مصري ينتخب بلا خوف أيا ما كانت نتيجة انتخابات الرئاسة، فقد جاء اليوم الذي يذهب فيه المواطن المصري إلى صندوق الانتخاب، لكي يشارك فى صنع قرار الوطن، بشأن الرئيس القادم. وأيا ما كانت النتيجة، فالجميع يعلم أن الفائز بمنصب الرئاسة، سيجلس على كرسي من أشواك، حيث لا مجال هناك بعد الآن لتخليد أو توريث أو حتى فتح باب للفساد السياسي كما كان الحال إبان العهد الغابر. لقد فتحت ثورة الخامس والعشرين من يناير نوافذ الحرية فى مصر إلي الأبد، وسيكون "غبيا" من يحاول إغلاقها مرة أخري. شارك من شارك فى الانتخابات، وقاطع من قاطع، وليفز من يفوز فى النهاية، ولكن تبقي حقيقة واحدة، مفادها أن قد انتهي إلي الأبد، "ثغاء القطيع" الذي عاش المصريون على أنغامه السمجة: نعم مبارك نعم نعم نعم نعم نعم نعم ...... بالطبع تُوجد بقعُ على الثوب ناصع البياض الذي ترتديه مصر اليوم فى عرسها إلى الحرية، والتقارير التي ترد على مدار الساعة تكشف عددا من السلبيات، مشاجرة هنا .. وتجاوز هناك، ولكن المشهد العام، بلا شك مخيف لأعداء الوطن، الذين يقفون الآن ومعهم العالم كله على أطراف الأصابع، فى انتظار لحظة النتيجة، التى مهما كانت لن تكون فى صالحهم، بقدر ما ستكون نجاحا للشعب الذي قاتل من أجل حريته، وضد ضعفه وجهله وفقره، ودفع من دماء الشهداء ما دفع، من أجل أن يكون له صوت، وأن تكون له كرامة.. وبنظرة أكثر تدقيقا، وبحسب مراسل "مصر الجديدة"، فالكل هنا عند إحدي اللجان بحي الدقي، يتذكر كيف كان الحال أيام "المخلوع" كما يصفه "حسين أبو زهرة" – أحد الناخبين – الذي قال أنه لم يكن يتوقع أن يعيش ليري اليوم الذي يدلي فيه بصوته، دون أن يتعرض للطرد من اللجنة على أيدي موظفي اللجان أنفسهم أو ضباط الداخلية، ثم يواصل قائلا، (ضاربا كفا علي كف) أنه لم يكن اصلا يوجد من يجرؤ على ترشيح نفسه ضد المخلوع، ناهيك عن مجرد الحلم أن (يسقط) فى الانتخابات التى كان يخوضها بنفسه ضد نفسه.. تلتقط "ميادة" خيط الحديث من زميلها فى الطابور الانتخابي المنتظم بصورة لافتة للنظر، مقارنة بما جري فى انتخابات البرلمان، حيث ذكرتنا بما جري لأيمن نور من تنكيل وتلفيق قضايا بالجملة، ثم الزج به فى السجن، لمجرد أنه قرر منافسة المخلوع على منصب الرئاسة، الذي كان بالنسبة لمبارك وأسرته، وكأنه (ورث أبوهم) على حد قوها.. وعلي صعيد المؤشرات الأولية، فقد كانت المفاجأة فى كثير من مناطق الدقي والجيزة وساكني مناطق وسط القاهرة، هو ذلك التصويت الكثيف للمرشح الرئاسي "حمدين صباحي"، الذي وبحسب مقربين، يشعر أنه لن يحالفه النجاح فى هذه الجولة الرئاسية، خاصة وأنه خاض الانتخابات بأفقر حملة فى مصر، من بين المرشحين الثلاثة عشر، فيما كان التصويت كثيفا كما هو متوقع باتجاه المرشح "عمرو موسي" – وزير الخارجية الأسبق والأمين العام السابق للجامعة العربية، وقد جاء بعدهما فى الأسبقية، كل من المرشحين الرئاسيين "عبد المنعم