عاصفة جديدة أثارها شيخ الأزهر والإمام الأكبر الدكتور محمد سيد طنطاوي، وهذه المرة العاصفة لم تكن سياسية وإنما دينية، إذ دخل «عش الدبابير» كعادته وهاجم مرتديات «النقاب»، عندما صرح بجرأة شديدة أن الحجاب ليس من الإسلام فى شيء،. حين حاولت طالبة فى معهد أزهرى مجادلة الشيخ طنطاوى والدفاع عن نفسها وزميلاتها مرتديات النقاب، قائلة إنهن فعلن ذلك لوجود رجال ومنهم شيخ الأزهر نفسه ثار الأخير بشدة وهاجم الطالبة قائلا «أنا اعرف فى الإسلام أكثر من اللى خلفوكي».. واضاف قائلا «واذ كنت جميلة ماذا ستفعلين»، مشيرا الى أنها ليست جميلة وانما منقبة! بسرعة شديدة، تحولت كلمات الشيخ طنطاوى الى ما يشبه كرة الثلج المتدحرجة من قمة جبل شاهق، وصدرت قرارات ادارية من جامعة الأزهر وادارة المدن الجامعية بمنع الطالبات من دخول حرم المدن الجامعية والفصول الدراسية منتقبات. وانضم الدكتور هانى هلال، وزير التعليم العالي، للحملة وأصدر قرارات مماثلة بعد أن أكد أن العام الماضى وحده شهد اكتشاف 15 رجلا فى زى منقبات لأغراض السرقة وأعمال منافية للآداب. وحسم المجلس الأعلى للأزهر ترددا دام طويلا داخل أروقة المجلس الذى تراخى وتهاون فى التصدى لظاهرة ازدياد المنتقبات داخل المدارس والجامعات. وبدا انه ترك الساحة لفتاوى من شيوخ خارج المؤسسة الدينية الرسمية. وعقد المجلس جلسة طارئة بناء على دعوة من الدكتور طنطاوى ودارت مناقشة فقهية ودينية مثيرة انتهت الى اصدار قرار بمنع ارتداء الطالبات للنقاب داخل الفصول الدراسية التى يقوم بالتدريس فيها المدرسات من النساء فقط، سواء كان ذلك فى المراحل الإبتدائية أو الإعدادية أو الثانوية، "حرصا على نشر الثقة والانسجام والارتياح والفهم السليم للدين". عادة وليس فريضة على الرغم من أن قرار المجلس الأعلى للأزهر شكل نصف تراجع، حيث لم يمنع الطالبات من ارتداء النقاب فى وجود رجال أو حتى طلاب زملاء، فإن التوازانات داخل الأزهر واختلاف الآراء حالت دون إصدار قرار حاسم وشامل، وإن فتح القرار الباب لدخول المؤسسة الرسمية الدينية الأولى إلى المعركة الدينية فى الشارع. فقد نجحت الجماعات الإسلامية المختلفة بجميع صورها فى اختطاف الدين وإطلاق تفسيرات وفتاوى مختلفة عبر سيطرتها على الآف الزاويا والمساجد الصغيرة والجمعيات الخيرية التى تقدم خدمات اجتماعية وطبية وتعليمية فى غياب مؤسسات الدولة الرسمية الموازية وضعف امكاناتها. لكن تلك الخطوة اعتبرت انجازا مهما رحبت به منظمات المجتمع المدنى الليبرالية، التى وقفت بعيدا خشية اتهامها «بالكفر» ومحاربة الدين، خاصة أن المعارك مستمرة على عدة ساحات ثقافية على وجه الخصوص بين التيار الليبرالى ومنظمات المجتمع المدنى من ناحية، والجماعات الإسلامية والسلفية من ناحية أخرى. وكان الأزهر يقف فى معظم الوقت إلى جانب الجماعات السلفية، وبالتالى فان الليبراليين لم يجدوا فى معركة النقاب «شأنا يخصهم»، واعتبروها «معركة