في عام 1986 قدم المخرج الراحل أحمد فؤاد فيلماً صادماً عنوانه «أوباش» يحكي قصة عروس تتعرض للاختطاف والاغتصاب الوحشي ليلة زفافها، والفيلم الذي قام ببطولته هالة فؤاد وميرفت أمين ويحيي الفخراني بدا آنذاك مبنياً علي المبالغة الشديدة لكنه رغم قسوته كان بالفعل ينطوي علي نبوءة. وإحدي حوادث الاغتصاب التي وقعت مؤخراً بمنطقة الهرم كانت ضحيتها فتاة كانت تستعد للزواج قريباً، وهذا الحادث بالتالي كان إشارة إلي أن «نبوءة» الفيلم تتحقق وبقسوة لا تقل عما عرض علي الشاشة، وأن المسافة الفاصلة بين الخيال المرعب والواقع قد تلاشت. ومن يتابع أخبار الحوادث يلحظ التصاعد الكبير في حوادث الاغتصاب التي تستخدم وسائل النقل العام فيها وبخاصة الميكروباص والتاكسي، وجريمة الاغتصاب بطبيعتها من الجرائم التي يعرف كل المتخصصين في الدراسات الاجتماعية والأمنية أنها مثل «جبل الجليد» تظهر قمته فقط علي سطح الماء فيما جبل الجليد نفسه مختف تحت الماء. فنسبة الإبلاغ عن جرائم الاغتصاب في كل المجتمعات أقل من الحجم الحقيقي للظاهرة، بسبب الوطأة النفيسة الشديدة للواقعة علي أي أنثي. وفي المجتمع المصري تقل النسبة أكثر بكثير من المجتمعات الغربية مثلا لأن ثقافتنا هي ثقافة: الشرف والعار والفضيحة، لا ثقافة العدل والتثبت والامتناع عن الخوض في الأعراض. ومؤخراً أصيب مجتمعنا بمرض آخر يدعو لمزيد من التكتم هو إدانة الضحية، فكل أنثي تتعرض للاغتصاب هي بالضرورة شريك في الجريمة رغم أن هذا ليس صحيحا مطلقاً، فالهوس الجنسي تصاعد حتي لم يعد يستثني مرحلة عمرية ولا حالة اجتماعية ولا حتي نمطاً من الزي، فالسافرة والمحجبة والمنقبة سواء عند مرتكبي الجريمة. وحتي يزداد الوضع مأساوية أضيف هماً آخر إلي الهموم السابقة هو موقف رجال الشرطة وأداؤهم المفتقر للكفاءة والكياسة معاً، ما كان له أثر مزدوج، فالضحية أصبحت أكثر ترددًا في الإبلاغ والجاني أصبح أكثر جرأة علي ارتكاب الجريمة. وقد استضافت الإعلامية المتميزة «رولا خرسا» في برنامجها «القصة وما فيها» سائق تاكسي روي كيف اغتصب عدة فتيات وكيف كان يتصل بشركائه بالهاتف ليشاركوه «الوليمة»، واللافت أنه تحدث عن أماكن تكون معدة و«سيم» للتفاهم السريع، ما يعني أن الحوادث التي كانت فردية تحولت إلي ماكينة تلتهم ضحاياها بلا رحمة وبلا تمييز. وقبل أشهر صرح مصدر أمني رفيع لجريدة الأهرام شبه الرسمية لم يكشف عن اسمه بأن نسبة كبيرة من سائقي السيرفيس في القاهرة «سوابق» وأنهم يستطيعون في حال إضرابهم شل الحركة في القاهرة، وعندما يجري توقيف بعضهم يتضامن معه زملاؤه ما يجعل الدولة - حسب هذا المصدر الأمني - تفرج عنهم. والتصريحات علي خطورتها مرت دون تعليق، لكن ما يطفو علي السطح من جرائم الاغتصاب - وهو نسبة ضئيلة مما يقع فعلا - يبرر التساؤل عن إمكان إدخال قيادات أمنية في الأمن الجنائي والأمن العام والمرور كشركاء فعليين في المسئولية عن تفشي جرائم الاغتصاب وبخاصة في وسائل النقل. والفوضي في الحقيقة تشمل الإطار العام للظاهرة والجو المشجع علي تفشيها إلي ملاحظات تفصيلية تبدو بسيطة لكن قد يكون لها أثر كبير في محاصرة الظاهرة، فمثلا، لفت نظر كثيرين مؤخراً أن سيارات التاكسي الجديدة (تاكسي العداد الأبيض) معظمها مجهز بسنترلوك يجعل الراكب يتحول داخلها إلي رهينة لا يستطيع فتح الباب المجاور له، وهي إمكانية لو تم إلغاؤها عند ترخيص هذه السيارات لكان استخدامها أكثر أمنا بكثير، فالشيطان كما يقولون يوجد في التفاصيل. وقد علمت قبل عدة أعوام من أحد المصادر الحقوقية أن الدولة تتعمد تخفيض أرقام جرائم معينة في إحصاءاتها الرسمية - بينها جريمة الاغتصاب - لاعتبارات تتعلق بالأرقام التي تنشر دولياً عن معدلات الجريمة، أي أن هذه الجريمة تتمتع ب «حماية» استثنائية عبر عوامل عدة من التستر والتواطؤ والخوف تجعلها تكاد تتحول لعالم سري شبه مغلق. فلماذا لا تتبني منظمة - أو منظمات - حقوقية نسوية علي عاتقها مهمة بناء «قاعدة» بيانات من خلال تخصيص خط ساخن للضحايا اللاتي أحجمن عن التقدم ببلاغ رسمي، ومن يدري ربما وضعت التجربة يد أجهزة الأمن علي عدد من هؤلاء السفاحين الذين أصبحوا أشباحاً مرعبة تطارد خيال الضحايا المحتملين. والسؤال: متي نمتلك شجاعة القضاء علي جمهورية الأوباش المستقلة؟