسراب الطائرات الإسرائيلية من قواعدها في إسرائيل لتصل فجأة وفي وقت واحد فوق القواعد الجوية المصرية، محلّقة على ارتفاعات منخفضة لم تزِدْ عن 50 مترا، وكانت محطات الرادار المصرية والسوفيتية الصنع كلها تعمل لتبحث عن أي عدوّ يتسلل إلى مجالنا الجوي! جميع الفنيين أمام شاشات الرادار لكن هذه الشاشات لم تظهر عليها طائرة واحدة؛ لأن محطات الرادار لم تكن لديها القدرة على التقاط أي أهداف أو طائرات تحلّق على ارتفاع أقل من 500 متر! اقتربت الطائرات الإسرائيلية دون أن يراها أحد، في الوقت الذي كان الطيارون المصريون في قواعدهم؛ البعض منهم داخل طائراتهم على الممرّات؛ استعدادا لأي إشارة للانطلاق إلى الجو، وكان البعض الآخر داخل مكاتبهم يمارسون أعمالهم اليومية، والباقي داخل القاعدة في الراحة أو يمارسون الرياضة. بدأت الطائرات الإسرائيلية فورا في قصف القواعد وضرب الطائرات المصرية الرابضة فوق الأرض بلا دشم أو ملاجئ تحميها، وبدأت الانفجارات تتوالى، وسكنت الطائرات المصرية إلى الأبد بينما كانت طائرات إسرائيلية أخرى تهاجم الممرات لتدمّرها نهائيا، وتمنع أي محاولات للإقلاع. وقعت الكارثة ولم يكن هناك مفرّ من الطائرات المغيرة، وبدأ الطيارون والميكانيكيون يهرعون هنا وهناك بحثا عن حل، لكن وصول الطائرات الإسرائيلية إلى القواعد الجوية المصرية بهذه المباغتة كان من الناحية الفنية والعسكرية والعقلية بمثابة إعلان تدمير القوات الجوية المصرية تماما. وانتهت الضربة الجوية الإسرائيلية بنجاح ساحق بعد القضاء على القوات الجوية المصرية، ثم تحوّل الطيران الإسرائيلي إلى القوات البرية في سيناء، وبدلا من أن تصدر القيادة أمرا للقوات البرية المصرية بحفر الخنادق والملاجئ في سيناء للاحتماء داخلها من الطيران المعادي الذي امتلك سماء مصر، صدر أمر مجنون بالانسحاب، ليخرج الرجال من الخنادق إلى الأرض الواسعة المكشوفة ليكونوا صيدا سهلا للطائرات الإسرائيلية التي استمتعت بقتل 30 ألف جندي من خيرة أجناد الأرض. وفي نفس الوقت كان الإعلام المضلل يمجد ويعظم في عبد الناصر ويوهمنا بأن قواتنا المسلحة تتوغل داخل سيناء .. بينما سيناء تغرق في بحور من دماء شهدائنا الأبرار