ابو الفتوح" و"أحمد شفيق" ثم "محمد مرسي". فى شبرا كانت الأمور مختلفة قليلا، حيث الكثافة الأكبر للكتلة القبطية، قد ركزت على اسم "شفيق"، وذلك علي الرغم من تعالي بعض الأصوات لمطالبتهم بالتصويت لحمدين صباحي، وهو ما فجر جدلا طويلا بين طابور الناخبين، فقد وقفت سيدة أربعينية ترتدي حول رقبتها سلسلة ذهبية تنتهي بأيقونة للسيدة العذراء، وسط عدد من الناخبين ممن يبدو عليهم أنهم من جيرانها، صائحة بقولها: مش معقول يا جماعة ننتخب اللي الشهدا ماتو علشان يسقطو نظامهم الفاسد، فيتصدي لها أحد "الشباب" قائلا: "علي فكرة احنا كلنا ولاد حسني مبارك، والديمقراطية يعني انتخب اللي عاوزه حتى لو كان فلول"..! إنه جدل وعلى الرغم من حرارته، إلا أنه يعتبر مشهدا استثنائيا، بين أبناء شعب تربي على القهر والتضييق السياسي والقمع الأمني، لعهود بعيدة، وبحيث كان مجرد النطق بكمة "لا" وليس "نعم" يمكن ان يذهب بالمواطن إلي ماوراء الشمس ... فى مصر الجديدة، كان المشهد على ذات القدر من الزخم، فقد توافدت أعداد كبيرة على اللجان الانتخابية، كانت غالبيتهم – بحسب مراسلة "مصر الجديدة" – من كبار السن رجالا ونساء، وقد اصطحب البعض منهم كراسي بحر وارتدو البيريهات استعدادا لمواجهة الحر الشديد وطول الانتظار، بعد تجاربهم السابقة فى انتخابات مجلسي الشعب والشوري. وفى خضم أحاديثهم التى تبادلوها فى سعادة، ارتفعت حدة المناقشات عندما جاء ذكر التسيب الأمني الذى تعيش فيه البلاد، فيقول أحدهم: هل تصدق أن هناك من يدخل قسم الشرطة ليبلغ عن تعرضه لاعتداء من بلطجي حاول سرقته بالإكراه، يفاجأ بالضابط يرد علي بلاغه بكل بلاهة: روح هاته وتعالي .. ويتساءل قائلا: كيف أعرض نفسي للموت مرتين، لكي آخذ حقي من مجرم؟؟ ويتمتم: إخص علي دى داخلية ............ يضحك الواقفون فى طابورهم تحت الشمس، بينما يقرر أحدهم أن يذكر الجميع بكيف أصبحت الداخلية بلا أنياب حقيقية بعد فضيحتها أيام الثورة وحيث اصبحت فى نظر الشعب "عيال سيس" على حد قوله. السعادة والدهشة سمتان أساسيتان للمشاركين فى الانتخابات الرئاسية، وتبادل النظرات بفخر وتسامح مع الآخر، بغض النظر عن الوجهة التى إليها سيذهب الصوت الانتخابي، بما يؤكد إلى أي مدي تبلغ عظمة ونبل هذا الشعب الذي تعرض لمحو أجمل ما فيه على أيدي نظام هو الأشد إرهابا وظلما وقمعا، من أي نظام سابق فى تاريخ مصر الحديث ولا حتى ايام الاحتلال البريطاني نفسه، وفقا لما دار بين الناخبين من أحاديث يقطعون بها ساعات الانتظار، التي شهدت ايضا محاولات بها الكثير من "التذاكي" من جانب هؤلاء الذين يندسون وسط الطابور، من أجل تغيير وجهة أصواتهم إلي مرشح بعينه، وتشويه صورة الآخر، ويستمر الجدل، ويمر المواطن تلو الآخر، وتتوزع الأصوات بين المرشحين، ليبقي اسم الرئيس القادم فى علم الغيب...... لأول مرة فى تاريخ مصر، تحت شعار: سكوت.. مصر تنتخب. عاشت ثورة 25 يناير المجد للشهداء