يُحَذرون من خطورة استمرار إسرائيل فى الاستيطان، ويقْلقون من توسعها فيه، يُدِينُون بناء السور العازل ويفزَعون من عمليات الحفر أسفل المسجد الأقصى، يُصوتُون ضد حصار غزة والاعتداء على أهلها، ويشجبون محاولات إسرائيل ضم باب المغاربة، والحرم الإبراهيمى فى الخليل، ومسجد بلال فى بيت لحم، يؤيدون عودة إسرائيل إلى حدود 1967، من ناحية أخرى تعلن إسرائيل تمسكها بكل ذلك وبأن القدس الموحدة عاصمة لها، وتصر على الحصول على اعتراف بيهودية كيانها وعنصريته، وتقول إنها تقبل بإعلان دولة للفلسطينيين على بعض أراضى فلسطين وليس على حدود 1967، شريطة أن تكون منزوعة السلاح و........ و........و..... و...، تريد إسرائيل أن تقيم فى فلسطين شيئاً أقرب إلى «العُمُودية» كما فى قرانا المصرية، مع اختلاف بسيط، فهى ليس لديها مانع من أن ينتخب الفلسطينيون عمدتهم، أو يختاروا شيخ بلدتهم. استطاعت إسرائيل التعايش، والتقدم، والسبق أحياناً فى ظل التحذير، والشجب، والرفض، والقلق، والغضب، والإدانة، من العرب ومن دول العالم، فما الداعى الذى يجعلها تسعى بجِد فى المفاوضات نحو الوصول لحل! طالما أنها تحقق ما تريد مع مرور الوقت، على الرغم من الشجب واللوم والإدانات، اعتادت أن تتعرض لكل هذا اللوم دون أن تتأثر خطاها من قريب أو بعيد، لسان حالها يقول: «دع الزمن يمضى، دع الوقت يمر»، فمع مروره، سوف ينسى العالم أفعالها، ويستقر لها الوضع. الظاهر أن إسرائيل ليست لديها رغبة حقيقية فى الوصول إلى حل سريع مع الفلسطينيين، وأعتقد أن المسألة سوف تحتاج منها إلى عشرة أعوام على الأقل قبل اقتناعها بأن الوقت صار مناسباً للقبول بحل.... أما إذا أراد الفلسطينيون أن يضطروها إلى الإسراع فى مفاوضات جادة تهدف إلى إنهاء المشكلة نهاية شبه عادلة، فأنا أعتقد أن عليهم أن يوحدوا صفوفهم، ويعلنوا قيام دولتهم على حدود عام 1967، يعلنوها حتى لو ظلت بعض أراضيهم محتلة، ولا شك أن بلاداً كثيرة سوف تعترف بدولتهم لعدالة قضيتهم، وبهذا الاعتراف سوف يحرمون إسرائيل الاستفادة المرجوة من التسويف فى حل القضية، وسوف تكون إسرائيل ساعتها مستعدة للتخلى عن بعض مواقفها العنصرية المتشددة، فقيام دولة فلسطين الآن على حدود 1967، طبقاً لكل القرارات الدولية، سوف يفقد إسرائيل الاستفادة من عنصر المماطلة والإطالة، الذى ربما كانت تراهن عليه فى إخماد جذوة المقاومة لدى الفلسطينيين، وإضعاف روح الانتماء مع الوقت– لدى اللاجئين منهم فى شتات الأرض، وإعلان الدولة بحدودها عام 1967 - بلا شك - سوف يجعل الفلسطينيين فى موقف أقوى فى المفاوضات مع إسرائيل، فإذا رأت دولة فلسطين بعد ذلك أنه من صالحها الموافقة على المبادلة ببعض الأراضى، أو التنازل عن حقوق لاجئى 1948 فى العودة، مقابل تعويضات عادلة، فى سبيل الوصول إلى سلام دائم فى المنطقة... فلا بأس، أما القدس، فهذا ليس شأن دولة فلسطين وحدها، ولكنه شأن كل العرب، ولا أظن أن هناك دولة عربية سوف تقبل بالتفريط فى القدس، أو قبة الصخرة، أو المسجد الأقصى.