أدت خطبة صلاة الجمعة التى أدلى بها آية الله على خامنئى والتى دعت إلى وضع حد للإحتجاجات الواسعة النطاق فى إيران، التى طعنت فى نتائج الانتخابات الرئاسية فى الاسبوع الماضى وحملت تهديداً ضمنياً عن "دماء وفوضى" فى حال استمرارها، إلى تصعيد المواجهة الجارية بين الحكومة والمعارضة فى البلاد. ومن المحتمل أن تكون المرحلة الآن معدة لحدوث مواجهة عنيفة. ومع ذلك، تثير التجارب السابقة تساؤلات عما إذا كان كان بالإمكان الإعتماد على قوات الأمن بشكل موحد لتنفيذ أمر [يصدر] لقمع الاحتجاجات بعنف، وعما إذا كان بإمكان أمر كهذا أن يثير فى واقع الحال اضطرابات داخل صفوف قوات الأمن، بحيث يمكن أن يكون لها آثار هامة على استقرار النظام فى المستقبل. وفقاً لدستور الجمهورية الإسلامية، [هناك فقرة تقول] بأن الجيش هو المسؤول عن الدفاع عن الحدود الإيرانية والحفاظ على النظام الداخلي، فى حين أن "فيلق الحرس الثورى الإيراني" هو المسؤول عن حماية النظام. ولا تبدو الأمور واضحة تماماً من ناحية الممارسة العملية. فخلال الحرب العراقية الإيرانية، حارب "فيلق الحرس الثورى الإيراني" (وميليشيته الشعبية، "الباسيج") جنباً إلى جنب مع وحدات عسكرية نظامية فى الجبهة. واستمر هذا الغموض حول الأدوار والمهام [التى تضطلع بها مختلف الوحدات المسلحة] حتى يومنا هذا: فالجيش النظامى و "فيلق الحرس الثورى الإيراني" يجريان مناورات عسكرية مشتركة بصورة روتينية، فى حين لعبت ميليشيا "الباسيج"، فى أعقاب الغزو الامريكى للعراق، دوراً أكبر فى الإستعداد لمواجهة غزو أجنبي، بتنفيذها عقيدة "الفسيفساء" الجديدة [التى يتبعها] النظام، وحفاظها على قيم الثورة. ويشارك "فيلق الحرس الثورى الإيراني" و "الباسيج" بصورة روتينية أيضاً فى مناورات [عسكرية] أدت إلى شحذ قدرتها على التعامل مع الاضطرابات الداخلية. وتشارك "قوات إنفاذ القانون" (LEF) مع "الباسيج" (وفى التالى مع "فيلق الحرس الثورى الإيراني") فى هذه الجهود للحفاظ على النظام الداخلي. أدت الاضطرابات المتقطعة التى عصفت إيران منذ أوائل التسعينات من القرن الماضى إلى كشف التوترات الكامنة أحياناً بين القيادات السياسية والعسكرية فى البلاد، فضلاً عن الخلافات السياسية بين القيادات العليا للقوات المسلحة و[الضباط] العاديين [ذوى المترتبات الأدنى]، مما أثارت تساؤلات عن الآثار المترتبة على القيام بحملة قمع عنيفة فى إيران فى الوقت الراهن. وكانت أول علامة عن المتاعب [المترتبة على القيام بحملة كهذه] هو رفض وحدات من الجيش و "فيلق الحرس الثورى الإيراني" المعسكرة بالقرب من قزوين (مدينة رئيسية فى شمال غرب طهران)، تنفيذ الأوامر لقمع أعمال الشغب التى وقعت هناك فى آب/أغسطس 1994. ويبدو أن قادة تلك الوحدات رفضوا توجيه أسلحتهم ضد الشعب الإيراني. وقد اضطر النظام إلى نقل وحدات خاصة لمكافحة الشغب مكونة من مليشيا "الباسيج" و "فيلق الحرس الثورى الإيراني" من مكان آخر [فى البلاد] لإخماد أعمال العنف. وقد أدى انتخاب المرشح الإصلاحى محمد خاتمى للرئاسة فى أيار/مايو 1997، إلى زيادة التوتر فى العلاقات بين المدنيين والعسكريين. وبالرغم من أن كبار ضباط "فيلق الحرس الثورى الإيراني" كانوا قد أيدوا منافسه المحافظ (رئيس مجلس الشورى الإسلامى على اكبر ناطق نوري)، أشارت تقارير صحفية ذات مصداقية فى مرحلة ما بعد الانتخابات بأن أفراد "فيلق الحرس الثورى الإيراني" كانوا قد صوتوا لصالح خاتمى بنسب أعلى من تصويت عامة السكان (73 فى