عندما أتي أوباما إلي سدة الحكم ارتفعت معه الآمال في أن يكون ذلك الفتي الأسمر ذو الأصول الأفريقية علي خلاف سابقيه من الرؤساء الأمريكيين وان يأتي بما لم يأت به الأوائل لقد كانت وعوده أثناء حملاته الانتخابية بمثابة البلسان الذي يداوي جراح الكثيرين ممن تألموا من جراء ممارسات إدارة المحافظين الجدد التي أضرمت دائرة الكون بنيران العنف وانتزعت من العالم استقراره وجعلته بمثابة حلقة لصراع الضواري من أصحاب المصالح والطموحات والمطامع والتي كانت علي حساب الشعوب.. وعندما جاء الرجل وخطب في جامعة القاهرة في ذلك الخطاب التصالحي الذي وجهه إلي العالم الإسلامي والذي يعلن فيه عن تصالحه مع الإسلام ووقف وشهد بأنه ليس كما اتهمه البعض وقرنوه بالإرهاب فهو دين قوامه التسامح بل ان الإسلام والمسلمين هم الذين قادوا العالم بعلمائهم في وقت كانت ترزح فيه أوروبا تحت نير الجهل وتتخبط في ظلمات عدم المعرفة وكيف كان الأزهر بعراقته هو المنارة التي أضاءت للعالمين وكان قبلة طالبي العلم والمعرفة وكان بحق خطيباً مفوهاً عندما استعان بآيات من القرآن الكريم.. لا نكذب إن قلنا انه قد استطاع أن يستحوذ علي قلوب الكثيرين وقد داعب الأمل الكل في اننا بالفعل مقبلون علي مرحلة جديدة وعهد جديد في العلاقات ما بين الإسلام والغرب قوامها التسامح والاحترام المتبادل.. لقد استطاع أوباما أن يطلق مبادرة التصالح ما بين الغرب والإسلام حيث بدأ بتصحيح المفاهيم وهذه بالفعل أياً كان ما جاء بعد ذلك فهي تعد خطوة ليست بالقليلة وقد وضعت أرضية للقاء ما بين الإسلام والغرب حتي وإن كان ذلك علي مستوي المفاهيم.. وقد أفرط البعض في التفاؤل في أن يعقب هذه المرحلة خطوات إيجابية وأن تترجم في صورة أفعال وممارسات منصفة بالحقوق العربية وعلي رأسها القضية الفلسطينية ولعل ذلك هو السبب وراء تلك الحالة من الاحباط التي أصابت البعض بعد تلك التصريحات التي أدلي بها أوباما بعد ذلك والتي جاءت مخالفة تماما لما توقعه ذلك البعض الذي أفرط في التفاؤل والذين أصيبوا بما يعرف في علم السياسة "بثورة التوقعات".. وفي الأسبوع الأول من دخوله البيت الأبيض كان علي رأس أولوياته الشرق الأوسط وهو ما جعل الكثير من المحللين السياسيين يؤكدون علي صدق اهتمامه بمشكلة الشرق الأوسط بصفة عامة والقضية الفلسطينية علي نحو خاص حيث قام بتعيين ميتشل كمبعوث دائم لمنطقة الشرق الأوسط وحدد جدولاً زمنياً لانسحاب القوات الأمريكية من العراق وطالب بالتحقيق في ممارسات التعذيب التي قامت بها القوات الأمريكية في معتقلي "جوانتانامو وأبو غريب" بل أعلن عن عزمه علي تنفيذ حل الدولتين والتزامه بإقامة دولة فلسطينية وطالب الحكومة الإسرائيلية بالتوقف الكلي عن بناء المستوطنات وهو ما أدي إلي وقوع الخلاف والصدام بينه وبين الحكومة الإسرائيلية وقال عنها البعض انها من أشد فترات التوتر التي شهدتها العلاقات الأمريكية الإسرائيلية ووقتها قيل ان شهر العسل ما بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل قد انتهي وانهم قد دخلوا الآن في مرحلة الزواج وما لها من مشاكل. وبعد مرور عام ومع أول تصريح له خلال مؤتمر صحفي نجده يعلن علي الملأ التزامه بحماية إسرائيل وضمان أمنها وقوتها في ذات الوقت يعلن عن تعاطفه مع الشعب الفلسطيني هنا نجد بداية التحول الكبير في موقفه فهو قد صار التزاماً واضحاً وصريحاً بالنسبة للإسرائيليين وفي ذات الوقت لم يعد أن يكون سوي مجرد تعاطف مع الشعب الفلسطيني.. ومنذ عدة أيام خلت يأتي ذلك التحول الكبير بل والصادم للمشاعر العربية من قبل أوباما من خلال تلك التصريحات التي قيل عنها انها تعد غير مسبوقة في تاريخ العلاقات الأمريكية الإسرائيلية ولم يتفوه بها من قبل أي رئيس أمريكي سابق ولكنها قد جاءت علي لسان أوباما وذلك عندما التقي نتنياهو في البيت الأبيض في حديث قد استغرق 79 دقيقة قال فيه ما أرضي الأوساط الإسرائيلية وهو بذلك قد ضمن رضاءها عنه وهو لم يختلف عن سابقيه من حيث علاقته بإسرائيل بل قد فاق عنهم وذلك بشهادة الصحف الأمريكية والإسرائيلية التي عقبت علي ذلك اللقاء.. قيل عن هذه التصريحات انها تعبر عن عمق وحميمية العلاقة بين إسرائيل وواشنطن وانه قد قدم لنتنياهو علي طبق من ذهب بأن الولاياتالمتحدة سوف تعارض جهود الاستفراد بإسرائيل في مؤتمر الأممالمتحدة لشرق أوسط خال من السلاح النووي المقرر عقده 2012 وقد عبرت مصادر إسرائيلية عن رضاها الكامل من هذه التصريحات التي أدلي بها أوباما والتي وصفها بأنها لم يدل بها رئيس أمريكي من قبل وقد قال أيضا اننا نعتقد في ضوء عظمة إسرائيل والمنطقة التي تقع فيها والتهديدات الموجهة إليها فإن لها احتياجات أمنية خاصة ويجب أن تكون لديها القدرة علي الرد علي أية تهديد أو عدة تهديدات في المنطقة وهو تصريح واضح وصريح بل إن المراقب للأحداث يجد أن ذلك يعد ضوءاً أخضر لإسرائيل وطمأنة لها علي انها لن تكون وحدها في معركتها القادمة مع إيران وحزب الله وخوفها من تدخل سوريا وفتح أكثر من جبهة وهو ما يدل علي انقلاب كبير في موقف أوباما علي نحو غير متوقع وكان صادماً بالفعل لنا نحن العرب.