دراسة حديثة أصدرها مركز البحوث الجنائية والاجتماعية أكدت علي أن معدلات التحرش الجنسي الرسمية في مصر بلغت 30 ألف حالة كل عام، أما الإحصائيات غير الرسمية فتشير إلي أكثر من هذا العدد، وهو ما أتفق علية علماء الاجتماع والنفس خاصةً في أوقات المواسم والأعياد. مؤكدين علي أن التحرش ظاهرةً جديدةً على المجتمع المصري، ولكنها تفاقمت بشكل ملفت. وهو الأمر الذي جعل رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف الشيخ عبد الحميد الاطراش يطالب بجلد المتحرشين بالفتيات 80 جلدة في ميدان عام. تحولات كثيرة طرأت علي أساليب التحرشات الجنسية في مصر، فبدلا من استخدام الكلمات المعسولة، والمشي وراء البنات، إلي أساليب غاية الوحشية، معارك بالأسلحة البيضاء في المتنزهات، وتهديد الفتيات بالسلاح الأبيض، والاختطاف. "مصر الجديدة" رصدت الظاهرة في السطور التالية.. الدكتور إلهامي عبد العزيز، رئيس قسم علم النفس بجامعة عين شمس أشار إلي أن هناك سلوكيات سلبية في المجتمع لابد أن ننظر اليها بنوع من الشفافية حتي نستطيع أن نحصر مدى ما وصل إليه الانهيار الأخلاقي في المجتمع المصري. وأكد عبد العزيز علي أن غياب القوي الأمنية في فترات المواسم ينذر بكارثة كبرى للشباب المصريين، وأن العشوائيات وما يحدث بها من شذوذ أخلاقي ومستوي أجتماعي متدني أدي إلي ما وصلنا إليه الآن. فيما أشارت الدكتورة جيهان النحاس، أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس "إننا في فترة حرجة يعيشها المجتمع، فكل من حولنا يتحرش بالفتيات سوء تحرش ملموس أو بألفاظ بذيئة لافتة أن اللجوء للقضاء في بعض الأحيان لن يثمر بنتائج مبهجة" . ونوهت إلي أن الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها الطبقة المتوسطة وأيضا الطبقة التي تعيش تحت خط الفقر هو ما يولد هذه السلوكيات التي أصبحت من سمات الشباب المصري وهذا ما أصبحنا عليه. وأضافت النحاس أن التحرش الجنسي والذي أصبح في حالاته المتزايدة بدء يعالج بطرق غير مشروعة بدلا من أن يلجأ الأهالي المتضررين من ذلك للقضاء وأخذ حقوقهم بالقانون، وأصبح الامر مختلف هو اللجوء لطرق غير شرعية لكي تستعيد الفتاة عذريتها من جديد. وأكدت علي أن هذا خطاء فادح لابد من ردعة بطرق قانونية، وأن 3 سنوات عقوبة للشاب الذي يقدم علي هذا الفعل الشنيع يعتبر أمر بسيط فلابد من تزايد العقوبة وفي المقابل العمل علي مساعدة هولاء الشباب علي الحصول علي عمل لكي يتجنبوا تكرار هذه الأفعال. وأشار الدكتور أنور عطية، أستاذ علم الاجتماع بجامعة المنصورة إلي أن مشكلة التحرُّش والمعاكسات موجودة منذ قديم الزمن، وليست جديدة، ولكن الجديد هو تحوِّلها إلى ظاهرة، وإنتشارها وظهور ما يسمَّى ب"التحرُّش الجماعي" وأيضًا إهتمام الإعلام بها، ووجود صور للمتحرشين، فأصبح الناس يتحدثون عنها، بعد أن كانوا يكتمون ويتسترون على القضية،بسبب زيادتها وانتشارها. وأضاف أن الحل يكمن في تضافر جهود الحكومة ومنظَّمات المجتمع المدني، وعلماء الدين والجهات الأمنية لإصلاح أوضاع المجتمع المصري قبل الانهيار التام الذي سيحدث حتمًا لو لم نمسك بزمام الأمر. ونوه عطية "أن انحطاط القيم