فى 20 لجنة عامة ب8 محافظات.. العربية لحقوق الإنسان: البعثة الدولية ستتابع المرحلة الثانية من انتخابات النواب    فيه حاجة غلط، أستاذ سدود يكشف دعامات خرسانية حديثة وهبوط بجسم سد النهضة (صور)    تداول 15 ألف طن بضائع عامة بموانئ البحر الأحمر    أول وفاة بسلالة نادرة من إنفلونزا الطيور فى أمريكا والطيور البرية السبب.. اعرف التفاصيل    مصرع عامل إثر سقوطه من قطار بمركز إيتاى البارود في البحيرة    جهود صندوق مكافحة الإدمان × أسبوع.. 450 فعالية لرفع الوعى بخطورة المخدرات    وزير الصحة يتفقد تطوير مبنى العيادات الخارجية بمستشفى الجمهورية التعليمى    محمد صلاح يقود ليفربول أمام نوتنجهام فورست    صلاح يقود هجوم ليفربول أمام نوتنجهام فورست في البريميرليج    الهلال بالقوة الضاربة أمام الفتح بالدوري السعودي    تشكيل بايرن ميونخ أمام فرايبورج في الدوري الألماني اليوم    غرفة الصناعات المعدنية: مصر شهدت طفرة غير مسبوقة في تطوير البنية التحتية ب 550 مليار دولار    رئيس الإمارات يصل إلى البحرين في زيارة عمل    القبض على 4 سائقين توك توك لاعتراضهم على غرامات حظر السير| فيديو    خاص بالفيديو .. ياسمين عبد العزيز: هقدم أكشن مع السقا في "خلي بالك من نفسك"    مؤتمر لاعب زيسكو: المعنويات مرتفعة وندرك مدى صعوبة الزمالك    «الرعاية الصحية»: حفظ الحياة يبدأ من وعي صغير وبرنامج الاستخدام الأمثل لمضادات الميكروبات برنامج استراتيجي    معهد بحوث الإلكترونيات يستضيف ورشة دولية حول الهوائيات والميكروويف نحو مستقبل مستدام    غزة والسودان والاستثمارات.. تفاصيل مباحثات وزير الخارجية ونظيره النيجيري    إصابة 4 أشخاص بنزلة معوية إثر تناول وجبة فاسدة فى الفيوم    غنيم: خطة الصناعة لتحديد 28 فرصة استثمارية خطوة استراتيجية لتعزيز التصنيع المحلي    ليست المرة الأولى لوقف إسلام كابونجا عن الغناء.. مصطفى كامل: حذرناه ولا مكان له بيننا    السيدة انتصار السيسي تشيد ببرنامج «دولة التلاوة» ودوره في تعزيز مكانة القرّاء المصريين واكتشاف المواهب    قبل عرضه.. تعرف على شخصية مي القاضي في مسلسل "2 قهوة"    انطلاق معسكر مغامرات نيلوس لتنمية وعي الأطفال البيئي فى كفر الشيخ    التعليم العالي: معهد بحوث الإلكترونيات يستضيف ورشة دولية حول الهوائيات والميكروويف    علاج نزلات البرد، بطرق طبيعية لكل الأعمار    حبس المتهمين بالاعتداء على أطفال المدرسة الدولية بالسلام 4 أيام على ذمة التحقيقات    «من تركيا للسويد نفس الشبكة ونفس النهب».. فضيحة مالية تضرب شبكة مدارس تابعة لجماعة الإخوان    شهيد في غارة إسرائيلية جديدة على جنوب لبنان    لاعب الاتحاد السكندري: طموحاتي اللعب للثلاثي الكبار.. وأتمنى استمرار عبد الرؤوف مع الزمالك    سفير مصر بنيوزيلندا: ثاني أيام التصويت شهد حضور أسر كاملة للإدلاء بأصواتها    وزير الثقافة يختتم فعاليات الدورة ال46 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي    27 ديسمبر.. الحكم في اتهام مها الصغير في قضية اللوحات الفنية    مايان السيد: "عانيت من الخوف سنين ومعنديش مانع أتابع مع طبيب نفسي"    الإفتاء يوضح حكم