على مدار ساعتين فى منزله بالأسكندرية التقت "مصر الجديدة" المستشار محمود الخضيرى نائب رئيس محكمة النقض (المستقيل) .. وخلال الساعتين تطرق الخضيرى للعديد من القضايا والموضوعات وحتى المشاعر. بدأها بقصة حبه للإسكندرية وكيف أنه لا يستطيع أن يعيش فى مكان آخر بعيدا عنها رغم أنه فى الأصل صعيدى ، وحكى كيف أنه شعر باحتقاره لنفسه عندما لم يتم اعتقاله عام 1980 ضمن المجموعة التى قام السادات باعتقالها فيما عرف وقتها بأحداث سبتمبر والتى ضمت رموز الوطن .. كاشفا عن شعوره بالندم كلما رأى أو سمع أو قرأ موضوعا عن الراحل عبدالوهاب المسيرى لأنه لم يقابله أثناء حياته ويتقرب منه ليتعرف على عبقريته بصورة أفضل وينهل من علمه الغزير. ومتطرقا إلى أسباب استقالته وعلاقته بالإخوان وفرص الإصلاح السياسى والانتخابات والتوريث وموضوعات أخرى مهمة. - لماذا تقدمت باستقالتك ولم يكن باقيا لك سوى فترة قصيرة للخروج على المعاش؟ * استقالتى ليست وليدة اللحظة ولم تأت بصورة مفاجأة سوى للناس فقط لأننى أفكر فيها طوال أكثر من عام مضى ولولا ضغوط زملائى طوال هذه الفترة لكنت قد تقدمت بها منذ أكثر من عام. - وهل كانت هناك أسبابا قويا دفعتك للتفكير فى الاستقالة؟ * بالتأكيد.. كانت هناك عوامل شخصية وأخرى عامة فأنا قد وصلت بالفعل لمرحلة من الملل بعد نحو 46 عاما فى السلك القضائى كما أن الأحوال التى يمر بها القضاء الآن أسوأ من أى مرحلة مر بها طوال تاريخه. - وماهى أهم ملامح هذه المرحلة؟ * أهم ملامحها هى تلك المحاولات المستمرة التى تقوم بها السلطة التنفيذية للسيطرة على السلطة القضائية وعدم احترام الحكومة لتنفيذ أحكام القضاء إلى جانب محاولة الحكومة أيضا لإغراء بعض القضاة بالمال ومد الخدمة لما بعد ال 65 سنه من أجل تنفيذ ما يخالف الدستور والقانون والدين أيضا.. أنها مرحلة أسوأ من مرحلة "مذبحة القضاة" التى مر بها القضاء من قبل. - كيف كان رد فعل السلطة التنفيذية على استقالتك؟ * وزيرالعدل فرح بها جدا وكانت بالنسبة له انتصارا كبيرا لأننى كنت أحد الأشخاص غير المرغوب فيهم لديه ، فبعد أن قدمت الاستقالة لرئيس محكمة النقض فى منتصف سبتمبر طلبت منه ألا يرفعها للوزير قبل أول أكتوبر لإننى فى إجازة أصلا حتى نهاية الشهر لكن يبدو أن خبر الاستقالة انتشر حتى وصل إلى الوزير فأسرع بطلبها من رئيس المحكمة للموافقة عليها وتم ذلك بالفعل يوم 24 سبتمبرالماضى. - وما تفسيرك لسرعة قبول وزير العدل لاستقالتك؟ * التفسير أنه أراد أن يتخلص من أحد الذين يطالبون دوما باستقلالية القضاء. - وهل الوزير لا يؤمن باستقلالية القضاء؟ * إطلاقا.. ممدوح مرعى لا يؤمن بما يسمى بإستقلال القضاء ويرى نفسه مجرد موظف عند الحكومة ويريد من جموع القضاة أن يحذون حذوه. - إذن هناك تدخل من الحكومة فى الأحكام القضائية؟ *طبعا.. وهناك قضاة مشبوهين تعتمد عليهم الحكومة فى اصدارالأحكام التى تراها فى بعض القضايا المهمة لها وأيضا فى الإشراف على الانتخابات. - وكيف يتم هذا التدخل؟ * التدخل لا يكون كما يتصوره البعض من خلال الاتصال بالقاضى تليفونيا قبل إصدار الحكم، لكنه يكون قبل ذلك عن طريق تشكيل دائرة خاصة من القضاة المنبطحين وعرض القضية أمامها وهم يعرفون دورهم جيدا بعد ذلك . - الدوائرالقضائية يتم تشكيلها قبل بداية العام القضائى.. فكيف يتم تشكيل دائرة خاصة أثناء انعقاده؟. * ما تقوله صحيح فى دول المؤسسات.. أما فى مصر ممكن الحكومة تشكل دائرة قضائية كل ربع ساعة. - تردد أن المستشار محمد عزت العشماوى تم قتله بسبب إصداره حكم قاس فى إحدى القضايا الخاصة بأحد رجال الحزب الوطنى ..ما تعليقك؟ * بعد فترة صمت قال: " الله أعلم" - كيف يمكن إجراء إصلاح سياسى حقيقى فى مصر..