زعم عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي أن تسوية القضية، التي ألقت بظلال من التوتر بان"الولاياتالمتحدة دفعت كفالة نحو 4 ملايين دولار لموظفيها الذين كانت تحتجزهم القاهرة على ذمة قضية هددتْ علاقات البلدين طوال الأشهر الماضية".وأردفت "نيويورك تايمز": "واشنطن اضطرت إلى الاعتماد على دعم عدوها السابق، جماعة الإخوان المسلمين التي لعبت دورًا في الإفراج عنهم، بجانب تهديداتها بورقة المساعدات الدولية خاصة في وقت مصر بحاجة ماسة لتجنب حدوث انهيار اقتصادي وشيك".وكانت الولاياتالمتحدة هددت بشكل صريح بإنهاء المعونة البالغة 1.5 مليار دولار، إلا أن هذا الإفراج جلب ردود فعل متنامية ضد التدخل الأمريكي في النظام القضائي المصري. ونقلت الصحيفة عن مسئولين أمريكيين قولهم: "الكلمة الفصل جاءت قبل 10 أيام، عندما أعلن حزب "الحرية والعدالة" الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين دعمه لدور المنظمات الأجنبية".في سياق متصل رحب عضو مجلس الشيوخ الأمريكي السيناتور جون ماكين، بقرار رفع القيود عن المتهمين الأمريكيين والأجانب في القضية التي أطلق عليها إعلاميا ''التمويل الأجنبي''. وقال النائب الجمهوري في بيان على موقعه الإلكتروني: "نرحب بالقرار الذي صدر من قبل القضاء المصري لرفع القيود على سفر موظفي الخارجية الأمريكية وغيرها من المنظمات الدولية غير الحكومية (المنظمات غير الحكومية) في مصر، بما في ذلك المعهد الديمقراطي الوطني والمعهد الجمهوري الدولي، ونحن سعداء، لعودة هؤلاء الأشخاص لديارهم وأسرهم''. ولم يخف ماكين لم يخف شعوره بالقلق إزاء مصير الموظفين المصريين - الذين عملوا مع هذه المنظمات غير الحكومية والذين ما زالوا في مصر، حيث أنهم ما زالوا خاضعين للمحاكمة. ووجه ماكين الشكر للمصريين الذين دافعوا عن زملائهم الذين وجهت لهم التهم، وشدد على أنه سيستمر في الدفاع عن حقوق هؤلاء العاملين بتلك المنظمات غير الحكومية المصري. وقدم ماكين الشكر لجماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسي الحرية والعدالة، مشير إلى أن بيانهم في العشرين من فبراير الماضي كان هامًا في حل الأزمة، متمنيًا أن تسفر تلك الجهود عن بيئة جديدة من الحرية والحماية للجماعات المجتمع المدني في مصر. وكان المستشار عبد المعز إبراهيم، قد أكد في وقت سابق، أن إخلاء سبيل المتهمين في القضية، بضمان مالي قدره مليوني جنيه، أي حوالي 330 ألف دولار، لكل منهم، جاء على اعتبار أن الوقائع المتهمين فيها تمثل "جنحة"، وليست "جناية"، وأن العقوبات المحتملة بحقهم لا تتعدى الغرامة المالية. كما كشف رئيس محكمة استئناف القاهرة عن أنه شخصياً من طلب من المستشار محمد شكري، رئيس الدائرة التي كانت تنظر القضية بمحكمة جنايات شمال القاهرة، "التنحي" عن نظر القضية، نظراً لأن أحد أبنائه، يعمل محامياً في مكتب للاستشارات القانونية، له علاقة بالسفارة الأمريكية. وكانت تقارير رسمية قد ذكرت، في وقت سابق الأربعاء، أن المستشار شكري تقدم بمذكرة إلى رئيس محكمة استئناف القاهرة، أثبت فيها تنحي هيئة المحكمة بالكامل عن استكمال نظر القضية، بداعي "استشعار الحرج"، دون أن تورد مزيداً من التفاصيل. أنه لا يخفى على أحد أن للتمويل الاجنبى شقين، أحدهما إنساني - تنموي مشروع، والآخر حقوقي - سياسي بعضه مشروع وبعضه الآخر غير مشروع. كما لا يخفى على أحد أن الدول الكبرى لا تتردد في استخدام