التأمين على الحياة    وزيرة التخطيط تشهد الحفل الختامي لجوائز مصر لريادة الأعمال    يخدم 950 ألف نسمة.. وزير الإسكان يوجه بالإسراع في تنفيذ مجمع محطات مياه بالفيوم    "رويترز" عن مسؤول أوكراني: أوكرانيا ستبدأ مشاورات مع الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين بشأن إنهاء الحرب    إصابة 28 عاملا وعاملة فى حادث انقلاب سيارة بمركز سمسطا ببني سويف    بث مباشر مباراة الأهلي وشبيبة القبائل في دوري أبطال إفريقيا 2025.. مشاهدة دقيقة-بدقيقة والقنوات الناقلة وموعد اللقاء    تعافٍ في الجلسة الأخيرة، الأسهم الأمريكية تقفز 1% رغم الخسائر الأسبوعية    لحجاج الجمعيات الأهلية .. أسعار برامج الحج لموسم 1447ه – 2026 لكل المستويات    الزراعة تطلق حملات توعوية مكثفة لتعزيز الأمن الحيوي في قطاع الدواجن المصري    دعم العمالة المصرية بالخارج وتوفير وظائف.. جهود «العمل» في أسبوع    عاشور: زيارة الرئيس الكوري لجامعة القاهرة تؤكد نجاح رؤية الوزارة في تعزيز الشراكة العلمية    ستارمر يعلن عن لقاء دولى خلال قمة العشرين لدفع جهود وقف إطلاق النار بأوكرانيا    دولة التلاوة.. أصوات من الجنة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 22-11-2025 في محافظة الأقصر    انتخابات مجلس النواب بالخارج، التنسيقية ترصد انطلاق التصويت في 18 دولة باليوم الثاني    الرئاسة في أسبوع| السيسي يشارك بمراسم تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى بالضبعة.. ويصدر تكليفات حاسمة للحكومة والوطنية للانتخابات    طقس الإسكندرية اليوم: ارتفاع في الحرارة العظمى إلى 29 درجة مئوية    غرفة عمليات الهيئة الوطنية تتابع فتح لجان انتخابات النواب فى الخارج    وزارة الصحة توجه رسالة هامة عن تلقى التطعيمات.. تفاصيل    خلاف حاد على الهواء بين ضيوف "خط أحمر" بسبب مشاركة المرأة في مصروف البيت    المرأة العاملة| اختيارها يحمي الأسرة أم يرهقها؟.. استشاري أسري يوضح    فلسطين.. جيش الاحتلال يقتحم حي الضاحية في نابلس شمال الضفة الغربية    عضو "الشؤون الإسلامية" يوضح حكم التعامل مع الدجالين والمشعوذين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحضارة الإسلامية المنقذ للبشرية
نشر في مصر الجديدة يوم 08 - 03 - 2012


فضيلة المرشد العام
رسالة من : أ.د. محمد بديع
المرشد العام للإخوان المسلمين
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن سار على هديهم، وسلك طريقهم إلى يوم الدين .. أما بعد:
لقد أصبح من المؤكد لدى الغرب والشرق أن الإنسان، مهما أوتي من علم، فلن يستطيع أن يعيش بغير دين، يصله بالله، ويرسم له طريقه في الحياة؛ ليسعد في دنياه، وينجو من الشقاء في أخراه، حيث إنه أقوى قاعدةٍ في صلاح الدُّنيا واستقامتها، وأجدى الأُمُور نفعًا في انتظامها وسلامتها. والدين فطرة في الإنسان: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)الروم: 30.
إن الدين هو سر الوجود، وجوهر الحياة، وفقد الدين فقد للنفس، -فلا دنيا لمن لا يحيي دينا - وتخبط في التيه، وسير في ظلمات بعضها فوق بعض، ومن لم يكن له من الله نور، فما له من نور..