بين المؤسسة الدينية الرسمية والجماعات الإسلامية المتشددة». الأزهر يتراجع ويتوقع الليبراليون أن يتراجع الأزهر بسرعة، وهو ما حدث جزئياً بقرار المجلس الذى حظر ارتداء النقاب فى وجود سيدات فقط! وزارة الأوقاف، المؤسسة الدينية الرسمية الأخرى، انضمت إلى الحملة الإعلامية بإعادة طبع كتاب وزير الأوقاف الدكتور محمد حمدى زقزوق «النقاب عادة وليس عبادة»، وهو كتاب استند إلى نصوص من الشريعة الإسلامية والقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة حول عدم فرض النقاب. وهو ما أكده عضو مجمع البحوث الإسلامية الدكتورعبد المعطى بيومى بقوله «إنه ليس فى القرآن الكريم أو السنة النبوية آية أو حديث تجعل النقاب فرضا أو سنة أو واجباً، وان من يستدل على غير ذلك فهو من المتشددين الذين يتعلقون ببعض الأدلة الضعيفة جداً وأحيانا تكون غير صحيحة، حيث لا يعدو النقاب كونه عادة وليس عبادة». التوظيف السياسى للقضي نواب جماعة الاخوان المسلمين فى مجلس الشعب، وهم قوة نيابية هائلة (88 نائباً)، تحركوا بسرعة، وقدم أحد نوابهم سؤالا برلمانيا عاجلا لرئيس الحكومة الدكتور أحمد نظيف بصفته وزيرا لشؤون الأزهر، قال فيه «إن ما قام به شيخ الأزهر يمثل اعتداء صارخاً على حرية الطالبات بسبب ارتدائهن النقاب» واتهم النائب الاخوانى على لبن الشيخ طنطاوى بمخالفة الدستور والقانون وحكم الإدارية العليا. واشار الى أن الجامعة الأميركية فى القاهرة اضطرت إلى تنفيذ حكم الإدارية العليا بدخول منتقبات إلى الجامعة بعد أن منعتهن ادارة الجامعة. وقال إن حكم الادارية العليا أكد أن النقاب أن لم يكن فريضة فهو فضيلة ومباح ولا يجوز لشيخ الأزهر تغيير المباح. العديد من الشيوخ فى الزوايا والمساجد وعلى الفضائيات شحذوا الفتاوى التى فى جعبتهم للوقوف ضد شيخ الأزهر وضد وزير التعليم العالي، حيث وجدوا ان الحكومة قررت لأول مرة مواجهة انتشار النقاب بشكل كبير، بعد أن تراخت فى مواجهة الحجاب وأشكاله المختلفة الذى أصبح يضم «نماذج» مستوردة من أفغانستان وإيران والدول العربية الخليجية، وأصبح الشارع المصرى يشهد خليطا من الازياء دخيلا على التقاليد المصرية، خاصة ان المرأة المصرية قبيل ثورة 1919 كانت ترتدى «الخمار» ونزعته مع اندلاع هذه الثورة لتنضم إلى الرجال فى المعارك الوطنية، ومن يومها انطلقت معركة تحرير المرأة. وفى الستينات من القرن الماضى على وجه الخصوص ازدهرت أحوال المرأة فى مصر، وكانت ترتدى احدث الأزياء الغربية حتى القصيرة جدا منها، ولم تشهد مصر حالة الفصل بين الرجال والنساء فى الاماكن العامة بما فى ذلك الشواطئ وحمامات السباحة. ومع نمو الجماعات الاسلامية واشتداد تأثير الجماعات السلفية القادمة من الدول الخليجية النفطية، فان جماعة الاخوان بالذات نشطت فى المدارس والجامعات لاستقطاب الطلاب والطالبات، وكانت البداية بدعوتهم الى الالتزام الدينى بارتداء الملابس الشرعية، وذلك فى اطار مخطط