مر ما يقرب من السنة على مصر منذ ثورة 25 يناير ومازال الشعب مع قيادته المتمثلة فى المجلس العسكرى يبحث عن الاستقرار والديمقراطية ويستمر الشعب المصري في الاحتجاج والمطالبة بتسليم الحكم إلى حكومة مدنية. وبعدما تبدل خطاب واشنطن حيال المجلس العسكري الحاكم من مدح إلى ذم على خلفية الأحداث الأخيرة، الأمر الذي عدّه مراقبون «مغازلة» للإسلاميين خاصة بعد صعود نجمهم في الانتخابات البرلمانية. وظلّ المديح والثناء طوال التسعة شهور الأولى من ثورة 25 يناير في مصر هو عنوان خطاب واشنطن تجاه المجلس العسكري الذي يتولى مقاليد السلطة منذ تنحي الرئيس السابق حسني مبارك، إلا أن الحال تغيّرت، حيث تباينت لهجة البيانات والتصريحات الرسمية تباينًا كبيرًا عمّا سبقتها، فطالما كان خطاب واشنطن تجاه العسكري يسير في اتجاه أن الولاياتالمتحدة تقدّر دور المجلس، وربما كانت تصريحات وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون خير مثال على ذلك، فقد سبق وصرحت خلال لقائها وزير الخارجية محمد كامل عمرو أثناء زيارته إلى واشنطن في سبتمبر الماضي بأنها «تقدّر دور المجلس» وأن المصريين يتطلعون لضمان سير الانتخابات بطريقة إيجابية توفر الشفافية والحرية والنزاهة. كما أكدت آنذاك أن بلادها تؤيد الانتقال الديمقراطي، ولا تريد القيام «بأي شيء يتسبب بشكل ما في إثارة التساؤلات حول علاقتها أو دعمها للقاهرة». وكما يقول المصريون «دوام الحال من المحال»، انقلبت تصريحات كلينتون، حيث اختارت وضع المجلس العسكري في خانة واحدة مع «الأنظمة الحاكمة المقاومة للتغيير والحرية سواء في سوريا أو اليمن»، حين قالت إن بقاء القوة السياسية الأقوى «ممثلة في المسؤولين غير المنتخبين يعني زرع بذور الاضطراب للمستقبل». الانتقادات العلنية للمجلس العسكري لم تقف عند حد تصريحات وزيرة الخارجية بل شملت بعض أعضاء الكونغرس من خلال ربط المساعدات المقدمة سنويًا والتي تبلغ 1.3 مليار دولار «بتسليم العسكريين السلطة لمدنيين منتخبين». كما قام بعض أعضاء الكونغرس بتقديم مقترحات أخرى «بتمويل أجزاء من المساعدات العسكرية لصالح البرامج الداعمة للديمقراطية كنوع من العقاب». ويربط مراقبون بين هذا الخطاب ذي اللهجة الغاضبة من قبل الولاياتالمتحدة وبين تصريحات أخرى للبيت الأبيض يفهم من قراءتها «انفتاح واشنطن على التعامل مع الإسلاميين وعلى رأسهم الإخوان المسلمون، طالما جاء هؤلاء للحكم بصورة ديمقراطية». ويبدو أن العلاقة بين الطرفين (أميركا والإسلاميين) تأخذ منحى أكثر دفئًا، فأثارت زيارة رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس»جون كيري لحزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان وحده دون أي فصيل سياسي آخر، كثيرًا من الجدل والتساؤلات، والتي لم تكن الأولى من نوعها بل هي الزيارة الثالثة التي يقوم بها مسؤول أميركي للحزب بعد ثورة يناير. ويرى مراقبون ومحللون أن الولاياتالمتحدة قرأت الخريطة السياسية الجديدة في مصر قراءة صحيحة، ورأت أن تلعب على ما سموه «الجواد» الفائز. من جهتها كشفت الدكتورة كاميليا شكرى، نائب رئيس حزب الوفد، رئيس مركز الدراسات السياسية، ووزيرة الزراعة بحكومة الظل الوفدية، عن تقييمها للأحداث التى تعيشها مصر الآن، مؤكدة أنه رغم هذه الحالة من الفوضى والتخبط التى تعانى منها مصر منذ ثورة 25 يناير وحتى الآن، إلا أنها متفائلة وأكدت أنها بداية الطريق لانطلاقة مصر الكبرى نحو المستقبل الزاهر، ووضعت روشتة لإصلاح أحوال البلاد والعباد، تأتى الزراعة على رأسها على اعتبار ان مصر كانت وستظل بلداً زراعياً، منها بدأت نهضة مصر قديماً، وعليها تقوم نهضتها الحديثة. وأضافت أن الأوضاع السياسية الآن رغم انها تتسم بالتباطؤ وعدم الوضوح، ولكننى متفائلة فهذا وضع طبيعى بعد ثورة استطاعت اسقاط أعتى أنظمة الحكم الديكتاتورية المتسلطة، التى حاولت قهر شعبها بجهاز أمن واسع النشاط، بالاضافة الى وجود جيش آخر من البلطجية، أطلقوه علينا فى بداية الثورة حينما أخرجوا المسجلين خطراً من السجون ليكونوا حماية لهم، ومع ذلك نجحت ثورة الشعب المصرى فى 18 يوماً فقط، حتى إن الدول الأوروبية أصبحت الآن ندرس هذا النموذج المصرى الذى نجح شبابه فى تغيير نمط استخدام تقنية الإنترنت وتوظيفها لخدمة الثورة التى أصبحت ثورة شعبية حقيقية اندمج