والأخلاق والانهيار الحقيقي للمجتمع المصري من الأسباب الرئيسية التي أدَّت إلى ما نراه من ظواهر متعددة، ولكن كلها تدل على أن المجتمع المصري في خطر، فالمجتمع أصبح "مجتمع يبحث عن الشهوة"، ولا يتحكم فيه قانون العيب والحرام، بل قانون المصلحة، فالكل يبحث عن ما يشبع رغباته بغض النظر عن الطريقة والنتائج، مما جعل الشباب يتوحَّش ويقوم بجرائم التحرُّش الجماعي. ومن جانبها أكدت الدكتورة سامية خضر، أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس علي أن السبب الرئيسي لتلك الظاهرة هو غياب الرقابة الاجتماعية على صغار السن، وعدم وجود رادع، فالأسرة المصرية الصغيرة في المناطق العشوائية ليست لديها إمكانية لتربية أبنائها، والأسر الكبيرة تعاني من الانشغال بالعمل علي جمع الأموال. وأوضحت أن المجتمع المصري أصبح يتمتع بدرجة عالية من السلبية في التعامل مع الإنحرافات التي تواجه المجتمع. وتابعت: "قديمًا كان الناس إذا وجدوا شابًّا أو مراهقًا يعاكس فتاة يقومون بالإجهاد عليه ومنحه "علقة سخنة"، ثم "جره" إلى قسم الشرطة ،عقابًا له على فعلته التي بالمقارنة مع حوادث التحرُّش الحالية بسيطة جدًّا، أما الآن فتجد رجلاً مفتول العضلات يمر بجوار فتاة يتحرش بها بعض المراهقين بأقبح الألفاظ والأفعال ولا يحرِّك ساكنًا فامر أصبح شئ واقع بالمجتمع". فيما أشار الدكتور المحمدي عبد الرحمن، أستاذ علوم التفسير إلي أن أهم أسباب الفساد عدم العناية بالتربية الدينية لدى الأطفال وإهمالها، لافتا لما يحدث في النظام التعليمي المصري، الذي رسَّخ في عقول الأطفال أن التدين أمر هامشي، لأن مادة التربية الدينية هامشية وليس لها أهمية كبرى، بالإضافة إلى عدم الترسيخ في عقول الأطفال أن الإسلام منهج للحياة. وأكد المحمدي أن الفتوى الذي أصدرها الشيخ عبد الحميد صارمة بعض الشئ ولكنها في غاية الأمر من الممكن أن تكون سبب في توقف هذة المهزلة، وما نراه من تدخلات أجنبية لما أقترحة وزير التربية والتعليم الدكتور زكي بدر الذي أراد أن يدخل مادة جديدة علي المناهج الدراسية وهي "مادة الثقافة الجنسية" متسألا كيف يعقل ذلك ؟وهل من الضروري أن يصل بنا الحال الي ذلك؟. مؤكدا أن المسئولية تقع على الجميع بلا إستثناء بداية من الحكومة، وانتهاءً بالأب والأم مسندا في قولة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته"، بدايةً من الحاكم حتى رب الأسرة، وكلهم محاسبون أمام الله بسبب الانهيار الخُلقي الذي تشبَّع به الشباب والمراهقون. وأشارت ملكة زرار، الداعية الإسلامية إلي أننا في مرحلة في غاية الخطورة لايستطيع أحد أن يستوعبها، فأمر التحرش الجماعي أصبح أمر عام وصريح ويحدث في الميادين العامة بدون أي حياء أخلاقي. وقالت: "إن إهمال الجانب الديني الذي اصبحت وزارة التربية والتعليم تتفادي التخاطب فيه هو السبب". وأكدت علي أن 80 جلدة لمعاقبة هولاء الوحوش ليست كافية بل لابد من قرار صارم أكثر من ذلك. وأضافت أن التحرُّش الآن ليس مثل المعاكسات القديمة، رغم أن كلها أخطاء، فالطريقة التي يتحرش بها بالبنات الآن حيوانية ووصلت إلي درجة التحرش بالسيدات الكبار في السن وليس فقط الفتيات الصغيرات.