أحيا الأمريكيون أمس الذكرى السنوية العاشرة لهجمات 11 من سبتمبر؛ ففى الساعة 8:46 صباحًا بتوقيت نيويورك من يوم الثلاثاء الحادي عشر من سبتمبر 2001 اصطدمت إحدى طائرات النقل المدني التجارية الأربعة المخطوفة بالبرج الشمالي من مركز التجارة العالمي، وبعدها بدقائق في حوالي الساعة 9:03 اصطدمت طائرة أخرى بالبرج الجنوبي، وبعدما يزيد عن نصف الساعة اصطدمت طائرة ثالثة بمبنى البنتاجون في واشنطن، أما الطائرة الرابعة فقد كان من المفترض أن تصطدم بهدف رابع لكنها تحطمت في حقل في شانكسفيل في بنسلفانيا قبل الوصول للهدف. ونتج عن هذا الهجوم انهيار برجي مركز التجارة العالمي، كما سقط 2973 ضحية و24 مفقودا؛ إضافة لآلاف الجرحى والمصابين بأمراض جراء استنشاق دخان الحرائق والأبخرة السامة. وكان لهذا الحادث تأثيره الكبير ليس فقط على السياسة الأمريكية داخليا وخارجيا، وإنما ايضا على المواطن الأمريكي؛ فبعد ساعات من أحداث 11 سبتمبر، وجهت الولاياتالمتحدة أصابع الاتهام إلى تنظيم القاعدة وزعيمها أسامة بن لادن، الذي في عام 2004 - وفي تسجيل مصور تم بثه قبيل الانتخابات الأمريكية في 29 أكتوبر2004 أعلن مسئولية تنظيم القاعدة عن الهجوم. وبعد أقل من 24 ساعة على الأحداث، أعلن حلف شمال الأطلسي أن الهجوم على أية دولة عضو في الحلف هو بمثابة هجوم على كافة الدول التسع عشرة الأعضاء، وكان لهول العملية أثرا على حشد الدعم الحكومي لمعظم دول العالم للولايات المتحدة ونسي الحزبان الرئيسيان في الكونجرس ومجلس الشيوخ خلافاتهما الداخلية. حرب عالمية ومن التغييرات الكبيرة في السياسة الأمريكية التي أعقبت هذه الأحداث، الحرب على الإرهاب وتسمى أيضاً الحرب العالمية على الإرهاب وهي عبارة عن حملة عسكرية واقتصادية وإعلامية مثيرة للجدل تقودها الولاياتالمتحدة وبمشاركة بعض الدول المتحالفة معها وتهدف هذه الحملة حسب تصريحات رئيسها السابق جورج دبليو بوش إلى القضاء على الإرهاب والدول التي تدعمه، وأدى ذلك لحرب على أفغانستان، وأيضا الحرب على العراق، وإسقاط نظام صدام هناك أيضا. أما في الدول العربية والإسلامية، فقد كان هناك تباين شاسع في المواقف الرسمية الحكومية، التي كانت تساند أمريكا ضد الإرهاب، مع الرأي العام السائد على الشارع الذي كان على قناعة أن الضربة كانت نتيجة ما وصفه البعض بالتدخل الأمريكي في شئون العالم. وعلى الجانب الإقتصادي، شكلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 ضربة حقيقية للاقتصاد الأمريكي، ليس فقط لأنها تسببت بسقوط برجي التجارة، وأثرت على أعمال آلاف الشركات الاقتصادية، وتسببت في هز البورصة، فهذه أهون الأمور، بل لأنها أجبرت الإدارة الأمريكية على أن تنتهج سياسية جديدة في العالم تتمثل في زيادة الأمن، واحتلال بعض الدول، وتحمل نفقات الاحتلال، وتقديم المعونات للدول العالمية لضمان مساندتها لسياساتها، بالإضافة إلى السياسة المالية الداخلية التي أدت إلى زيادة الأعباء على الحكومة وزيادة عجزها الاقتصادي، كما اضطرت القوات الأمريكية