المائة مقابل 69 فى المائة). ويدل ذلك بأن نفس الانقسامات التى تمزق المجتمع الإيرانى هى فى الواقع قائمة أيضاً فى صفوف "فيلق الحرس الثورى الإيراني" – وهو تنظيم عسكرى كان يعتقد لمدة طويلة بأنه معقلاً لمؤيدى المحافظين المتشددين. وربما، لا ينبغى أن يكون هذا الأمر قد أتى كمفاجأة، نظراً لواقع الحال بأن "فيلق الحرس الثورى الإيراني" أصبح - خلال العقدين الماضيين - يعتمد بصورة متزايدة على المجندين لتلبية احتياجاته من القوى العاملة، بسبب الانخفاض الكبير فى عدد المتطوعين. وقد أثار ذلك تساؤلات عن الموثوقية السياسية ل "فيلق لحرس الثورى الإسلامي" حول ما إذا كانت هناك حاجة إليه لإخماد الاضطرابات الشعبية. وفى تموز/يوليو 1999، قدمت أعمال الشغب الطلابية، خلفية عن الأزمة المقبلة فى العلاقات بين المدنيين والعسكريين. وقد تم قمع تلك الاضطرابات من قبل "قوات إنفاذ القانون" (وفى كثير من الأحيان بمساعدة البلطجية من أنصار حزب الله، وهى مجموعة غامضة من الحراس مدعومة من قبل "فيلق الحرس الثورى الإيراني" وميليشيا "الباسيج") والذين تم تسريحهم من قبل "الباسيج" حالما استقر الوضع. وألقت تلك الأحداث الضوء على الواقع العملى بأنه بحلول تموز/يوليو 1999، ظهر تقسيم جديد بين قوات الأمن حول طبيعة العمليات [التى تقوم بها كل مجموعة]، حيث أصبحت "قوات إنفاذ القانون" خط الدفاع الأول للنظام لصد الاضطرابات الداخلية، مع قيام ميليشيا "الباسيج" بتوفير الدعم. وعندما يكون الأمر ضرورياً، يمكن تعزيزها بقوات من "الوحدات الخاصة" ل "فيلق الحرس الثورى الإيراني" ومن ثم بالقوات البرية ل " فيلق الحرس الثورى الإيراني". ويتم نشر القوات العسكرية البرية العادية كملاذ أخير فقط. وفى ذروة الاضطرابات التى جرت فى تموز/يوليو 1999، أرسل أربعة وعشرون ضابطاً من كبار قادة "فيلق الحرس الثورى الإيراني" رسالة إلى الرئيس خاتمى هددوا فيها بالقيام بانقلاب [عسكري] إذا لم يقم باستعادة النظام بسرعة. ولم يسبق لمثل هذا التهديد أى مثيل فى تاريخ الجمهورية الإسلامية، بالرغم من أنه ليس من الواضح إذا كان [هناك أمل] فى نجاح قيام انقلاب [عسكري]، نظراً للإنقسامات السياسية فى صفوف القوات المسلحة. وربما كانت النتيجة قيام أعمال عنف دامية فى الشوارع، وربما حرب أهلية. وفى النهاية، تمكنت القيادة الدينية فى إيران من إعادة الهدوء، وبالتالى استباق حدوث انقلاب، على الرغم من أن التهديد بتدخل عسكرى علنى كان يشكل تطور مزعزع جديد. ومع ذلك، فقد تدخلت العناصر المتشددة فى أجهزة الأمن والقوات المسلحة بصورة سرية فى الساحة السياسية، من خلال مشاركتها فى قتل المثقفين المنشقين والإصلاحيين ابتداءاً من خريف عام 1998، (وقد استمر ذلك حتى ربيع 2000). وقامت القيادة العليا لقوات الأمن والقوات المسلحة بدعم المحافظين المنافسين للرئيس محمد خاتمي، من خلال تلك الأعمال. وقد أثار ذلك التطور شكوكاً ليس فقط حول مستقبل حركة الإصلاح، وإنما أيضاً حول تأثير تنامى تسييس القوات المسلحة على قواعد انضباطها وفعاليتها. وفى ظل رئاسة محمود أحمدى نجاد، تسارع صعود أولئك المتشددين [إلى مراكز أعلى] فى صفوف قوات الأمن. وكعضو سابق فى الحرس الثورى الإيراني، كان أحمدى نجاد دليل على تنامى قوة النخبة المؤلفة فى معظمها من قدامى المحاربين فى "فيلق الحرس الثورى الإيراني"، الذين يشكلون الأغلبية العظمى من مجلس الوزراء واكثر من ثلث البرلمان الحالي، والذين استفادوا من توسع "فيلق الحرس الثورى الإيراني" إلى