هذه المنظمات كقنوات لتحقيق مصالحها وأهدافها، وأن حالة السيولة التي شهدتها الأوضاع المصرية بعد الثورة أغرت قوى خارجية، معادية لمصر وللثورة معاً، بالسعي لتحقيق اختراق لصالحها عبر منظمات المجتمع المدني، غير أنه يقع على عاتق الدولة المستقبلة للتمويل الاجنبى في النهاية اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لحماية سيادتها الوطنية بكل الوسائل المتاحة، خاصة التشريعية والأمنية. أن قضية المعونة الأمريكية لمصر هي قضية منفصلة تماما عن قضية التمويل الاجنبى لمنظمات المجتمع المدني، رغم وجود بعض أوجه الارتباط، وبالتالي تستحق معالجة منفصلة لتحديد تأثيراتها المحتملة على الأمن الوطني. غير أنه يبدو أن محاولة متعمدة جرت لخلط الأوراق بين أمور ثلاثة: الحركات السياسية المعارضة، منظمات المجتمع المدني، المعونة الأمريكية. وبدون عملية تضمن إعادة ترتيب هذه الأوراق سوف يستحيل فهم قضية التمويل الاجنبى لمصر على نحو صحيح. أن المجلس العسكري يحاول النيل من المنظمات الحقوقية التي كانت دوما فاضحة للانتهاكات التي تمس حقوق الإنسان, وإذا كانت الحكومة حولت قضية سياسية لقضية قضائية كان من المفترض إن تنزع نفسها ونفوذها ويترك الأمر كله للقضاء ليقول كلمته. إن الحكومة تحاول إملاء رأيا على القضاء وتدفع المحكمة المنظورة إمامها لقضية للتنحي وتشكل في نفس الوقت محكمة جديدة لتقبل طلبات الدفاع وتفرج عن المتهمين بكفالة وتسمح لهم بمغادرة البلاد فتلك فضيحة كبري . " قبول الغرامة والسماح بالسفر بالتدخل السافر الذي لم يجرؤ حتى نظام المخلوع على ممارسته. خلاصة القول تبدو العلاقات المصرية الأمريكية اليوم في مفترق طرق مع بدء محاكمة نشطاء التمويل الأجنبي المتهم فيها 19 أمريكيا، فيما وصلت التداعيات التي صاحبت أزمة العلاقات بين القاهرةوواشنطن إلى تهديد نواب في الكونجرس بقطع المعونة السنوية التي تبلغ 1.3 مليار دولار، في مقابل رفض القاهرة الصريح للتدخل في شؤون القضاء. وتدخلت قيادات أمريكية لحل الأزمة بدءا من رئيس الأركان الأمريكي إلى السيناتور جون ماكين رئيس الأغلبية بالحزب الجمهوري بالكونجرس إلى دعوة وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون لحل الأزمة. أثارت القضية توترا في العلاقة بين مصر والولاياتالمتحدة التي طالما اعتبرت مصر حليفا استراتيجيا لها، والتي تقدم مساعدة عسكرية إلى الجيش المصري تبلغ قيمتها 1.3 مليار دولار سنويا. وفي ضوء هذا التوتر لمحت واشنطن إلى قطع هذه المساعدات، بينما حذر ثلاثة أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي مصر من أن خطر حصول قطيعة حادة بين البلدين نادرا ما كان بهذا الحجم. وقد شوهد عدد من المتهمين الأمريكيين يلجؤون إلى سفارتهم في القاهرة، بينهم سام لحود، نجل وزير النقل الأمريكي رأي لحود، وهو المشتبه به الرئيسي في القضية والذي يرأس المعهد الدولي الجمهوري في مصر. وتدور الاتهامات في هذه القضية حول خمس منظمات، أربع منها أمريكية؛ وهي المعهد الجمهوري الدولي، والمعهد الديموقراطى، ومنظمة فريدوم هاوس والمركز الدولي الأمريكي للصحفيين، أما الخامسة فهي مؤسسة كونراد أديناور الألمانية للتنمية، بحسب ذات المصدر. إلا أنها أصدرت قرارا بمنعهم جميعا من مغادرة البلاد لحين انتهاء المحاكمة. رحبت المنظمات الدولية المتهمة في قضية التمويل الاجنبى بقرار رفع حظر السفر عن موظفيها، والسماح لهم بمغادرة البلاد، وطالبت