الدكتور أسامة الأزهري يعلن إطلاق منصة وزارة الأوقاف الرقمية الجديدة    مدير تعليم الفيوم يشهد فعاليات النشاط الصيفي بمدرسة فاطمة الزهراء الإعدادية    إزالة 7441 حالة تعدٍ خلال أسبوع    ميناء السخنة يستقبل سفينة تغويز عملاقة وينجز 3 عمليات بحرية استراتيجية خلال أسبوع    وزير الإسكان يبحث التعاون مع شركة «Guardian Glass» العالمية    السفارة الأمريكية في إسرائيل: نعمل على إجلاء المواطنين الأمريكيين الراغبين في المغادرة    الرئيس الصيني: يحيط بإيران 20 قاعدة أمريكية بينما يحيط بنا 300    مصادر طبية فلسطينية: 57 شهيدًا بنيران الاحتلال في قطاع غزة منذ فجر اليوم    أستاذ علوم سياسية: إسرائيل تمارس «هندسة إبادة جماعية» بحق الفلسطينيين وسط صمت دولي    ليفربول يجدد عقد حارسه جاروس ويُعيره إلى أياكس لموسم واحد    مانشستر سيتي يتقدم على الوداد في الشوط الأول بمونديال الأندية    بعد شائعات الخلاف مع ميدو.. عبد الواحد السيد يكشف ل"أهل مصر" كواليس طلبه الحصول على إبراء ذمة مالية    مصرع مواطن وإصابة آخر في حريق بسوهاج    قرار قضائي بشأن محاكمة 43 متهمًا في "حزب الاستقلال" الإرهابي    «مصر ترسم وتقرأ» تكريم الفائزين بالمسابقة فى السامر    فيروز مكي عن تصاعد المواجهة بين إيران وإسرائيل: هل اقتربت حرب كسر العظام؟    مينا مسعود يروج لحلقته مع منى الشاذلي بعد عرض فيلمه «في عز الضهر» (مواعيد وقنوات العرض)    من الطفولة للحظات الأخيرة قبل الانهيار.. نور الشريف يتصدر الترند بسبب المنزل الذي نشأ فيه    تعرف على سبب بكاء يسرا في أحدث ظهور لها (صور وفيديو)    خالد الجندي يوضح الفرق بين قول "بإذن الله" و"إن شاء الله"    مفتاح أسوان ل «مجدى يعقوب»    بعد الإقلاع عن التدخين- إليك طرق تنظيف الرئتين من النيكوتين    استقرار الأسهم الأمريكية قبل إعلان قرار مجلس الاحتياط    نقيب المحامين يحذر حكومة الانقلاب : «الرسوم القضائية» غير قانونية وتمثل عبئًا غير محتمل على المواطنين    مشروعات تعليمية جديدة في قويسنا ومنوف لدعم المنظومة التعليمية    انطلاق تصوير مسلسل "ما تراه ليس كما يبدو" خلال الأيام المقبلة    بيراميدز يقترب من خطف صفقة الأهلي والزمالك (تفاصيل)    جيهان مديح: مصر ستظل دائمًا القادرة على جمع الصف العربي والإسلامي    قبول دفعة جديدة من المجندين بالقوات المسلحة مرحلة أكتوبر2025    مصطفى يونس يهاجم ريبيرو بسبب زيزو.. ماذا قال؟    سقوط ديلر مخدرات شبرا الخيمة في قبضة مباحث القليوبية    الإعدام لربة منزل لاتهامها بقتل أم ونجلها بالقليوبية    ضبط 15 ألف عبوة مواد غذائية غير صالحة للاستهلاك الآدمي بكفر الشيخ    لتصوير السيدات داخل دورة المياه.. القبض على عامل بكافيه في الدقي    منتخب مصر يفوز على السعودية في افتتاح بطولة العالم لشباب اليد    محافظ الأقصر يتفقد المرحلة السابعة من مشروع «سترة» بعد تسليمه للمستفيدين    ملتقى القضايا المعاصرة بالجامع الأزهر: الأمة اليوم أحوج ما تكون إلى استعادة تماسكها وتوحيد كلمتها    حصريا ولأول مرة.. قناة النيل للأخبار في هيئة الرقابة النووية المصرية    تعرف علي ضوابط إصدار تراخيص إنشاء المواقع الإلكترونية    مدينة الدواء تطلق الموجة الثانية من برنامج Partners في الزقازيق    لأصحاب برج الأسد.. اعرف حظك في النصف الثاني من يونيو 2025    البورصة المصرية تربح 1.2 مليار جنيه في ختام تعاملات الأربعاء    تقديم خدمات طيبة علاجية مجانية ل 189 مريضا من الأولى بالرعاية بالشرقية    ضبط 79 مخالفة تموينية