فيها كل فئات المجتمع. وأشارت الى أنه لابد أن نعرف أولاً أن الدول لا تنتقل فجأة من الاستبداد الى الديمقراطية الحقيقية التى تعلى من قيم الحرية والعدالة والمساواة والديمقراطية فلابد من فترة كافية لترتيب المنزل من الداخل،. فإذا كانت الثورة قد أزالت رأس النظام، فمازالت هناك أذناب تابعة له فى جميع أجهزة الدولة، وجميعها يعمل على اجهاض الثورة، ويحولون دون تغيير الأوضاع للأحسن، لذلك نجد تباطؤاً فى كل شىء يصل لحد التواطؤ فى محاكمة الرئيس المخلوع ورجاله الفاسدين الذين أهانوا كرامة المصريين، وسرقوا مقدرات الوطن، وأضافت نحن لا نلوم المجلس العسكرى وحده فى ذلك، ولكن هناك أطرافاً أخرى ساعدت على هذه الحالة من الفوضى التى جعلت الشباب يثور مراراً منها لجنة إعداد الدستور، والحكومات المتوالية التى تضمنت عدداً كبيراً من السياسيين الذين كنا نتوقع أن تكون لهم رؤية لإدارة البلاد، ولكن هذا لم يحدث. وأكدت أن المجلس الإستشارى يضم نخبة كبيرة من السياسيين المصريين أصحاب الرؤى والفكر، ولو أتيحت له الفرصة كاملة سيكون له دور فى اعادة تصحيح مسار الثورة وتحقيق أهدافها. وأضافت انه لابد من العمل على اعادة بناء الدولة على ثلاثة محاور وهى الأمن والاقتصاد والديمقراطية ولابد ان يكون الشباب شريكاً فى هذه العملية فبعد تحقيق الأمن لابد أن يسير الاقتصاد فى خطين متوازين، وهما إقامة مشروعات تستوعب عدداً كبيراً من العمالة، مع استكمال المشروعات التى تم البدء فيها من قبل وتوقفت، مثل مشروعات تعمير سيناء والصحراء الغربية، ومشروعات تحديث الصناعة. من جانبه أكد السفير حسين الكامل، مستشار مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري قائلا:" بعد ثوره 25 يناير نركز على تحديات وإنجازات التجربة المصرية ومقارنتها بتجارب بلدان أخرى للاستفادة منها. وعن أنسب التجارب لمصر يستبعد الكامل إمكانية نقل تجربة بعينها بل "انتقاء ما يتماشى من مؤشرات استرشادية لصاحب القرار المصري. فنحن نقدم خلاصة التجارب، فمصر تشهد فترة تحول كاملة". ويحدد د.الكامل محاور دراسات المرحلة الراهنة في "الوضع الأمني والفجوة الحالية بين الشرطة والشعب، والحالة الاقتصادية التي تراجعت نتيجة للإضرابات والاعتصامات المستمرة، ونقص الميزانية المعتمدة على السياحة وإيرادات قناة السويس والصادرات". ويشير د.الكامل-الذي عاش في ألمانيا منذ عام 1968 وحتى عام 1979، إلى إمكانية استفادة مصر من التجربة الألمانية في توحيد الجبهة الداخلية ومرحلة "إعادة دمج الألمان الشرقيين والغربيين بعد أن عاشوا في نظامين مختلفين". ويوافق محمد صابرين، نائب رئيس تحرير جريدة الأهرام، د. الكامل الرأي في أن المرحلة الحالية في مصر ينبغي أن تستفيد من التجربة الألمانية". ويرى صابرين أن الاتحاد الأوروبي هو من التجارب الأخرى المفيدة، فالاستقرار الاقتصادي هو السبيل إلى السلام". وعن رؤيته للتطورات القادمة في مصر يقول صابرين إن المصريين " يخشون من الآلام والعقبات التي ترافق عمليات التحول، أملا في الوصول بالبلاد إلى بر الأمان في صورة دولة مدنية عصرية لا تهمش أحدا من الأقليات، معتمدة على التسامح الذي ظهر بداية الثورة. مصر الآن أمام اختبار صعب في تحقيق الريادة في نشر الديمقراطية في العالم العربي والحفاظ على خيار السلام". د. بهجت قرني- مدير منتدى الجامعة الأمريكية وأستاذ قسم العلوم السياسية يصف المرحلة الحالية "بالضبابية"، فالسلطة، كما يقول، منقسمة بين الحكومة والمجلس العسكري، لذا يجب أولا إعادة الثقة بين المواطن والسلطة السياسية من خلال المحاسبة والمساءلة. ولا يستبعد د. قرني الاستفادة من تجربة مثل الألمانية في حل المشكلات، موضحا: "أمنيا بإعادة تأهيل الشرطة، واقتصاديا بزيادة المشروعات وخاصة الصغيرة". السيد رونالد فرويندنشتاين، مدير مركز الدراسات الأوروبية في بروكسل، يوضح أن "ألمانيا في فترة التحول أيقنت أهمية اهتمامها بسياستها الخارجية ما عزز من مكانتها في ذلك الوقت، وهو ما يمكن أن تستفيد منه مصر في المرحلة الحالية". وفى النهاية نجد أن مصر منذ 25 يناير فى خانة واحدة لم نتحرك منها حتى الان والسبب تصوره لنا الحكومة والمجلس العسكرى على أنه الطرف الثالث ويصوره الثوار على انه المجلس العسكرى والشعب يدفع الثمن ولا يعرف من المعطل لمسيرة الديمقراطية فى مصر.