الوفد القبطي يلتقي بابا الڤاتيكان الجديد    مصر تستهدف توصيل كابلات الألياف الضوئية إلى 50% من مستخدمى الإنترنت الثابت خلال 5 سنوات    حماس ترحب بالبيان البريطاني الفرنسي الكندي: خطوة مهمة لرفض سياسة الحصار والتجويع بغزة    مهند علي يرحب بالانتقال للزمالك.. والمفاوضات تسير بشكل إيجابي    أحمد دياب: خصم 3 نقاط من رصيد الأهلي وتخفيف العقوبة قراران صحيحان مليون%    إغلاق مراكز طبية مخالفة خلال حملة تفتيشية موسعة بقنا    استجابة لشكاوي المواطنين.. محافظة الجيزة: رفع 1100 حالة إشغال بحدائق الأهرام    الغزالي حرب: محمد سلماوي مازال محتفظا بروحه الناصرية النبيلة    نيكوشور دان رئيسًا لرومانيا... فمن هو؟    «الطفولة حتى ال 18».. «القومي للطفولة والأمومة» يضع إطارًا قانونيًا لحماية النشء    حبس المتهمين بسرقة كابلات كهرباء من منطقة تحت الإنشاء بالسلام    متخصص بالشأن الليبي: استقرار طرابلس «خداع بصري» وغياب المؤسسات أغرق الدولة في فوضى الميليشيات    "كلام في السينما".. بودكاست من تقديم الناقد الفني "عصام زكريا" على "الوثائقية" قريبًا    رونالدو ينافس بنزيما على جائزة أفضل لاعب في الجولة 32 من الدوري السعودي    الضرائب توضح عقوبة فرض المطاعم والكافيهات غير السياحية 14% قيمة مضافة على الفاتورة    مدحت بركات يزور مجلس الشيوخ بدعوة من تحالف الأحزاب المصرية    ألمانيا تلمح إلى التخلي عن معارضتها للطاقة النووية وتقربها من الموقف الفرنسي    اعتزال الفنان عبد الرحمن أبو زهرة الحياة الفنية والإعلامية نهائيًا    فيلم "المشروع X" يتصدر منصة أكس    لميس الحديدي: 9 شاحنات لا تكفي شعبًا يتضور جوعًا منذ 79 يومًا    جولة للأطفال بقصر محمد علي ضمن احتفالات قصور الثقافة باليوم العالمي للمتاحف    هل يجوز للمرأة أداء فريضة الحج عن زوجها أو شقيقها؟.. أمينة الفتوى: هناك شروط    وزير الصحة: عدد المستفيدين من التأمين الصحي الشامل 12.8 مليون مواطن حاليا    «للرجال 5 أطعمة تحميك من سرطان البروستاتا».. تعرف عليهم واحرص على تناولهم    محمد صلاح.. والكرة الذهبية    خالد الجندي: الحجاب لم يُفرض إلا لحماية المرأة وتكريمها    ما حكم تأخير الصلاة عن وقتها؟.. أمين الفتوى يجيب    قصور.. ثقافة!    إيرادات الأحد.. "سيكو سيكو" الأول و"نجوم الساحل في المركز الثاني    مزارع الدواجن آمنة إعلامى الوزراء: لم نرصد أى متحورات أو فيروسات    خلال لقائه البابا تواضروس.. الرئيس اللبناني: مصر بكل ما فيها قريبة من قلب شعبنا    ما حكم صيام يوم عرفة للحاج وغير الحاج؟    