إلى نشر المزيد من القوات خارج الولاياتالمتحدة، في الفلبين وجورجيا وجيبوتي، كما عززت من تواجدها في بعض الدول. كل تلك الأمور مجتمعة أدت إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية الأمريكية، التي لم تكن قوية بالدرجة المطلوبة للوقوف في وجه مثل هذه التحديات، والخروج سالمة، أو على الأقل بخسائر معقولة بعد هذه الأحداث. حيث وافق الكونجرس ومجلس الشيوخ الأمريكي بالإجماع وبسرعة فائقة على منح الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش 40 مليار دولار لحملة الحرب على الإرهاب، و20 مليار دولار إضافية لمساعدة خطوط الطيران الأمريكية في أزمتها الاقتصادية التي مرت بها عقب أحداث 11 سبتمبر 2001. كما تم إلقاء القبض على الآلاف من الأشخاص منهم الكثير من المواطنين الأمريكيين من أصول شرق أوسطية، وجرت معظم الاعتقالات بصورة غير معهودة في القوانين الجنائية الأمريكية إذ لم يتمتع المشبوهون بحق التمثيل القانوني لهم من قبل محامين. وبدأت وزارة العدل الأمريكية بحملة تسجيل لأسماء المهاجرين، وطلبت من المواطنين غير الأمريكيين تسجيل أسماءهم لدى دوائر الهجرة الأمريكية وتم تمرير قانون مثير للجدل USA Patriot Act الذي منح صلاحيات واسعة للأجهزة الأمنية في استجواب وتفتيش واعتقال والتنصت على كل من يشتبه به دون اتباع سلسلة الاجراءات القانونية التي كانت متبعة من قبل. كما عانت الجاليات العربية والمسلمة في أمريكا وأوروبا كثيرا من سوء المعاملة والتضييق والاعتقالات والاستجوابات وغير ذلك من الإجراءات التي سببت كثيرا من المشاكل لهؤلاء في البلاد التي يعيشون فيها. وقد أحيا الأمريكيون الذكرى السنوية العاشرة لهجمات 11 سبتمبر، بدقيقة حداد فى جميع أنحاء مدينة نيويورك، وذلك على أرواح الضحايا. وذكر راديو هيئة الإذاعة البريطانية (بى.بى.سى) أن هذه الدقيقة ستبدأ فى نفس اللحظة الذي اصطدمت فيه الطائرتان بالبرجين وفي نفس توقيت انهيارهما منذ عشر سنوات، يليها قراءة أسماء ضحايا الأحداث البالغ عددهم قرابة ثلاثة آلاف شخص بواسطة ذويهم. كما أعلنت حالة التأهب القصوى بين السلطات المكلفة بانفاذ القانون في نيويوركوواشنطن لمواجهة ماوصف بتهديد حقيقي ولكنه غير مؤكد لتنظيم القاعدة لشن هجوم جديد على الولاياتالمتحدة بعد عشرة اعوام من انهيار برجي مركز التجارة العالمي. وشددت اجراءات الأمن لاسيما في مانهاتن حيث قامت الشرطة بتفتيش السيارات في شوارع المدينة إلى جانب الجسور والأنفاق المؤدية إلى المدينة، ومن المقرر أن يشارك الرئيس الامريكي باراك اوباما والرئيس الامريكي السابق جورج بوش الذي كان رئيسا للبلاد أبان الهجمات في احياء الذكرى في موقع مركز التجارة العالمي في نيويورك. الإرهاب لم ينته وتعليقا على ذلك، يقول السفير جمال بيومي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن الإرهاب لن ينتهي مادام هناك مستفيدون من وجوده، وعلى رأسهم القائمون على صناعة وتجارة الأسلحة في العالم، وبالرغم من ذلك، وبعد مرور عشر سنوات على