متنوعة خلال حملات مكثفة على الأسواق بالفيوم    حماة الوطن: منفتحون على التحالف مع غيرنا من الأحزاب    فليك يجتمع مع شتيجن لحسم مصيره مع برشلونة    ما حكم الصلاة الجهرية بالقراءات الشاذة؟.. الإفتاء تجيب    خبيرة الطاقة: «الساعة الذهبية قبل مغرب الجمعة» طاقة روحانية سامية    حكم ضمان ما تلف فى يد الوكيل من أمانة.. دار الإفتاء تجيب    الأمم المتحدة تدين إطلاق النار على مدنيين يبحثون عن الطعام في غزة    بعد الموافقة النهائية من «الإسكان».. تفاصيل عقود الإيجارات القديمة التي تطبق عليها التعديلات    الصحة: إصدار أكثر من 18 مليون قرار علاج على نفقة الدولة خلال 5 سنوات    الأرصاد تكشف عن ارتفاع درجات الحرارة ابتداء من الجمعة    وكيل لاعبين: الزمالك أهدر 300 مليون جنيه من صفقة انتقال "زيزو" ل نيوم السعودي    تراجع تاريخى.. أسعار الرحلات بين أوروبا وأمريكا تصل لأدنى مستوياتها    كاد يكلف صنداونز هدفا.. تطبيق قانون ال8 ثوان لأول مرة بكأس العالم للأندية (صورة)    ترامب يختتم اجتماعه بفريق الأمن القومي الأمريكي وسط تصاعد الصراع بين إسرائيل وإيران    أطفال الغربية تتوافد لقصر ثقافة الطفل بطنطا للمشاركة في الأنشطة الصيفية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السياسة والزبالة!.. ل مأمون فندي - الشرق الاوسط اللندنية
نشر في مصر الجديدة يوم 11 - 10 - 2009

الأنظمة تشبه شوارعها، فإذا رأيت شوارع نظيفة وحمامات عامة نظيفة، فتأكد أنك في بلد ديموقراطي يعج بالحياة السياسية والاهتمام بالشأن العام، في حين إذا رأيت شوارع متسخة وأكوام قمامة وحمامات عامة تجعلك تفرغ ما في بطنك من الغثيان، فأنت بكل تأكيد أمام نظام ديكتاتوري أو في مجتمع ماتت فيه السياسة بمعنى موت اهتمام الناس بالشأن العام. الزبالة في أي بلد هي «ترمومتر» السياسة، فالحياة مجالان، المجال الخاص الذي يشمل أمورنا الشخصية وبيوتنا، والمجال العام الذي يشمل الأمور العامة للوطن وشوارعنا وحدائقنا. لدى معظم البشر لا شك أن المجال الخاص غالبا ما يكون نظيفا، فالناس يهتمون بنظافة أنفسهم وملابسهم وبيوتهم ويرون في ذلك مصلحة لهم، أما المجال العام ونظافته فهو أمر يختلف من بلد إلى آخر ويعكس طبيعة النظامين السياسي والثقافي لدى المجتمع والدولة. ففي الدول الديموقراطية تكون هناك حالة من التماهي بين العام والخاص، أي إذا دخلت البيوت وجدتها نظيفة، وإن مشيت في الشوارع كانت نظيفة أيضا. أما في الدول الديكتاتورية فيكون البيت نظيفا ومحافظا على أنواره وزينته، بينما يكون الشارع متسخا ومليئا بالقمامة ويسرق فيه الناس لمبات أعمدة الإنارة أو يكسرونها، فهناك حالة من العزلة بين المواطن والوطن، المواطن يريد بيته نظيفا، لأن الأمر يخصه ولا يكترث بوطنه إن كان قذرا لأنه شأن لا يخصه بل يخص النظام الديكتاتوري فقط والذي هو ضده أصلا. هناك الدول «النص نص» التي لا هي ديكتاتورية ولا هي ديموقراطية، في هذه البلدان يكون البيت نصف نظافة والشارع نصف نظافة أيضا، نوع جديد من الأنظمة اصطلح عليه بالأنظمة التسلطية، أو شبه التسلطية، يكون البيت فيها غير نظيف تماما لأن النظام الأبوي يخلق عند الأطفال حالة من الاهتمام المؤقت، اهتمام بنظافة البيت في وجود الأب، وخلق فوضى في البيت لحظة غيابه. شيء أشبه بوجود البوليس في الشارع وعلاقته بالنظام، والفوضى التي تسيطر لحظة اختفائه، ولو كان مجرد اختفاء مؤقت لتناول وجبة غذاء. النظرية هنا هي أنه يمكننا تصنيف المجتمعات والدول وعلاقة المجتمع بالدولة في معادلة السياسة والزبالة.
