أبو مجاهد.. مقاتل فلسطيني من زمن "الشفافية الثورية".. سلاحه متواضع, ونظرته للدنيا زاهدة.. يرفع شعارات يؤمن بها ويطبقها.. أبو مجاهد كان يحرث قطاع غزة "من السلك للسلك".. يجند.. ينقل السلاح.. يجمع تبرعات.. يتخفى.. مطارد.. أما في مدينته فيتنقل على "بسكليت" دراجة هوائية.. ورغم ذلك كان يرهق اللاهث خلفه.. الاحتلال.. في أيام الانتفاضة البكر كان الاتصال والاستطلاع بكْرا أيضا.. لا جوال ولا "سيناو" ودون لاسلكي, وعندما يقرر أبو مجاهد التواصل مع إخوان السلاح أو قيادته يمرر عبر دورات المياه في المساجد والمدارس أوراقا صغيرة يخفيها في شقوق الجدران فيما تعرف ب"النقاط الميتة", فكان يشعر الاحتلال أحيانا بالعجز في المتابعة رغم قوته الاستخبارية.. أبو مجاهد يعمل كثيرا ويأكل قليلا.. كان يتقاسم وإخوانه "ساندويتشات" الحمص و"المرتديلا".. لم يكونوا من مناضلي "الكباب" و"الشاورما"؛ لذلك حافظوا على رشاقتهم بدون كروش متدلية, ولا مؤخرات مرتفعة؛ لأن أبا مجاهد يحتاج للزحف -دون معيقات من الخلف أو الأمام- ليقتحم الجدران الإلكترونية والسياج للمستوطنات بحثا عن صيد سمين.. أبو مجاهد كان يتسلح برشاش من نوع "كارلو غوستاف" (يطلق رصاصة وتعلق رصاصتين) من أيام الحرب العالمية الثانية.. شارك في دفع ثمنه.. لكنه وبعد سلسلة عمليات تمكن من الاستيلاء على سلاح إسرائيلي من نوع "جاليلي".. مع ذلك حافظ على الرشاش القديم.. ومع تطور الكر والفر مع الاحتلال تمكن أبو مجاهد وإخوانه من توفير تبرعات لشراء سيارة (بيجو 504) بحالة متوسطة.. يومها توسلته زوجه أن تركب إلى جواره في السيارة، "وتوخذ لفه".. لكنه رفض على اعتبار أنها أمانة وملك للمجاهدين.. "وليست للفسح وشمات الهوى". في زمن أبي مجاهد لم تكن هناك رتب ولا مسميات قيادية بالصورة التقليدية, فكلهم جنود وكلهم ألوية, والرصيد الحقيقي هو عدد العمليات التي خاضوها ضد جنود الاحتلال.. كم قتلوا وأصابوا منهم.. لم تكن هناك مخصصات مالية ورواتب لأبي مجاهد وإخوانه.. كانوا يحصلون أحيانا على إعانات ومساعدات, وفي أحيان كثيرة كانوا ينفقون من جيوبهم على للإعداد والتجهيز لمقاومتهم.. أبو مجاهد مثله مثل الثائرين الحالمين.. يحمل شعارات ومبادئ يطبقها قبل أن يرددها.. كان يقول بأنه صاحب مشروع؛ لذلك لم تكن له مشاريع استثمارية أو تجارية أخرى.. كان ينفذ قواعد السمع والطاعة قبل أن يأمر المقاتلين تحت أمرته, ولم يكن يردد كثيرا أن عمله لله خشية أن يصيبه الرياء.. يوم استشهد أبو مجاهد بعد معركة مع جنود الاحتلال خرجت الجماهير لتودعه دون نداء أو دعوة.. الجميع يبكيه كأنهم فقدوا المقاتل الوحيد, وعندما نبشوا خلفه وجدوا أنه ترك لزوجه وأبنائه ديونا, ومصحفا, وبضعة رصاصات أعادتها زوجه للتنظيم؛ لأن أبا مجاهد كان يقول لها بأن كل ما يملك من سلاح وعتاد أمانة وهي من حق المجاهدين.. لا أعلم لماذا أتذكر هذه الأيام قصة أبي مجاهد, وأشعر برغبة أن أذرف الدموع عليه بحرقة, كأني أبكي "الفدائي الأخير"!!..