السلطات المصرية بإسقاط جميع التهم فوراً. أبدت منظمة فريدوم هاوس الأمريكية ترحيبها بقرار مصر رفع حظر السفر المفروض على المتهمين في قضية التمويل الاجنبى، والسماح لهم بالعودة إلى بلادهم، معربة عن قلقها حول مصير 14 متهماً مصرياً في القضية، وطالبت بإسقاط جميع التهم في القضية فوراً، والسماح لمنظمات المجتمع المدني بالعمل بحرية. وقال رئيس المنظمة «ديفيد كرامر» إن الاتهامات الموجهة للمنظمات ذات طبيعة سياسية منذ البداية، مشيراً إلى أن القضية لن تحل إلا عندما يتم إسقاط جميع التهم، مضيفاً أنه رغم قرار رفع حظر السفر فإن مكاتب المنظمة والمنظمات الأخرى المتهمة في القضية مازالت مغلقة، ولم تتم إعادة المعدات التي صودرت حتى الآن، ويواجه المتهمون عقوبات بالسجن تصل إلى 5 سنوات. وقال مدير برامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة تشارلز دن إنه بينما نحتفل بعودة بعض المتهمين إلى ديارهم علينا أن نذكر أنفسنا بأنهم كانوا موجودين في مصر لدعم المجتمع المدني المصري والدفاع عن الحقوق والحريات، مشيراً إلى أن هناك 400 منظمة غير حكومية في مصر تواجه خطر المحاكمة في ظل نظام قضائي يفتقر إلى الاستقلال. ورحب المعهد الجمهوري الدولي الأمريكي بالقرار، معرباً عن أمله في إسقاط التهم الموجهة ضد موظفي المجتمع المدني المصريين والأجانب. ورحب المعهد الوطني الديمقراطي بقرار رفع الحظر عن سفر المتهمين الأجانب، مؤكداً أنه يتعاون مع السلطات المصرية في التحقيقات، وينكر جميع التهم الموجهة لموظفيه، مشيراً إلى أن القرار سمح لهم بالسفر، لكنه مازال قلقاً بشأن موظفيه من المصريين، وطبيعة القضية، آخذا في الاعتبار مداهمة مكاتبه في مصر، والتحفظ على معداتها، والحملة الإعلامية ضد موظفيه، والتقارير الخاصة بالتحقيق مع 400 منظمة مجتمع مدني مصرية. ورحبت منظمة العفو الدولية بالقرار، لكنها قالت إنه «غير كاف». ودعت، في بيان لها مساء أمس الأول، إلى إسقاط جميع التهم الموجهة للمتهمين في قضية التمويل، لأنها استندت إلى قانون المنظمات غير الحكومية الذي وصفته ب«القمعي»، كما دعت إلى وقف الهجوم على المجتمع المدني. وساعدت بعض هذه الجمعيات في تدريب النشطاء والمرشحين السياسيين لإدارة حملات الانتخابات التشريعية التي بدأت في نوفمبر الماضي، وهي الانتخابات الحقيقية الأولى التي شهدتها مصر منذ عقود. وتأتي هذه القضية التي اعتبرها عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي "ذات دوافع سياسية"، بينما يواجه المجلس العسكري الذي يتولى زمام الحكم في مصر منذ الإطاحة بمبارك احتجاجات واسعة تطالبه بتسليم الحكم إلى سلطة مدنية. وفي أكتوبر اتهمت وزيرة التعاون الدولي المصرية فايزة أبو النجا في إفادة خلال التحقيق في تمويل الجمعيات الأهلية، الولاياتالمتحدة بأنها عملت على "احتواء" الثورة المصرية، و"وجهتها" لخدمة مصالحها ومصالح إسرائيل من خلال تلك الجمعيات. ويعتبر البرعي أن هذه المحاكمة نتيجة لتوتر العلاقة بين واشنطنوالقاهرة ويقول: "هناك أزمة في العلاقة بين الولاياتالمتحدة ومصر، وعلق المتهمون الآخرون في الوسط".