جانب من الندوة لم يحدث فى تاريخ مصر لا القديم ولا الحديث، أن وقع نزاع مسلح، ولا حتى غير مسلح بين الشعب المصري وجيشه، من هنا يبرز السؤال الذي يفرض نفسه علي الساحة الآن: من وراء توتير العلاقة بين جيش مصر وشعبها اللذان هما بمثابة طرفي مقص لا انفصام لهما، وبهما معا تحقق الأمن والأمان للبلد الذى ذُكر اسمه فى الكتب السماوية أكثر مما ذُكر اسم أي بلد آخر، تكريما له ولجيشه على لسان الله – وجل ورسوله – صلي الله عليه وسلم؟؟؟ هذا هو السؤال الذي طرحته الندوة التى عُقدت بمقر جريدة "مصر الجديدة" سعيا وراء إيجاد إجابات شافية، وذلك تحت شعار: كلنا جند مصر"، بحضور كل من "صلاح عبد الصبور" – نقيب الصحفيين الألكترونيين – و"مصطفي أبو زيد" – عضو المجلس – ود. عبد الصمد الشرقاوي – مدير "المركز العربي للتنمية البشرية" – و"إبراهيم السعيد نصار" – رئيس الحزب الجمهوري المصري – و"مجدي نجيب وهبة" رئيس مجلس إدارة موقع "صوت الأقباط المصريين"، والإعلامي "باسل الحلواني"، وعدد من النشطاء السياسيين. فى البدء، كانت الكلمة ل"إبراهيم السعيد نصار"، الذي أكد على قيمة أن الجيش المصري هو بمثابة العصب بالنسبة للدولة، وأن الجيش الذي رفض قادته تنفيذ رغبة الرئيس المخلوع بتسليح جنوده بالذخيرة الحية لضرب ثوار مصر الأحرار، لا يمكن أن طرفا فى علاقة عداء بينه وبين شعبه باعتباره جزءا لا يتجزأ منه بالأساس، وتساءل بقوله: كيف يقف الشعب ضد الشعب؟ وأوضح "نصار" أنه شاهد على كثير من المواقف التى قام فيها قادة من الجيش فى مختلف المحافظات، بمعالجة أزمات وفتن كان من الممكن أن تشعل النار بين أبناء الوطن الواحد. وطالب "نصار" أن تعود للجيش مكانته بين شعبه، باعتباره الدرع الواقي لأمن البلاد فى الداخل والخارج، وبالتالي فإن حمايته هي فى الواقع حماية لأمن مصر وشعبها بأكمله. "باسل الحلواني" أكد بدوره على رفضه التام للفتنة التى جرت وقائعها فى ميدان العباسية مؤخرا، والتى أشعلها من هم محسوبون زورا على الإسلام والدين منهم براء، حيث كان الذهاب إلى حيث المقر الرئيسي للجيش بمثابة خيانة للثورة وطعنة للثوار فى الظهر، حيث كان الواجب أنه وفى الوقت الذى يحاول فيه الآخرون الزج بالجيش فى الصراعات السياسية، أن يكون الواجب على جميع الشرفاء هو حمايته، وليس توتير العلاقة بينه وبين الشعب، وحيث لا يجب أن ننسي أبدا أن المؤسسة العسكرية فضلت الشعب على قائدها الأعلي "المخلوع". ومن جانبه كشف "صلاح عبد الصبور" أنه نظرا لكونه أحد أفراد المؤسسة العسكرية حتى قبل قيام الثورة بقليل، فإنه من هذا المنطلق يقدر هذه المؤسسة إلى أبعد الحدود، موضحا أنه فى نفس الوقت لا جيب أن ننسي أن هناك فارق بين القيادة العسكرية التى تقوم مقام الرئيس إلى حين انتخابه، وتدير البلاد مؤقتا على هذا الأساس، وبالتالي فالطبيعي أن تكون عرضة للنقد وحتى الهتاف ضدها مادامت فى حدود الحريات السياسية المتعارف عليها فى العالم كله والأعراف الديمقراطية. وأشار "عبد الصبور" إلى أن أزمة الحكم الحقيقية فى مصر سببها، أنها كانت دائما تحت حكم العسكريين منذ ثورة يوليو وحتى وصل الحال بالمصريين إلى أن أشعلو ثورة يناير، ومن هذا المنطلق يأتى مطلبنا الوحيد المتمثل فى إقامة حكم مدني، وهو مانرجو أن نراه قريبا، عقب انتهاء انتخابات الرئاسة القادمة خلال أيام. من ناحية أخري، أكد أن الإعلام الشريف فى مصر يعاني من سياسات التعتيم وأن غياب للشفافية، يؤدي باضرورة إلي غياب الرؤية الصحيحة، خاصة لحظة اشتعال الأحداث كما جري فى " ماسبيرو" مثلا، وهو ما يترك الإعلامي الباحث عن الحقيقة فى حيرة، فيما تكون فرصة لمن يريدون الصيد فى الماء العكر لترويج الشائعات وإشعال الأزمات، وهو ما أسهم فى توتير العلاقة بين الشعب المشوش معلوماتيا من جهة وبين جيشه، ومن هنا لابد من البدء فورا فى تطهير الإعلام من القيادات ذاتها التى لم تتغير ومازالت تمارس ذات السياسات التى كان