ولهذا يجمع المصلحون، على ضرورة عودة الدين إلى الحياة؛ حتى يكون الإنسان على بصيرة من أمره، ويخرج من الحيرة، وينعم بالطمأنينة والاستقرار.
ما صحّةٌ أبدان بنافعةٍ ... حتّى يصحّ الدّينُ والخُلُقُ
الحضارة كائن حي:
إن الحضارة جسم وروح، كالإنسان تماما، وجسمها يتمثل في منجزاتها المادية من العمارات والمصانع والآلات، وكل ما ينبئ عن رفاهية العيش ومتاع الحياة الدنيا وزينتها.
أما روحها فهو مجموعة العقائد والمفاهيم والقيم والآداب التي تتجسد في سلوك الأفراد والجماعات وعلاقاتهم بعضهم ببعض، ونظرتهم إلى الدين والحياة، والكون والإنسان، والفرد والمجتمع.
وخلال القرن الماضي قامت حضارات مادية لا روح لها أشقت الإنسان، وجلبت له التعاسة والهمّ من كل جانب، وجرت عليه الدمار والموت من كل مكان، وأهلكت الحرث والنسل، وثبت فشلها، وماتت في مهدها، وسقطت الدول التي احتضنتها، ونحن على يقين من سقوط كل الحضارات المادية التي بنيت على غير الدين (عقائد وأخلاق) ولم تكتف بذلك، بل كانت حربا عليه، وعملت على إقصائه، وحصره داخل المعابد.. بل وطاردته في المساجد والمعابد..
لقد حفل عصرنا هذا بارتقاء مادي، وتقدم علمي، وتهيأت لنا من أسباب المادة، ما جعله يصل إلى القمر، ويقطع الكرة الأرضية في برهة من الزمن، كما يسرت للإنسان كل السبل التي تشبع رغباته، وترضي شهواته، وتضع بين يديه كل وسائل الترف والنعيم...
لقد تقدم العلم، وتقدم الفن، وتقدم الفكر، وتزايد المال، وتبرجت الدنيا، وأخذت الأرض زخرفها وازينت، وأترف الناس ونعموا؛ ولكن هل جلب لهم ذلك السعادة؟ وهل حقق لهم الأمن، أو ساق إلى نفوسهم الهدوء والطمأنينة؟
لماذا حل الشقاء بالعالم؟
الواقع ينطق أنه لا شيء من السعادة والطمأنينة قد تحقق؛ لأن هذه الحضارة المادية وفرت للإنسان راحة الجسم، ولم توفر له راحة النفس، حققت له الرفاهية المادية، ولم تحقق له السكينة الروحية، هيأت له الوسائل والأدوات، ولم تهيئ له المقاصد والغايات؛ فأضحى يعيش مفتونًا بالمظهر، فاقدًا للجوهر..
كما أن العلم المادي زود الإنسان بآلات وأسلحة، جعلت له من القوة والسلطان، ما يدفعه إلى الطغيان والاستبداد، والاستعمار والسيطرة على مقدرات الآخرين، وفرض وصايتها على غيرها، وحرمانها من فرض سيادتها على أرضها، أو استقلالية قرارها، وما يحدث من أمريكا أكبر دليل.. وهو واضح معلوم، يغنينا عن السرد والتفصيل..