هذه الأحداث، أجد ان هناك بعض الجوانب والنتائج التي قد يختلف الكثيرون في إعتبارها سلبية أو إيجابية لما حدث، ومنها؛ فشل الصقور الأمريكية وعلى رأسها جورج بوش الإبن ونائبه ديك تشيني في حروبهم في العراق وفي أفغانستان، وهذا الفشل للحملة الصليبية ضد العالم الإسلامي والعربي تؤكد أننا كعرب ومسلمين براء من الإرهاب، الذي يتنافى مع روح الإسلام الحقيقي. ويستطرد بيومي قائلا "هل تعلم أن من أغرب نتائج ما حدث في 11 سبتمبر 2001 هو دخول أعداد كبيرة من الأمريكان للإسلام!"، ويستكمل موضحا ذلك بأن الإدارة الأمريكية نسبت ذلك للمسلمين، الأمر الذي دعى البعض يتساءل ما هذا الدين الذي يجعل أصحابه يقدمون على مواجهة أكبر دولة في العالم! فأخذوا يبحثون ويقرأون في الدين الإسلامي حتى وصلوا إلى الحقيقة وهي أن الدين عند الله الإسلام، فأعلنوا إسلامهم، وأنا قابلت كثيرين منهم بنفسي هناك. ويضيف جمال بيومي أنه يلمح تحسنا طفيفا منذ تولي أوباما رئاسة أمريكا في العلاقات الأمريكية مع الدول العربية والإسلامية، وكانت زيارته لمصر وخطابه في جامعة القاهرة دليلا على ذلك، وينهي كلامه مؤكدا أن مصر لا يجب أن تبحث عن أعداء وإنما، وخاصة في هذه الفترة الانتقالية من تاريخ مصر، يجب أن توسع من دائرة الصداقات والعلاقات السلمية، حتى نستطيع أن ندفع عجلة التنمية للأمام. فشل بوش أما الكاتب الصحفي عبدالله السناوي، فيرى أن جورج بوش الإبن وحزبه المحافظ الجديد قد فشلوا في مواجهة الإرهاب وفي التعامل مع الملفات المطروحة أمامهم، وبدا الانحياز التام لإسرائيل لفرض سيطرتها وهيمنتها على المنطقة، وبالرغم من موقفنا من صدام ورأينا فيه، إلا أن غزو العراق وضرب الجناح الشرقي للأمة العربية أدى إلى زيادة الهيمنة الأمريكية بصفتها القطب الأوحد في العالم، ثم تلا ذلك غزو لبنان في 2006 ثم ضرب غزة في 2008. ويضيف السناوي أن الرأي العام الأمريكي لم يكن مقتنعا بما يفعله جورج بوش الإبن، والذي كبد الأمريكيين خسائر كبيرة في الاقتصاد وأيضا من القتلى في الحروب المختلفة في العراق وأفغانستان وغيرهما، ولهذا كان لابد من هروب هذا التيار اليميني المحافظ لما حققه من إخفاقات، وهي نفسها الأسباب التي دفعت بأوباما ليقود هذه المرحلة وسط حالة من التفاؤل المعقود بالآمال فيه وفي سياسته، وخاصة بعدما تعهد بأشياء كثيرة من فتح نافذة مع سوريا وإيقاف المستوطنات وتحقيق التوازن في المنطقة، ولكنه أخفق في تحقيق ما وعد ولم يصل للنتائج المرجوة، فخذل العالم الإسلامي والعربي في الرهانات التي وضعوها عليه، واضطر للإذعان لحكومة نيتانياهو، ولكننا لا نستطيع إجمالا أن نساوي بين جورج بوش الإبن وأوباما فيما يتعلق بسياساتهما في المنطقة. ويختتم السناوي كلامه مؤكدا أنه من أبرز الدروس والنتائج التي يجب أن نستخلصها من أحداث 11 سبتمبر خاصة ومن السياسة الأمريكية عامة، أن قضايانا ومشكلاتنا لن يحلها لنا أحد، وإنما نحن فقط القادرون على مناقشة قضايانا وحل مشاكلنا، ولعل ثورة 25 يناير هي أوضح وأكبر دليل على ذلك.