خلال أحداث الشغب التي شهدتها بعض أرجاء المملكة المتحدة، والتي نُهبت خلالها بعض الأسواق، وخُربت الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وبينما كان السياسيون مشغولين بالأفكار المختلفة لإطفاء تلك النار بالقوة غير المفرطة، والتهديد في أوقات آخر، كان علماء الاجتماع والنفس مشغولين في البحث عن جذور تلك المشكلة. والهدف من البحث في الجذور، يتلخص في القضاء على الأسباب الحقيقة لمثل تلك المشكلات والأزمات. العالم العربي اليوم يمر بمرحلة جديدة من تاريخه، زُلزلت فيها حكومات وأسقطت أخرى، دول كان الفكر الأمني مسيطراً عليها وفجأة اكتشف الزعيم أن الشعب أقوى من تلك الأجهزة مهما بالغت في التعذيب والاضطهاد. التحليل السطحي لتلك التغيرات التي تمر بالأمة العربية اليوم أرجع الظاهرة إلى عوامل كالبطالة والفقر وغياب التنمية الحقيقية. وقد ارتاحت بعض الدول لنتائج تلك التكهنات، لأنه إذا كان الفقر هو السبب، فالمال هو الحل. ولكن القليل من الحكماء هم الذين بحثوا في جذور هذه الحركات التي برزت في العالم العربي، ولن تنتهي إلا بعد التغيير الذي يريده الشعب. أحد المبررات التي أسوقها لمثل هذه التداعيات، وهي من جذور المشكلة تتلخص في جذور الحكم والعلاقة بينه وبين الشعب، ففي الدول العربية، التي شهدت أحداثاً خلال الآونة الأخيرة، نجد جذور الحاكم لم تكن مغروسة في وطنه، ولم يكن يتغذى مع شعبه من نفس المورد، بل كانت حكومات في العالم العربي جذورها في الخارج، حيث تتغذى من ماء آسن بمزاج والمصالح الشخصية. وكي يُصدق هذا الحاكم نفسه أحاط قصره بسدود منيعة بينه وبين الشعب. تلك السدود تنقل له رسائل إيجابية عن حال الناس ورضاهم عن حكمه الرشيد. وإذا شك ذلك الحاكم في تقارير الزيف التي تصله، جمع له نفر من المطبلين والمصفقين الهاتفين بحياة ذلك الزعيم. وقد رأينا بشراً لا يكاد ينطق زعيمهم بكلمة حتى كانت الهتافات مدوية في الأرجاء. ولو تأملت إلى الإعلام، لرأيت نخبة من المنافقين في الدول العربية التي شهدت تغييراً، يُحولون الليل إلى نهار، ويقنعون الناس بأن القمر شمس. واستمر الحاكم في عزلته من خلال خبراء يسولون له الأمور. ويشيرون عليه بالرأي الذي يحقق مصالحهم. ولو أضفنا إلى تلك المهازل التقارير التي كانت تكتب عن كل مفكر حر أو شهم أغر يريد النصح لوطنه، وكيف امتلأت بهم سجون الرأي ومقابر الفكر، لعلمنا أن السر يكمن في الفجوة الفكرية والحقيقة بين الحاكم و المحكوم في الوطن العربي. وقد أثبت لنا تاريخ العرب المعاصر أن أول من تبرأ من هؤلاء الزعماء كان النفعيون من حولهم. وقد رأينا أن دول الدعم الخارجي التي كان الزعيم يتغذى من مالها ويشرب من تقاريرها، هتفت بصوت واحد إني بريء منكم إني أرى شعباً لاحت له نسمات الحرية، ولن يقف حتى يأتي بزعيم عروقه ترتوي من ماء يشربه هو وشعبه. الدول التي تشهد استقراراً اليوم في عالمنا العربي هي من الصنف الذي لا توجد عوازل بين حكامها وبين أفراد شعبها... هذه الدول مطلوب منها- كي يستمر استقرارها- أن تتعلم دروساً من تاريخ العرب المعاصر، وتبحث في جذور الفتنة كي لا تخدعها الظاهرة العامة.