اشمل لبناء قاعدة اجتماعية يستند إليها الاخوان فى معركتهم السياسية للوصول الى الحكم حتى عن طريق الانتخابات التشريعية. وكان معروفا فى الانتخابات الماضية ان كل المنقبات سيعطين اصواتهن لمرشحى جماعة الاخوان المسلمين، وترشح عن الجماعة سيدات محجبات فشلن فى الفوز بأى مقاعد، ولكن المعركة الاساسية لهن كانت فى دخول المنازل ودعوة السيدات وحتى الفتيات الصغيرات للالتزام وارتداء الزى الاسلامي. ومن المثير ان جماعة الاخوان خصصت مبالغ مالية لكوادر الحركة فى الأحياء والمناطق المختلفة، خصوصا العشوائية لتقديم الملابس الشرعية إلى السيدات والفتيات مجانا. ولا بد أن الأحوال الاقتصادية الصعبة وتعرض الطبقة المتوسطة للتهميش قد جعلت أبناء هذه الطبقة يتجهون للخروج من سباق «الموضة» النسائية والأزياء الحديثة والتخلص من نفقات تصفيف الشعر وغير ذلك من نفقات والاكتفاء بالحجاب. قضية أمن قومي وفى رأى كثير من السياسيين الليبرالين واليساريين أن جماعة الاخوان والجماعات السلفية يقومون بتنفيذ مشروع لأسلمة المجتمع. وقد قطعوا شوطا كبيرا للغاية فى هذا الاتجاه: ففرضوا شواطئ للمحجبات، وأندية خاصة بهن ومحلات تبيع أحدث صيحات الملابس الشرعية، وبينها المايوه الشرعي، وحتى قامت الفنانة المعتزلة حنان ترك، وهى لا تزال شابة صغيرة بتأسيس مقهى للمحجبات فقط. كما نجحت الضغوط فى أجبار الدولة على تخصيص عربات للسيدات فى مترو الأنفاق، تحولت الى مراكز للدعوة الإسلامية. ولم تعمد سيدة غير محجبة إلى ركوب تلك العربات والا تعرضت لحملة انتقادية قوية لأنها إما مسيحية أو لا تحترم الدين الاسلامى وتخالف تعليماته. وزيرة الاسرة والسكان اعتبرت قضية النقاب المثار حاليا قضية أمن قومى وفكرا يروج له بعض الأشخاص داخل المجتمع المصري. منع مقابل المنع المعضلة التى تواجه المجتمع المصرى حاليا انه تأخر كثيرا فى مواجهة قضية النقاب بعد ان انتصر الحجاب واصبح زيا شعبيا فى مواجهة انقسام ثقافى خطير يهدد هذا المجتمع الذى يتعايش فيه النقاب مع البنطلونات الساخنة (الاستومك) التى تكشف جزءا كبيرا من البطن، وفى مارينا حيث المصيف الأكثر جاذبية للأغنياء والشواطئ المماثلة يعيش المجتمع المصرى حالة الإنقسام الثقافى بسلام. فالمحجبات وحتى المنقبات يتمتعن بالسباحة بكامل ملابسهن، وهو ما دعا الأغنياء الجدد الى الهروب بعيدا الى شواطئ اخرى مقفلة اتخذت قرارات مماثلة لقرارات شيخ الازهر بمنع المنقبات والمحجبات من السباحة بملابسهن، وعلى الرغم من هذا التعايش فان المعركة التى بدأها شيخ الازهر حركت المياه الراكدة،وكشفت هشاشة هذا التعايش، والانقسام الثقافي. والاخطر من ذلك القوى السياسية التى تستغل قضايا الحجاب والنقاب لتمرير مشروعها السياسي. وقد نجحت فى تمرير وتعميم الحجاب، وها هى تدخل معركة محاولة تعميم النقاب، وتصدى شيخ الازهر هو تطبيق فعلى لكلام وزيرة الاسرة د. منيرة خطاب بأن النقاب قضية امن قومى فى مصر.