أدوار غير تقليدية فى قطاع الأعمال والصناعة. وفى ظل حكم أحمدى نجاد، برز "فيلق الحرس الثورى الإيراني" -- من خلال أعضائه الحاليين والسابقين -- باعتباره الدعامة الرئيسية للنظام. وتشكل الاحتجاجات التى أعقبت الانتخابات الرئاسية لعام 2009، أخطر تحد لشرعية قيام الجمهورية الإسلامية. فقد كشفت عن ترتيبات تنظيمية جديدة لمواجهة الاضطرابات الداخلية بحيث تثير تساؤلات حول ما إذا كان استخدام القوة لقمع احتجاجات مناهضة للنظام، ستؤدى إلى حدوث اضطرابات فى صفوفه، وإشعال أزمة جديدة فى العلاقات بين المدنيين والعسكريين. وتظهر لقطات تلفزيونية وأفلام عن الاحتجاجات التى حدثت، بأن ميليشيا "الباسيج" هى الرائدة هذه المرة فى التعامل مع الاضطرابات، بينما تقوم "قوات إنفاذ القانون" بدور داعم. ولا تزال وحدات "فيلق الحرس الثورى الإيراني" غير ملتزمة [بالقيام بمثل هذه الأعمال]. ويتسق ذلك مع تنامى الدور المنوط لميليشيا "الباسيج" منذ عام 2003 باعتبارها خط الدفاع الأول ضد محاولات محتملة تقوم بها الولاياتالمتحدة لتغيير النظام -- سواء عن طريق الغزو أو القيام بثورة ملونة. ومع ذلك، فمن غير الواضح، بأن هذه الثقة الجلية فى ميليشيا "الباسيج" لها ما يبررها. وفى حين [تعتبر] قاعدة التجنيد التابعة لميليشيا "الباسيج" أضيق من نظيرتها فى "فيلق الحرس الثورى الإسلامي" (التى تعتمد على المجندين من جميع قطاعات المجتمع الإيراني)، إلا أنها [بالتالي] قوة من المتطوعين، ينضم الكثير منهم إليها لأسباب انتهازية –للحصول على صك كأجر عمل، كمنحة دراسية، أو للحصول على القليل من السلطة. وفى حين قد يمر [مجندو] ميليشيا "الباسيج" بفحص دقيق أكثر من غيرهم فى المنظمات الجماعية الأخرى (نظراً لدور رجال الدين المحليين والمساجد المحلية فى عملية التجنيد)، من الصعب الاعتقاد بأن عضويتهم هى بمنأى عن القوى السياسية الأوسع التى تعمل اليوم فى المجتمع الإيراني. وتبعاً لذلك، قد تواجه بعض الوحدات حالات فرار كبيرة من الخدمة، إذا تم استخدامها لقمع الإحتجاجات بصورة عنيفة. لقد تجنبت الحكومة، حتى الآن، [الدخول في] مواجهة رئيسية مع المعارضة، واكتفت بمضايقة المتظاهرين واحتجاز أو اعتقال منظمى المعارضة وسياسيين إصلاحيين بارزين. غير أن هذا النهج لم ينجح فى تباطؤ زخم احتجاجات المعارضة. ونتيجة ذلك، قد يميل النظام إلى استعمال المزيد من العنف، فى محاولة لسحق المعارضة. وكثيراً ما تقوم إيران بمفاجأة [المتتبعين لأحداثها]- حتى أولئك الذين هم أكثر المراقبين المخضرمين- بأنه من المستحيل التنبؤ بما سيحدث [فيما إذا وقع] اشتباك عنيف بين النظام والمعارضة. وسيتوقف الكثير على الأسئلة التالية: أى من قوات الأمن سيختارها النظام [للقيام بأعمال القمع] (ميليشيا "الباسيج" المدعومة من قبل "قوات إنفاذ القانون"، أم "فيلق الحرس الثورى الإيراني" أيضاً)، وكيف سيختار نشرها (مواجهة المحتجين من خلال استعراض ضخم للقوة مع التركيز على استخدام العنف بصورة محدودة نسبياً، أو نشر أعداد هائلة [من القوات]، واستخدام العنف بصورة مفرطة)، وبأى درجة من المهارة تستطيع المعارضة تشجيع الإنشقاق فى صفوف قوات الأمن والفرار منها. ومع ذلك، قد يكون القيام بحملة عنيفة، حتى لو كانت ناجحة (كما يبدو من المرجح)، هو مرحلة افتتاح لصراع طويل ومرير، مع آثار بعيدة المدى على تماسك قوات الأمن واستقرار النظام على المدى البعيد. * مايكل آيزنشتات مدير برنامج الدراسات الأمنية والعسكرية فى معهد واشنطن