جيش مصر مُطالب بما يفوق طاقة البشر بعيدا عن كل ما يثور من تكهنات بشأن الدوافع الحقيقية من وراء قرار قطع الغاز المصري عن الكيان الصهيوني، وما تبعه من ردود فعل "إسرائيلية" ساخنة، بلغت حد إعلان بعض الزعماء الصهاينة استعدادهم للحرب، بل والدعوة للاستيلاء على سيناء إذا ما تصرفت القاهرة بما يرونه تهديدا لاتفاقية السلام الموقعة بين الجانبين منذ ما يزيد على ثلاثين عاما، فإن قيادة الجيش المصري، باتت ولا شك فى موقف لا تحسد عليه، في ظل تعدد استحقاقات الأمن التى تحملها على كاهلها، ما بين أمن قومي وأمن داخلي، وذلك بعد عام من تفجر بركان "الربيع العربي"، ضد الأنظمة الديكتاتورية القمعية والعميلة فى آن للمشروع الصهيو – أميريكي، بأكثر من دولة فى المنطقة. حيث وبعد أن اشتعلت الثورة فى مصر، ما دعا قوات الجيش للانخراط فى عمليات تأمين البلاد طولا وعرضا، فى ظل خيانة لن يغفرها التاريخ لقوات الأمن الداخلي "وزارة الداخلية"، إذا بثورة أخري دامية تندلع غربا، وبالتحديد فى ليبيا ضد نظام ديكتاتوري آخر، ما تحولت معه الحدود الليبية – المصرية، إلى بؤرة ممتدة للأنشطة الإجرامية، عبر تصاعد جرائم تهريب السلاح من الخفيف إلى الثقيل، وكذا تجارة المخدرات، وحتى تهريب الذهب والأموال التى سرقها لصوص النظام البائد فى ليبيا، على غرار ما جري فى مصر، وإن اختلفت الطريقة والوجهة التى تم تهريب تلك الأموال بها وإليها. وفى تزامن يثير الريبة والشبهات، باتت الحدود الجنوبية لمصر، فجأة، مصدرا للقلاقل والتوتر، على خلفية نجاح جهود الكيان "الصهيو – غربي" فى تقسيم السودان إلى دولتين، إحداهما تدين بالولاء المباشر للكيان ذاته، حيث الدعم العسكري لم ينقطع من جانب الطرف الصهيوني، فيما تواصل الدعم السياسي واللوجستي الغربي، لدولة الجنوب، ومؤخرا، بدت الأطماع التوسعية جلية لهذه الدولة المدعومة من الكيانات المعادية لمصر، عندما انقضت قوات جيشها على منطقة "هجليج" الغنية بالنفط، وقامت باحتلالها لأيام، قبل أن تعاود "الخرطوم" سيطرتها علي المنطقة الحدودية مجددا، بعملية عسكرية خاطفة (قيل أنها مدعومة سرا من جانب قوات كوماندوز وخبراء عسكريين مصريين)، وهو ما يعنى أن جبهة جديدة – باتجاه الجنوب - قد فُتحت رسميا، ما يستدعي تعزيز الوجود العسكري المصري، فى ظل شكوك واضحة ومبررة فى قدرة الجيش السوداني على حفظ حدود أرضه، ناهيك عن المشاركة فى حفظ أمن مصر الجنوبي. وأخيرا، وبعد أن انتقلت التهديدات الرسمية الصهيونية على الجبهة الشرقية، من مرحلة غير المباشرة إلى المباشرة، فإن الجيش المصري بات بدوره مطالبا بعدم الاطمئنان إلى معاهدة السلام، كضامن لأمنه الحدودي مع الكيان الصهيوني، خاصة مع تصاعد الأنشطة الإرهابية التى تقودها الجماعات المسلحة فى سيناء الشمالية، سواء ضد الجيش الإسرائيلي، أو المصري فى آن، وكانت آخر عملياتها التى رصدها مراسل صحيفة "واشنطن بوست"، قبل أيام قلائل، موجهة ضد جنود حرس الحدود المصريين، ما أسفر عن استشهاد أحدهم وإصابة اثنين، بحسب تقرير الصحيفة. التشتت وتعدد الأهداف التى وجدت قيادة الجيش المصري نفسها وجها لوجه معها، وكلها فى آن واحد، تمثل تداعيا خطيرا على الأمن القومي المصري، فى الوقت الذي يعاني فيه الجيش أصلا من إحدى سلبيات معاهدة السلام الكبري، والخاصة بتحديد عدد أفراده بما لا يزيد على 450 ألف جندي، وهو ما يعني أنه مهدد بخلل استراتيجي عميق، حال نشوب نزاع مسلح، فى واحد وأكثر من الجهات الثلاث الحدودية، فى ظل حرمانه من إحدى أهم مميزاته الاستراتيجية، علي مر تاريخه العسكري، وهي ميزة الكثافة العددية، القائمة على قيمة أخري أكثر خصوصية للجندي المصري كفرد مقاتل، وهى اسبتساله فى الدفاع عن الوطن إلى حد رغبته الشديدة فى الاستشهاد، كعقيدة قتالية، أقر بها العدو والصديق، وتحولت إلى عنوان للجندي المصري: "خير أجناد الأرض". جدير بالذكر أن النفوذ الصهيوني قد بلغ مداه فى الآونة الأخيرة، لدرجة أن أصبحت التقارير الاستراتيجية تتحدث، ليس عن، هل تطلق "إسرائيل" صواريخها وقنابل طائراتها أم لا، ولكن متى وضد من سيكون العدوان الجديد.