وإن من أكبر معوقات نهضة أي أمة، هي أن تقع فريسة للاستقطاب الدولي الذي تنتهجه بعض الدول الكبرى؛ لتحقيق مآربها الاستعمارية، ولعل ما شهده العالم في فترات الحرب الباردة بين الشرق والغرب أنفقت فيها الدول مليارات الدولارات على التسليح والتسليح المعادي، وما يشهده الآن من أحادية القطبية، ليؤكد على خطورة هذه الحالة؛ حيث إن الدول الكبرى، تسعى لمصالحها وحسب، ولا تهتم بمصالح الشعوب ومقدراتها؛ لأنهم يتعاملون بمبدأ مصالحنا أولاً وأخيراً، حتى ولو وصلت إليها بأنهار من الدماء، أو جبال من الأشلاء، ولعل ما نشاهده الآن من تجبر دولي، وانتهاك لحقوق الإنسان، وإساءة استخدام القانون الدولي لتمرير قرارات وقوانين تخدم القوى الكبرى، واستخدامهم المفرط لحق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن؛ لحماية مصالحهم ومصالح أتباعهم ليؤكد ذلك؛ لذا فالطريق إلى النهضة الحقيقية، أن نتحرر من قيود هذا الاستقطاب، وننخلع من التبعية لأي دولة، ونركن إلى الشعب وقوته ومقدراته، ولا نعول كثيراً على القوى الخارجية لبناء نهضتنا.. فلن يبني نهضة الأمة إلا سواعد وعقول وجهود وعرق أبنائها.. أما المرتكن إلى غير ذلك، فهو مخدوع في سراب، ويتعلق بوهم كبير لن يرجع منه إلا بالحسرة والندم..
من دعائم الحضارة الإسلامية:
(1) الربانية: إن الأساس الذي تدور عليه الشريعة الإسلامية أن يتعرف الناس إلى ربهم، وأن يستمدوا من فيض هذه الصلة روحانية كريمة، تسموا بأنفسهم عن جمود المادة الصماء وجحودها، إلى طهر الإنسانية الفاضلة وجمالها: )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ( (البقرة: 21). وهذا في الحقيقة هو المفتاح الأول لمغاليق المشكلات الإنسانية التي أوصدها الجمود والمادية في وجوه البشر جميعاً، فلم يستطيعوا إلى حلها سبيلاً، وبغير هذا المفتاح فلن تحل ولن يتحقق إصلاح.
(2) الأخوة الإنسانية: إن الإسلام رسالة عالمية جاءت لخير الأمم والشعوب جميعاً، لا فرق بين عربي أو عجمي أو شرقي أو غربي: )تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا( الفرقان: 1. ولهذا دعا إلى القضاء على الفوارق الجنسية والعنصرية، وأعلن الأخوة الإنسانية، ورفع لواء العالمية بين الناس لأول مرة في تاريخ البشرية: (يا أيُّها النّاسُ اتّقُوا ربّكُمُ الّذي خلقكُم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبثّ منهُما رجالاً كثيراً ونساءً واتّقُوا الله الّذي تساءلُون به والأرحام إنّ الله كان عليكُم رقيباً) (النساء: 1)
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية، وتعظمها بالآباء والأجداد، الناس لآدم، وآدم من تراب لا فضل لعربي على عجمي ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى).
ولقد بشر زعماء العالم بهذه الإنسانية العالمية، وهتفوا بالعالم الواحد السعيد الذي تسوده الطمأنينة والعدالة والحرية والوئام. فهل وصلوا إلى شيء من ذلك؟.. وهل استطاعت هيئة الأمم المتحدة أن تسوي في الحقوق بين أبناء الوطن الواحد في أفريقيا الجنوبية، أو أن تحمل الأمريكان على ترك التمييز العنصري البغيض؟ لا شيء من هذا، ولن يكون إلا إذا تطهرت النفوس بماء الوحي العذب الطهور، وسقيت من معين الإيمان، وأخلصت للإسلام دين الأخوة والوحدة والإنسانية والسلام.
(3) العدل الشامل: فالعدل قاعدة من أهم قواعد النظام السياسي في الإسلام، وذلك لأن تطبيقه ضروري لإقامة الحق. واستقرار الأمن، كما أنه يدعو إلى الألفة، ويبعث على الطّاعة، وتتعمّر به البلاد، وتنمو به الأموال، ويكثر معه النّسل، ويأمن به السّلطان. فقد قال المرزبان لعمر، حين رآه وقد نام متبذّلا: حكمت فعدلت فأمنت فنمت.
