اثار مقال الأسبوع الماضي والذي كان بعنوان "التحرش وتداعياته" ردود فعل واسعة مما يعكس الحجم الكبير للمشكلة. ويكشف عن المعاناة الشديدة التي تتعرض لها المصريات وأسرهن بسبب جرائم التحرش الجنسي والاغتصاب وأجمع معظم المعلقين علي أن عدد الجرائم المعلنة أقل بكثيرمن التي ترتكب لأن الخوف من الفضيحة الاجتماعية والإدانة المسبقة للضحية وراء الاحجام عن الابلاغ عن العديد من حوادث التحرش. والفهم المغلوط لطبيعة المرأة التي تحصرها في ركن "الجسد الذي خصص للمتعة فقط" بل ان بعض الآباء والأمهات أنفسهم يلتمسون الأعذار للجاني كما أن بعض رجال الشرطة يحملون ثقافة التماس الأعذار للجاني وإدانة الضحية أما حجم الكارثة فقد كشفتها دراسة أجرتها أستاذة القانون الجنائي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية فادية أبوشهبة عن وقوع أكثر من 52 ألف جريمة تحرش جنسي واغتصاب عام 2009 طبقا لاحصائيات وزارة الداخلية. الأمر الذي يضع مصر في المرتبة الأولي بين الدول العربية من ناحية ارتفاع معدلات الجرائم الجنسية. وتحدثت صاحبة الدراسة عن دخول فئات مهنية لم تكن موجودة من قبل في قائمة الجناة. من بينهم أطباء ورجال دين ومدرسون ورجال شرطة وهو ما ينذر بكارثة ويهدد سلامة وأمن المجتمع. واتفق المعلقون علي ضرورة تشديد العقوبة علي المتحرشين لأنها الطريق السريع والمجدي للردع. فهل يعقل أن المشرع المصري لم يتعرض لظاهرة التحرش الجنسي بالتجريم. ووضع العقوبات المناسبة لها. وكذلك لم يضع مفهوماً لها يحدد معناها وكشف اقتراحا بمشروع قانون. تم تقديمه إلي مجلس الشعب في دورته المنتهية. بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937 أن النصوص والمواد العقابية. سواء في قانون العقوبات أو التشريعات الجنائية. الحالية خلت تماما من نص يحدد مفهوم ظاهرة التحرش الجنسي ويجرمها ويؤثمها ويعاقب عليها. وحتي علي صعيد الشرع فان العقوبة غير مغلظة وكشف الدكتور محمد رأفت عثمان. عميد كلية الشريعة والقانون الأسبق في جامعة الأزهر. في تصريح نشرته شبكة "سي ان ان" العربية 5 فبراير الماضي. أن التحرش بالنساء يعد ضمن "العقوبات التعذيرية" تلك التي لم يحددها الشرع. بل ترك أمر تحديدها للحاكم والمجتمع نفسه. أما عن أسباب ظاهرة التحرش فهي متعددة منها تزايد المثيرات الجنسية في وسائل الاعلام ودور السينما وحالة الازدحام بما يسمح باختراق خصوصيات الآخرين. وكذلك انتشار حالات الاقتراب غير المحسوب بين الجنسين في الأماكن العامة والوجود غير المنضبط في بعض منها اضافة إلي العشوائيات التي تمثل بيئة أساسية لانتشار مثل هذه الظاهرة. ولكن يتصدرها من وجهة نظري أزمة البطالة في مصر التي بلغت نسبتها حوالي 10% طبقا للمعدلات الرسمية ولكنها في الحقيقة تصل إلي حوالي20% ويمثل الشباب الضحية الأكبر حيث تشير الاحصائيات إلي أن حوالي 90% من المتعطلين يقل عمرهم عن 30 عاما وذلك بسبب تراجع الحكومة عن التزامها بتعيين الخريجين منذ أكثر من 15 عاما. وبيع شركات ومؤسسات القطاع العام التي كانت تستوعب مئات الآلاف من العاملين و اختلال معايير التوظيف في الهيئات والقطاعات الحكومية واعتمادها علي الوساطة والمحسوبية والرشوة. والابتعاد عن الموضوعية مما اثار الاحباط لدي الشباب خاصة خريجي الجامعات الذين أصبح التعليم نقمة عليهم لأنهم لم يجدوا الوظيفة المناسبة وفي الوقت نفسه لم يؤهلوا لأداء وظائف أخري. لدرجة أن بعض الخريجين يتنازل عن مؤهله الجامعي ليعمل مجندا في قوات الشرطة أو الجيش. ويتحسر علي الأيام التي قضاها في المذاكرة والتعليم لأنه في النهاية يتساوي مع من يحمل شهادة محو الأمية فقط الأمر الذي أدي الي اصابة الشباب بالخلل في تصرفاته. وهذا ما دفع الدكتور أحمد عكاشة أستاذ الطب النفسي لتقديم دراسة للجنة الصحة بمجلس الشعب. حول انتشار ظاهرة الادمان بين الخريجين من الشباب. الذين أصيبوا بالاكتئاب بسبب ما يسمعونه كل يوم عن حوادث الفساد. وإهدار المال العام. تزييف القيم. وظهور فئات جديدة من المتسلقين والنفعيين. الذين أصبحوا يمتلكون كل شيء. ضاربين بالقيم الاجتماعية والمبادئ والمثل عرض الحائط. نخلص إلي أن المتحرش يأمن العقوبة بسبب الثقافة المجتمعية وبسبب ضعف العقوبات الرادعة وأن الحل الحقيقي يتمثل في حملة قومية. تشارك فيها الحكومة والمؤسسات الدينية والتربوية ومؤسسات المجتمع المدني للتوعية وإزالة الأسباب المجتمعية المتعلقة بسلوكيات الناس. وفي الوقت نفسه الاسراع باصدار قوانين خاصة بجريمة التحرش والاغتصاب تتضمن عقوبات مشددة جدا وتنفيذ برامج عملية للقضاء علي البطالة لأن توفير فرصة عمل مناسبة هي البداية الحقيقية لاستقرار الشباب. [email protected]