اسفرت الانتخابات العراقية ونتائجها وما تعلق بها من مناقشات عن عودة ما يُشاع عن سيطرة الهلال الشيعي، وإثارة فزع الرأى العام فى الشرق الأوسط. فحين طرح عبد الله ملك الأردن المخاوف من خطر المدد الشيعي، كان يأمل من وراء فعله مسايرة تصريحات مبارك وبعض المحافل الوهابية. وهو مالم يتحقق لهم بسبب تفهم الوعى الاجتماعى الشعبي فى الشرق الأوسط لأهداف تلك الحملة. ورغم أنه من سبيل إلى إنكار الجغرافيا الشيعية الواقعية إلا أنها تواجه تحديا أكبر يُدعى الجغرافيا السنية. ولا يمكن لأى عقلية سياسية انكار الرغبات المكنونة فى تسلط الأقلية على الأكثرية، لكن الشيعة براء من هذه التهمة بل ويعملون على توحيد الصف. و لا يجب أن تثير فكرة الجغرافيا الشيعة سعادة السذج من هذه الطائفة، فى المقابل لا يجب أن تثير مخاوف السذج من أهل السنة. فالوعى والعلم سبيلنا إلى سد الطرق أمام اشتعال فتيل الحرب الطائفية، التى يسعي الكثيرون إلى إشعالها. فالهدف من إثارة فكرة الهلال الشيعي إنما هو تحويل التفاوت بين المذاهب إلى تضاد وصراع، بما يتيح انسحابه على الساحات الاجتماعية – السياسية والاستفادة منه فى معادلات القوة. مع أن التنوع واختلاف وجهات النظر فى مختلف الأمور وخاصة النواحى العقائدية هو أمر طبيعي بل هو من سمة المجتمعات البشرية. فالمجتمعات المتحضرة لا تنظر إلى هذه الاختلافات باعتبارها تهديد وإنما فرصة للإلتقاء وتحقيق المزيد من الأفكار المفيدة. وطرح فكرة الهلال الشيعي على هذا النحو يهدف ببساطة إلى إشعال فتيل الصراع بين السنة والشيعة. وهى النظرية التى تتمتع بمباركة غربية التى ما لبثت أن حظيت بالوحدة بعد مئات السنين من الصراع الطائفى الدامى. ولم يسجل تاريخ الدول الإسلامية اى صراعات كتلك التى دارت رحاها لسنوات بين الكاثوليك والبروستانت. وقد مثلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وتغير وجهة النظر الأمريكية حول مواجهة الفكر السلفى، سببا رئيسيا فى تغير ميزان القوة العراقية إلى صالح التيار الشيعي، وهو ما استغله عبد الله فى إثارة المخاوف وبث الصراع بين طوائف العالم الإسلام (السنة والشيعة). والغرب يدعم هذا التوجه لأنه مستفيد من الشقاق بين المسلمين. وطبقا لهذا الطرح تعد إيران مركز الهلال الشيعي. بينما تمثل نظرية الجمهورية الإسلامية أساس الوحدة بين شقى العالم الإسلامي، والدليل يبرز فى إنشاء مجمع التقريب بين المذاهب، وتخصيص مواسم معينة تخرج فيها المسيرات المتضامنة مع القدس. ناهيك عن الميزانية التى تكفلت بها الجمهورية الإيرانية فى حرب إسرائيل على لبنان وما تلاه من هجوم على غزة، والدعم الذى تقدمه طهران إلى كلا من حماس وحزب الله. وعليه تمثل دائرة الصراع السني لحماس، والشيعي لحزب الله ضد إسرائيل رمزا على توحد المسلمين فى صراعهم الخارجي. لهذا تجدر الحيطة والحذر من سحب الخلاف إلى الحوزة الداخلية بين المسلمين، بطرح مشاكل من مثل الهلال الشيعي. حيث تجدر ملاحظة أن الجغرافيا السياسية للبلاد لا يمكن أن تحتمل شق محورى وآخر شكلى. فالعراق مثلا يتمتع بأغلبية عربية إلى جانب الأكثرية الشيعية. وبروز هذا الأمر يستهدف الجغرافيا السياسية للشيعة. وهو الأمر الذى يؤكده موقف الحكومة العراقية تجاه اسم الخليج الفارسي، والجزر الثلاث. لكنه يوضح من ناحية أخرى أن الجغرافيا السياسية الإيرانية لا تنحصر فى إطار الجغرافيا السياسية الشيعية، بل تتمتع بجغرافيا واسعة فى الحوزات الثقافية التى يمثل أهل السنة عمادها الرئيسي. والخلاصة: تنبع المخاوف من فكرة الهلال والجغرافيا السياسية الشيعية عن تعصب مذهبي، وخوفا من إرساء الديمقراطية فى العراق وسائر دول الشرق الأوسط. فالإسلام يلون معظم مناطق الشرق الأوسط. وإرساء الديمقراطية الحقة فى الشرق الأوسط يعتمد أولا على حفظ حقوق الأقليات، فضلا عن تحرر المسلمين من الحكومات الديكتاتورية والاعتراف بحقوق الأقليات الشيعية فى هذه البلاد، وتهيئة الأوضاع أمام المزيد من التعاون بين السنة والشيعة. وهو ما من شأنه تضيق الخناق على أعداء الإسلام والشعوب فى الشرق الأوسط. فالهلال الشيعي في قلب العالم السني لم ولن يثير القلق.