يمارسوها مع الشعب قبل سقوط النظام .. حسبما المثل الشعبي بتصرف: (يسقط النظام وأصابعه مازالت تلعب)..! وأعرب "عبد الصبور" عن آماله فى عودة المشهد الرومانسي للطفلة التى تقدم الزهور للجندي فوق الدبابة، وبدوره يحملها بين ذراعيه ويقبلها، وسط هتاف الشعب له وليس ضده. وذكرنا "عبد الصبور" بلمحة ذات مغزي، حيث وعندما قامت الثورة، كانت فى فصل الشتاء، وكان ضباط الداخلية التى قامت ضدها الثورة بالأساس، يرتدون (الأسود) مما جعل لحظة دخول أفراد الجيش بملابسهم المموهة إلي ميدان التحرير، وكأن الملائكة قد هبت لإنقاذ المصريين من (شياطين الداخلية) وجلاديها. "مصطفي أبو زيد" أكد بدوره أن أزمة الإعلام فى وقتنا الراهن تتمثل فى غياب المهنية فى كثير من القنوات الإعلامية التى سقط أغلبها فى فخ التحيز لجهة أو حزب أو جماعة بعينها، وبالتالي فحماية الجيش المصري، تبدأ بفضح القنوات والصحف التى تسعي لتعبئة الشعب ضد جيشه، كما جري فى أحداث المجمع العلمي وماسبيرو، ونتذكر جميعا مشهد تلك المذيعة التى لم تشتهر قبل ليلة تفجر أحداث ماسبيرو، عندما أطلقت نداءاتها وصرخاتها (للشرفاء) لكي ينزلو ويحمو الجيش من الأقباط "المعتدين"...!!!!!!!!! وعبر "أبو زيد" عن قناعته بأهمية دور الإعلام حاليا فى توعية المواطنين بأهمية الحفاظ على المؤسسة العسكرية التى هي قلب الوطن النابض. أما د. عبد الصمد الشرقاوي، فأكد على تاريخية دور الجيش المصري فى حماية أمن المنطقة بأكملها، وذلك منذ الفتح الإسلامي مصر فى عهد أمير المؤمنين "عمر ابن الخطاب" – رضي الله عنه – ثم فى المعارك الكبري التى انتهت بهزيمة التتار والصليبيين، ثم فى تأسيس الدولة المصرية الحديثة فى عهد محمد علي، وأخيرا حرب أكتوبر التى أوقعت بالصهانية أكبر الهزائم فى تاريخهم. إلا أنه ومن ناحية أخري فلا يجب أن ننسي أن القيادة العسكرية وعندما انخرطت فى العمل السياسي قد ارتكبت أخطاء كبيرة، بدءا من الالتفاف حول الإعلان الدستوري ذي المواد الثمانية بإضافة 64 مادة جديدة لم يستفت عليها الشعب، وكذا الفشل الواضح فى إدارة المرحلة الانتقالية. واستدرك د. عبد الصمد بقوله، إلا أنه وبالرغم من كل ذلك فينبغي الحفاظ علي شعرة معاوية مع تلك القيادة من منطلق حماية المؤسسة العسكرية بأكملها، وذلك حتى تمر المرحلة الانتقالية بسلام ودون المزيد من "الأخطاء". وكشف د. عبد الصمد عن نقطة هامة، وهى أنه فى تاريخ الجيش المصري، لم يحدث أبدا أن نفذ قادته أمرا بإطلاق النار على الشعب، ضاربا على ذلك نموذجين لموقفين، اولهما، عندما اندلعت انتفاضة 17 و18 يناير الشعبية، فقد أصدر الرئيس الراحل أنور السادات أمرا إلى المشير الراحل "عبد الحليم أبو غزالة" بالتعامل عسكريا مع المواطنين، إلا أن "أبو غزالة رفض تنفيذ الأمر، قائلا: الجيش فقط لتأمين المنشآت الحيوية وليس لضرب المواطنين. الموقف الثاني، فى عهد الديكتاتور المخلوع "مبارك" الذي أصدر أمرا مماثلا للفريق الراحل "كمال حسن علي" أثناء تمرد جنود الأمن المركزي عام 1986، ولكن أمره قوبل بالرفض كذلك وللسبب ذاته. وانتهي إلى أن القوي التى خدعت الشباب المتحمس إلى الذهاب إلى مقر وزارة الدفاع، هي ليست بريئة من الضلوع فى مؤامرة كبري هادفة لتدمير مصر بدءا بالمؤسسة العسكرية، ومن ثم الدولة بأكملها. وفى مداخلته أكد "مجدي نجيب وهبة" أن الجيش هو أول من فكر فى الثورة، من أجل التخلص من مخطط التوريث الذي كان سيتم تنفيذه علي الرغم من الرفض الشعبي ومن المؤسسة العسكرية على حد سواء، وأتت ثورة الشعب فى 25 يناير لتنصهر مع رغبة الجيش، مشيرا إلى أنه لو لم تتلاق الدوافع بين الجيش والشعب ما نجحت الثورة من الأساس. وأكد "وهبة" على أن المؤامرة التى تستهدف ضرب العلاقة بين الجيش والشعب حاليا هى من تدبير الولاياتالمتحدة الأميريكية واذنابها داخل البلاد، مطالبا الجميع شعبا وجيشا بالوقوف يدا وحدة فى مواجهة ما يدبر لمصر من مؤامرات داخلية وخارجية.