وجاءت تصريحات كلينتون بعد زيارة لوفد من خمسة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي إلى القاهرة برئاسة السيناتور الأمريكي جون ماكين لإجراء مباحثات مع المسؤولين المصريين لاحتواء الازمة. وصرح ماكين آنذاك أن المشير حسين طنطاوي القائد الأعلى للقوات المسلحة المصرية أكد له أن السلطات المصرية تعمل "بشكل فاعل" على حل القضية. لكن التدخل السياسي في هذه القضية التي باتت بين يدي المحكمة الآن قد يدحض ادعاء السلطات بأنها لا تتدخل في استقلال السلطات القضائية والتي تواجه أكبر اختبار لها في قضية تهم القتل والفساد في محاكمة مبارك المثيرة للجدل. أن إشكالية التمويل الأجنبي تكمن في كون الحكومة قامت بهذا الإجراء ضد المؤسسات التي تتلقى تمويلا أوروبيا أو أمريكيا، ولكنها غضت الطرف عن نظيراتها التي تتلقى تمويلا عربيا سواء من الخليج أو العراق سابقا. وكان هناك تحريض للحكومة للقيام بذلك من قبل الإسلاميين والقوميين، وبلغ التمويل الخليجي لجماعة السنة المحمدية حوالي 296 مليون دولار من قطر والكويت، وبالتالي إذا كانت الحكومة تريد حل الأزمة فيجب إن تعامل الجميع معاملة واحدة، إننا في زمن مصر الثورة، وهذا يتطلب وجود هيئة تتولى الإشراف على أنشطة كل منظمات المجتمع المدني" منح المنظمات مهلة تصل إلى أربعة أشهر لتوفيق أوضاعها وفق القانون المصري الخاص بالجمعيات الأهلية، حتى تصبح كلها مؤسسات مصرية تحاسب وفق القانون المحلي. في ظل مناخ ملتبس وأداء سياسي مرتبك استيقظ الشعب المصري على فضيحة صدور قرار قضائي- محاط بالشكوك - يقضي برفع حظر السفر على الرعايا الأجانب المتهمين في ما عرف بقضية التمويل الأجنبي والذين غادروا الأراضي المصرية فعلا بعد ساعات قليلة من صدور القرار ، وهو ما خلف وراءه غبارا كثيفا طال استقلالية القرار السياسي المصري من ناحية واستقلالية البيت القضائي المصري من ناحية ثانية . منذ البداية في الصف المنادي بضرورة عدم تسييس القضية والتعامل مع الموضوع على إنه مخالفات إدارية يمكن تسويتها - حيث لا يعدو الأمر كونه ممارسة أنشطة بدون ترخيص نتيجة تعنت الجهات الإدارية وتعقد الإجراءات القانونية – إلا أن المشهد الختامي في القضية كان يحمل من المأساوية والخطايا ما يفرض علينا ضرورة تجاوز مرحلة الجدل الأولى لإعلان موقف واضح مما انتهت إليه الأحداث ما يلي :- 1- ما حدث هو انتهاك واضح لاستقلالية القضاء المصري يستوجب من كافة الأطراف المسئولة ( الحكومة – الأغلبية البرلمانية – المجلس العسكري – محكمة الاستئناف) تقديم أدلة براءتهم منه ، وإلا فإنه لا التاريخ ولا الشعب المصري سيغفر هذا التدنيس المتعمد للثوب القضائي ، وعلى هذه الأطراف أن تأخذ مما مضى عبرة لما يمكن أن يؤدي إليه سخط التاريخ وغضب الشعب . 2- يتناقض موقف السلطات الإدارية والقضائية في مصر من الرعايا الأمريكيين المتهمين في قضايا إدارة منظمات بدون ترخيص مع موقف نفس هذه السلطات من مسئولي المنظمات المصرية التي تعمل بترخيص ووفقا للقانون وتلتزم حرفيا بنصوصه حتى إنها أصبحت " سجينة هذا القانون البالي ، فمع المنظمات الأمريكية غير الشرعية – من وجهة النظر القانونية – تخترق كل القواعد القانونية ومعها استقلالية القضاء المصري ، أما مع المنظمات المصرية الشرعية فطريقة التعامل الوحيدة هي الضرب بسياط التعقيدات الإدارية والتعذيب على يد موظفي الشئون الاجتماعية الذين تتركز مهمتهم الرئيسية في منع المنظمات المصرية من ممارسة دورها الحقيقي .
كاتب المقال دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية ورئيس تحرير جريدة صوت المصريين الالكترونية وعضو الاتحاد العربي للصحافة الالكترونية ورئيس لجنتي الحريات والشئون القانونية بنقابة الصحفيين الالكترونية المصرية