والعدل في الحضارة الإسلامية يكون بين كل أبناء المجتمع، الحاكم والمحكوم، والغني والفقير والمسلم وغير المسلم، بل يكون مع الأعداء: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى( المائدة/1. وما أجمل قول أحد الحكماء: الأدبُ أدبان: أدب شريعةٍ وأدب سياسةٍ. فأدب الشّريعة ما أدّى الفرض، وأدب السّياسة ما عمَّر الأرض. وكلاهُما يرجع إلى العدل الّذي به سلامة السُّلطان، وعمارة البُلدان؛ لأنّ من ترك الفرض فقد ظلم نفسه، ومن خرّب الأرض فقد ظلم غيره.
(4) المساواة: والمساواة العامة هي شعار الإسلام في الحقوق والواجبات، فالجنس الإنساني مكرم كله، بكل أجناسهم وألوانهم وعقائدهم: )ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهُم في البرّ والبحر ورزقناهُم من الطّيّبات وفضّلناهُم على كثيرٍ ممّن خلقنا تفضيلا( الإسراء: 70.
والإسلام لا يفرق في ذلك بين الراعي والرعية، بل إن الحاكم في الإسلام أجير عند الأمة، دَخَلَ أَبُو مُسْلِمٍ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الأَجِيْرُ، فَقَالَوا: مَهْ, قَالَ: دَعُوْهُ، فَهُوَ أَعْرَفُ بِمَا يَقُوْلُ، وَعَلَيْكَ السَّلاَمُ يَا أَبَا مُسْلِمٍ، ثمَّ وَعَظَهُ وحثَّه عَلَى العَدْلِ.
والخلق أمام الله سواء، فلا يحابي جنسا على حساب جنس آخر، ولا طبقة على حساب طبقة.. فالكل عبيده وتشريعه لهم واحد لا يختلف مع الزمن ولا مع اختلاف الأمم: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) الشورى: 13.
(5) الرحمة: والإسلام دين الرحمة ونبي الإسلام إنما أرسله الله رحمة للعالمين: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) الأنبياء: 107. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ».
ولقد فتحت أبواب الجنة لرجل سقى كلبا يلهث يأكل الثرى من العطش، وفتحت أبواب النار لامرأة حبست هرة وقست عليها..
وإنما سمي الفسطاط "مصر القديمة" بذلك؛ لأن فسطاط عمرو بن العاص حين الفتح اتخذت من أعلاه حمامة عشًا لها، فلم يشأ عمرو أن يهيجها بتقويضه، فتركه وتتابع العمران من حوله، فكانت مدينة الفسطاط. وما ذلك كله إلا أثرًا من آثار الرحمة التي يشيعها الإسلام في نفوس المؤمنين..
(6) الشورى: فالشّورى من قواعد الشّريعة، وقد مدح الله المؤمنين بقوله: (وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ). الشورى/38. وأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ(. آل عمران/ 159.
والإسلام حين حث على الشورى وأمر بها، إنما وضع قاعدتها، ولم يتعرض لكيفية الشورى، ولا لآلياتها؛ لأن ذلك يختلف باختلاف الزمان والمكان، والأحوال الاجتماعية، فما كان يصلح في صدر الإسلام، لا يصلح مع اتساع العمران، وما وصل إليه الإنسان من علوم ومعارف..
وفي ظل هذا يمكن للمسلمين أن ينشئوا مجالس نيابية بجانب ولي الأمر، أو أن يسلكوا أي سبيل آخر، للتعرف على رأي الجماعة، وبهذه السعة والحرية يصلح ويُصلح الإسلام كل زمان ومكان وإنسان .
(7) الثبات: إن تشريعات البشر تتبدل وتتغير، أما تشريعات الإسلام فثابتة، وذلك لأنها من الله وهو الأعلم بخلقه، وما يصلحهم وما يفسدهم: ﴿ألا يعلمُ من خلق وهُو اللّطيفُ الخبيرُ). الملك/14. كما أن علمه وسع كل شيء، ومن ثم كان التشريع كاملا تاما.