وجود زبالة في الشارع يعني أنه لا اهتمام بالسياسة، لأن المجال العام أصبح مقلبا للنفايات، النفايات بأنواعها المختلفة، النفايات المادية ونفايات القول وقبيحه، وكما تسمع كركبة الصفيح في مقلب الزبالة تسمع كركبة نفايات القول والصياح والشتائم في المجال السياسي. اتساخ الشارع واتساخ المراحيض العامة ووسائل المواصلات يعني أنك في مجال سياسي يعاني من حالة انسداد حادة ويحتاج إلى سباكة جادة وربما يحتاج إلى تغيير المواسير كلها. هذه العلاقة بين (العام) و(الخاص) مضطربة حتى في عمران مبانينا. ففي معمار الواجهة في دول ما بعد الاستعمار، نلحظ ما يمكن تسميته بمعمار الزيف أي معمار الواجهات الذي يعنى ويزين واجهة المنزل ويترك داخله خربا، عمران فساد وزيف لا عمران اتساق. وبذا يفرز هذا المعمار منظومة قيمية تؤكد المظهر لا المخبر، إذ تقول: «نام معرش ولا تنام مكرش»، أي أنه يجب علينا أن نعطي الإيحاء بأننا نملك قوتنا وأكثر، وليس بالضرورة أن يكون هذا صادقا.. فالإيحاء بالغنى أهم من الغنى نفسه، ويذكر بعضهم الكثير من الأمثال الشعبية الأخرى مثل «من بره هالله هالله، ومن جوه يعلم الله». ويمتد هذا النوع من المعمار ليشمل قيما أساسية وكثيرا من السلوكيات التي نراها يوميا، مثل أن يستدين بعضهم ليمتلك السيارة التي تعطي الإيحاء بالقوة والسطوة والجاه، حتى لو لم يكن يملك الكثير من أدوات الإنفاق على هذه السيارة.
آباؤنا وأمهاتنا في القرى كانوا يحذروننا من زيف المدن وزخرفتها، لأن الزخارف في نظرهم هي محاولات احتيال لتمرير الكذب والخداع. فهناك كثير من البيوت التي تعتمد على أن تكون الواجهة جميلة، ولكن الداخل لا يحظى بالاهتمام نفسه. وحتى في داخل الشقة نفسها تجد اهتماما بحجرة الاستقبال فهي شديدة الأناقة، ثم ما إن تستأذن لدخول الحمام حتى ترى عالما آخر من قلة النظافة وغياب الترتيبات نفسها. هذا النموذج معكوس في الحالتين الأوروبية واليابانية، حيث يكون الاهتمام عاديا بحجرة الاستقبال، بينما تنصب كل مجهودات النظافة على الحمام. معمار الفساد (façade)، وإن شئت سمه فسادا، وهي كلمة إنكليزية تنطق بالطريقة نفسها، هو معمار يؤكد على الكذب أو ربما يشجعه، ويمكن ملاحظة ذلك أيضا في معمار الدهاليز ومعمار التخفي، معمار الحرملك والمشربيات التي على الرغم من جماليتها، فإنها معمار كتمان وسرية.
في مصر، وهي أكبر بلد عربي، يدور اليوم حديث ساخن حول القمامة التي ملأت الشوارع في عديد من المحافظات، لكنه حديث مفكك لا يربط بين الأشياء وبعضها البعض، فهم يتحدثون عن الزبالة وكأنها شيء منفصل عن السياسة، رغم أن أساس السياسة هو فهم معنى المجال العام أو مساحات الاهتمام المشترك بين المواطنين. فإذا رضي الإنسان بأن يكون المجال السياسي مقلب قمامة فيجب ألا يتذمر عندما يكون الميدان العام كذلك. قرأت وشاهدت في مصر كيف أن هناك وزارات وإدارات حكومية تستجلب شركات أجنبية لتنظيف الشوارع والمكاتب، أي أن (الأجنبي) هو من يدير لنا المجال العام ويتحكم بنظافته، إذا كان هذا هو الحال في عالم الزبالة فلماذا نضجر يا ترى عندما يكون الحال كذلك في السياسة؟ أي إذا كانت دولنا ما زالت تحتاج إلى شركات أجنبية للنظافة، فما معنى ما حققناه من استقلال ما دمنا غير قادرين على تنظيف شوارعنا؟ ولا ننسى أن هناك دول عظمى تنظف نفسها على حساب دول مستضعفة، وخصوصا تلك الدول التي تستخدم دولا أخرى كمرحاض لكب النفايات النووية، المطلوب من الدول النووية فيما يخص علاقة السياسة الدولية بالزبالة أن تكون لها القدرة على بناء مراحيضها الخاصة وألا تقضي حاجتها في فضاءات الآخرين. الزبالة والسياسة، كما ترى عزيزي القارئ، معادلة معقدة، فبعض الدول الديموقراطية النووية تمارس النظافة داخل الدولة ولا تمارسها في عالم العلاقات الدولية. لكن مقال اليوم يركز على همنا نحن، وعلاقة الزبالة والسياسة في ثقافتنا وسياساتنا.
إن الحديث عن الزبالة والسياسة في بلداننا هو حديث عن صلب السياسة، ولكن في المجتمعات المغلقة يصبح الحديث تلميحا لا تصريحا، فبدلا من الحديث عن سياسة ملوثة ومتسخة تجدنا نتحدث عن الزبالة وكأنها أمر منفصل، الحقيقة هي أن الأمرين ملتصقان، وأن السياسة في معظم الأحيان أقرب إلى الزبالة منها إلى النظافة. إذن المعركة الدائرة في بر مصر حول الزبالة هي في جوهرها معركة سياسية بامتياز، ولمن يرى غير ذلك حق الرد على الفكرة لا على الشخص.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.