علاء الغاوي هم فى الخارج يسمونها "نفايات".. بينما نحن نستوردها على أنها بضائع مستعملة أو (نصف عمر) كما يقولون، مع أنها فى الواقع بضائع من النوع الذي يقصف العمر... إنها ظاهرة تصدير الغرب لنفاياته لكي يتم دفنها فى دول العالم الثالث، وهي الجريمة التى تحولت إلى تجارة محرمة، يدفع ثمنها مواطني هذه الدول ومن بينها مصر، بينما يقبض المقابل ضعاف النفوس من التجار الذين يقايضون حياة البشر بالمال. لقد ثارت هذه القضية الخطيرة مجددا، على خلفية احتجاج شديد اللهجة من كبار مستوردي أجهزة الحاسب الآلي (الكمبيوتر) – سابقة الاستخدام، فى أعقاب صدور قرار طال انتظاره من جانب الدكتور محمود عيسي – وزير الصناعة – أول أمس، ونص على منع استيراد هذه الأجهزة، التى تعتبر فى كثير من الحالات بمثابة قنابل موقوتة، خاصة بعد انتهاء عمرها الافتراضي، لتمثل عبئا إضافيا يفوق طاقة المدفن الوحيد الخاص بالتخلص من هذه النفايات وهو المُقام بمدينة الإسكندرية. على الفور اجتمع عدد من قيادات اتحاد الغرف التجارية وتم تعليق القرار وبقيت الأزمة دون حل وقد تظل تحت طائلة التسويف، فيما يستمر الخطر داهما على صحة الشعب المصري الذي يعيش أصلا فى واحدة من أسوأ الظروف البيئية فى المنطقة ناهيك عن العالم. الموت المفاجئ وفى تعليق منه، يقول المهندس "علاء الغاوي" – صاحب مول "سوق العصر" والنائب السابق لرئيس شعبة البرمجيات والحاسب الآلي ورئيس مجلس إدارة جريدة "مصر الجديدة" – أنه وعلى الرغم من أنه من أكبر المتضررين من قرار وزير الصناعة بوقف استيراد أجهزة الكمبيوتر المستعملة، إلا أنه لا يري فى هذا القرار سوي إنقاذا لكثير من المواطنين من مخاطر تحول هذه نفايات تلك الأجهزة إلى مصدر للإصابة بأخطر الأمراض على رأسها السكتة الدماغية أو "الموت المفاجئ"، كنتيجة للأسلوب البدائي الذي يتم التخلص به من النفايات، عن طريق الحرق، الذي ينتج عنه تصاعد أبخرة غاية فى السمية وبالغة الخطورة على حياة الإنسان. وأوضح "الغاوي" أن مصر باعتبارها إحدي الدول الموقعة على اتفاقية "بازل" عام 1997، فإن حكومتها منوطة بالالتزام ببنود تلك الاتفاقية التى تحظر الاتجار فى الأجهزة التى نستوردها على أنها صالحة للاستخدام، بينما تعتبرها دول الغرب المصدرة لها على أنها "مخلفات صناعية"...! وأشار إلي أن ثَمَّة آليات معينة كان قد تم إقرارها عام 2007 بالاتفاق بين وزارات البيئة والتجارة الداخلية والصناعة، واتحاد الغرف التجارية، من أهمها منح المنخرطين فى تلك التجارة المشبوهة مدة خمس سنوات، قبل أن يتم منعها نهائيا، بحلول العام الحالي، وهو ما تمخض عنه قرار الوزير الذي صدر بالأمس. وحذر "الغاوي" من التراجع عن هذا القرار، الذي وإن كان يبدو فى ظاهر الأمر فيه إجحاف بالتجار المتعاملين فى هذه الأجهزة، استيرادا ثم ضخا فى السوق المصرية بأسعار فى متناول البسطاء، إلا أنهم وفى الواقع يمارسون عملية قتل بطئ للمواطنين، إما بجهل منهم أو بجشعهم الأعمي. الأطراف "راضية"..! وفى مداخلة منه، قال د. هشام عبد الغفور – عضو مجلس إدارة الاتحاد العام للغرف التجارية - أن أجهزة الحاسبات المستعملة - المستوردة، تخضع لرقابة هيئة الرقابة على الصادرات والواردات، للتأكد من مطابقتها للمواصفات التى نص عليها القرار الوزاري الصادر فى هذا الشأن عام 2007، وكانت كل الأطراف راضية بهذا القرار – على حد تعبيره - ومن هنا كانت المفاجأة في صدور القرار الأخير دون الرجوع إلى جميع الجهات المعنية، ومنهم التجار، وهو ما أدي إلى إقدام نحو مائتين من المستوردين، على اقتحام مكتب وزير الصناعة، تعبيرا عن غضبهم، وعلى إثر ذلك تم عقد اجتماع عاجل باتحاد الغرف التجارية وبحضور أعضاء الشعبة العامة للحاسبات والبرمجيات، حيث تم الاتفاق مؤقتا على تعليق القرار على أن يتم تشكيل لجنة تقوم بدراسته من جميع الوجوه، بحد قوله. لجنة مجمدة من جانبه، أفاد "خليل حسن خليل" - رئيس الشعبة العامة للحاسبات الآلية والبرمجيات باتحاد الغرف التجارية – بأن هناك كيان مجمد منذ إنشاؤه قبل سنوات، ولا أحد يدري لماذا، وهي لجنة الحاسبات الخضراء، التى من المفترض أنها منوطة بإصدار التشريعات والقوانين الخاصة بتنظيم عمليات التخلص من النفايات الألكترونية التى تتزايد خطورتها عاما بعد عام دون وجود أية حلول جذرية لها، مشيرا إلى أنه مما يزيد من عمق الأزمة، أنه لم يتم حتى الآن منح ولا تصريح واحد لأي من مصانع تدوير النفايات الألكترونية لكي يسهم فى حل المشكلة. جدير بالذكر أن النفايات الألكترونية تتسبب فى إصابة الإنسان بعديد من الأمراض الخطيرة، نتيجة احتوائها على عناصر بالغة السمية مثل الزئبق والرصاص والكاديوم وعديد من المركبات الأخرى المسرطنة الناتجة عن حرق الأجزاء البلاستيكية في هذه الأجهزة، في حين تزداد خطورة المشكلة فى الدول النامية التى لا تمتلك الإمكانات اللازمة لإعادة تدوير هذه النفايات والتخلص من مخاطرها، كما هو الحال فى مصر.