أما ما يضعه البشر من تشريع فيتغير ويتبدل.. لنقص علمه، وسيطرة الهوى عليه.. وترى ذلك فيما تسنه كل أمة من قوانين، حيث تحابي أبناء الوطن، وتجعلهم فوق الجميع، وقد تبيد الآلاف من أجل مواطنيها، ولك أن ترى ما فعلته أمريكا في شعب أفغانستان، وما أنزلته بالعراق، وما فعلته في الصومال وما تفعله في اليمن، وستظل قضية فلسطين العزيزة الغالية، وصمة عار في جبين الإنسانية، وسبة في تاريخ البشرية، تستنزل اللعنات على كل من ساند أو ساعد في إقامة الكيان الصهيوني على أرضها، وشردوا شعبها، بعد أن أعملوا فيه القتل والتعذيب والسجن ولا يزالون..
(8) التوازن بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة، وتقديم مصلحة المجموع على مصلحة الفرد؛ ولذلك فإن الإسلام يعمل على صياغة الفرد والجماعة على أساسٍ من التوازن الدقيق، والتعاون الوثيق. قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ). المائدة: "2".
(9) السلام : فالإسلام دين السلام، يقول الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله: الإسلام شريعة السلام، ودين المرحمة ما في ذلك شك، لا يخالف هذا إلا جاهل بأحكامه، أو حاقد على نظامه، أو مكابر لا يقتنع بدليل، ولا يسلم ببرهان، اسم الإسلام مشتق من مادة السلام والمؤمنون بهذا الدين يسمون المسلمين: (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ) (الحج: 78). وحقيقة هذا الدين ولبه الإسلام لرب العالمين: (وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام: 71). وتحية أهل الإسلام السلام، وختام الصلاة عندهم السلام، وكأنهم يبدءون أهل الدنيا من كل نواحيها بالسلام بعد أن فارقوها بخواطرهم لحظات انصرفوا فيها لمناجاة الله الملك العلام.

أيها الناس أجمعون:
هذا ديننا، وهذه عقيدتنا، وتلك حضارتنا، وهذا بعض من قواعدها التي تقيم العدل وتنشر المساواة والرحمة، وتكفل لكل من يأوي إليها الأمن والأمان على عقيدته، ونفسه، وماله، وعرضه.. ونسائل الناس أجمعين:
ألم يأن لكم أن تدركوا عظمة هذه الحضارة التي تحمل في طياتها السعادة لكل من يعيش في كنفها؟ مع محافظتها على عقائد وتشريعات كل أصحاب الرسالات السماوية .
ألم يأن لأولي الألباب أن يعلموا أن حضارتنا نور الله يشرق على القلوب، فتطمئن وتسعد.. ؟
ألم يأن لكم أن تعرفوا هذا الحق المبين، وتسلموا له بعد أن باءت كل المحاولات لحجبه، أو صد الناس عنه بالفشل؟
أيها المسلمون .. أيها الناس أجمعون:
إن الحضارة الإسلامية نور ينبثق على الكون، فينتفع به كل إنسان، كما أن نور الشمس يشرق على القصور والأكواخ والجبال والوهاد.. فالشمس وحضارتنا صنوان لا تقوم الحياة الإنسانية بدونهما..
واعلموا أن أفول الحضارات المادية، حقيقة آتية لا ريب فيها، كما أن بزوغ حضارة الإسلام لاح في الأفق، وشمس الإسلام منذ أن أشرقت على العالم، لم يغب نورها، قد تحجبها بعض السحب، لكنها ما تلبث أن تنقشع، فتسري أشعته في الوجود، فتنفخ فيه الحياة: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الأنعام: 122.
نعم بالإيمان تنبعث الحياة السعيدة الهانئة، وتطمئن القلوب المضطربة، وتملؤها السكينة ويتحقق الأمن والأمان،.. وقد لاحت البشائر في الأفق، وننتظر المزيد، ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا، وما ذلك على الله بعزيز. وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
والله أكبر ولله الحمد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.