من وجهة نظرك؟ * البداية لابد أن تكون من خلال انتخابات حرة نزيهة يعبر فيها المواطن عن رأيه ويختار من يمثله بإرادته الحرة. - وهل ترى أن إجراء انتخابات حرة أمر صعب؟ * فى ظل الأوضاع الحالية من المستحيل إجراء انتخابات نزيهة مهما وضعت الحكومة من ضمانات لأنها فى النهاية ضمانات شكلية. - الرقابة الدولية على الانتخابات.. ما رأيك فيها؟ *ربما تكون هى الطريق الوحيد لضمان نزاهة الانتخابات وغير ذلك يعد هراء لا قيمة له. - والتعديلات الدستورية الأخيرة..كيف رأيتها؟ * كارثة.. أعادت البلاد إلى الوراء لأنها كرست الديكتاتورية وحكم الفرد وصادرت حرية الشعب. - لكن مجلس الشعب وافق عليها؟ * تقصد مجلس الحزب الوطنى هو الذى وافق عليها، لأنه لا يمكن لشخص عاقل أن يوافق على تقييد حريته. - بالمناسبة.. ما رأيك فى قانون كوتة المرأة الذى أقره مجلس الشعب مؤخرا؟ * قانون شكلى لا قيمة له لأن المرأة التى تستحق الوصول إلى البرلمان ليست فى حاجة إلى قانون كوتة أو غيره لأن الناس سوف يؤيدونها ويقفون خلفها.. إن الحزب الوطنى أراد من خلال هذا القانون كسب مزيد من المقاعد البرلمانية داخل المجلس بصرف النظر عن تداعياته التى سوف تؤدى إلى تشرذم المجتمع لأن كل فئة سوف تطالب بأن يكون لها كوتة هى الأخرى. - وما هو أفضل نظام انتخابى من وجهة نظرك؟ * أفضل نظام انتخابى هو النظام الذى يختار فيه المواطن من يمثله بإرادته الحرة بصرف النظر عن مسمى هذا النظام سواء كان بالقائمة أو الفردى أو الزوجى. - هل تتذكر شهادة المستشارة نهى الزينى التى فضحت فيها عمليات التزوير فى الانتخابات البرلمانية الماضية فى 2005؟ * طبعا.. من يستطيع أن ينسى هذه الشهادة وعلى فكرة هناك أحكام صدرت من محكمة النقض بإدانة 5 قضاة بتزوير الانتخابات الماضية. - وأين هم الآن؟ * يواصلون عملهم على المنصة.. ويستعدون للإشراف على الانتخابات البرلمانية القادمة وأتوقع أن يتم المد لهم لما بعد ال 65 سنة. - هل لك علاقة بجماعة الإخوان المسلمين؟. * البعض اتهمنى بأننى أنتمى إليهم ، وهذا غير حقيقى لأنه لا يربطنى بالجماعة أى رابط من قريب أو بعيد. - هل توافق على أن يتولى الإخوان الحكم؟ * لا مانع طالما هذه هى إرادة الشعب وطالما يملكون الأغلبية الحقيقية. - طالبت بعض القوى السياسية بمقاطعة الانتخابات البرلمانية القادمة فهل توافق ؟ * لا أوافق على مقاطعة الانتخابات، لأنه سيكون هناك من يصوّت للمواطنين الغائبين وبالتالى لن تجدى عملية المقاطعة بل ستعطى الفرصة للحكومة للتزوير دون أدنى رقابة شعبية،إن عملية المقاطعة تجدى فقط فى الدول الديمقراطية أما فى مصر فلو قاطع الشعب كله الانتخابات فالنتيجة أيضا ستكون 99% لصالح الحزب الوطنى. - هل ترى أن توريث الحكم فى مصر أمر وارد؟ * نعم وأتوقع وراثة جمال مبارك للحكم، فعلى الرغم من عمليات التموية التى يقوم بها الحزب الوطنى ومعه الحكومة على هذا الموضوع، إلا أن كل الدلائل تشيرإلى أن جمال مبارك هو الرئيس القادم. - تم ترشيحك لرئاسة المحاكمة الشعبية لمحاكمة مصدرى الغاز لإسرائيل لماذا قبلت؟ * قبلت رئاسة المحاكمة الشعبية من أجل كشف الفساد والمفسدين الذين يتلاعبون بمصالح الوطن وحقوق الشعب وما أعظم أن يقول الإنسان كلمة حق وسط مجتمع ظالم. - كيف ترى المستقبل السياسى فى مصر؟ * مستقبل مظلم ومخيف. - وما الحل من وجهة نظرك؟ * الحل أن تتكاتف كل القوى السياسية والوطنية وأن ينكر كل فرد ذاته وأن يتعاون الجميع يدا واحدة من أجل التغيير حتى إن اضطررنا لدفع ثمنا باهظا فى سبيل تحقيق هذا الهدف، فالحرية والكرامة والديمقراطية لبلدنا وأبنائنا وأحفادنا لا تقدر بثمن وتستحق منا بذل الكثير والكثير. المستشار الخضيرى مع الزميل محمد جعفر