ب"طعنة في القلب".. إعدام قهوجي قتل شابًا أمام مقهى بالجيزة    رئيس جامعة دمياط يفتتح المعرض البيئي بكلية العلوم    الموساد يكشف عن 2500 وثيقة وصورة وممتلكات للجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين    البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يطلق خطة تحويل «القاهرة» إلى مدينة خضراء    موعد امتحانات الشهادة الإعدادية بالمنيا 2025.. جدول رسمي    رسوم ترامب الجمركية تلقي بظلال سلبية على توقعات نمو الاقتصاد الأوروبي    إصابة صاحب فرن بطعنة نافذة في مشاجرة على الخبز    على نفقته الخاصة.. الملك سلمان يوجه باستضافة 1000 حاج وحاجة من الفلسطينيين    انضمام نوران جوهر وزياد السيسي ل "روابط" استعدادا لأولمبياد لوس أنجلوس 2028    الإسراع بتعظيم الإنتاجية.. وزارة البترول تكشف معدلات إنتاج حقول بدر الدين    قتلى وجرحى بانفجار في جنوب غرب باكستان    وزير الإنتاج الحربي: نعمل على تطوير خطوط الإنتاج العسكرية والمدنية    تقارير: لايبزيج يفاضل بين فابريجاس وجلاسنر لتدريب الفريق بالموسم الجديد    وزارة الصحة تدعم مستشفى إدكو المركزي بمنظار للجهاز الهضمي    السعودية: إطلاق المعرض التفاعلي للتوعية بالأمن السيبراني لضيوف الرحمن    محافظ الدقهلية يكرم عبداللطيف منيع بطل إفريقيا في المصارعة الرومانية    الزمالك يُنفق أكثر من 100 مليون جنيه مصري خلال 3 أيام    «الشيوخ» يستعرض تقرير لجنة الشئون الاقتصادية والاستثمار    تعرف على طقس مطروح اليوم الاثنين 19 مايو 2025    ضبط 5 أطنان أرز وسكر مجهول المصدر في حملات تفتيشية بالعاشر من رمضان    مسابقة الأئمة.. كيفية التظلم على نتيجة الاختبارات التحريرية    إطلاق مبادرة لخدمة كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة بالإسماعيلية    صندوق النقد يبدأ المراجعة الخامسة لبرنامج مصر الاقتصادي تمهيدًا لصرف 1.3 مليار دولار    محافظ الإسماعيلية يتابع انطلاق فوج حجاج الجمعيات الأهلية للأراضى المقدسة    قبل أيام من مواجهة الأهلي.. ميسي يثير الجدل حول رحيله عن إنتر ميامي بتصرف مفاجئ    هل يجوز أداء المرأة الحج بمال موهوب؟.. عضوة الأزهر للفتوى توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لعوب اسمها أمريكا - د.عمار على حسن – المصرى اليوم
نشر في مصر الجديدة يوم 25 - 05 - 2010

فور سقوط نظام صدام حسين سمعت من أحد رموز أمانة السياسات بالحزب الوطنى الحاكم قولا غريبا أفجعنى، ولا يزال صداه يتردد فى أذنى وخاطرى حتى اليوم. أمعن الرجل يومها النظر فى عيون من يحيطون به وقال: «ليأت الأمريكان فيخلصونا من هذا النظام». وضحكت على وسع حنجرتى وعجبى، وقلت له: كنت قبل ساعات تقول كلاما مناقضا تماما فى التليفزيون الرسمى، فسبحان مغير الأحوال.
فأجابنى على الفور متذكرا المنصب الذى ضاع منه وذهب إلى رجل أقل بكثير: هذا كلام للاستهلاك المحلى أما الحقيقة فليس بوسع شىء أن يزيح الحكم فى بلدنا سوى التدخل الخارجى. يومها عاركته، وأنا المعارض للسلطة الفاسدة المستبدة، وقلت له: هذه خيانة، فسخر منى وقال: أنعم بولائك، واصبر حتى تموت ومبارك فى حكمه، أو ابنه مكانه، فقلت له: التغيير الحقيقى يأتى من الداخل، بإرادتنا وسواعدنا.
بعدها بشهرين كنت فى ندوة بجريدة «وطنى» عن قضية «المواطنة»، وتشعب الحديث إلى طريق «التغيير» ففوجئت ببعض الشباب الساذج من المسيحيين يتحمس لفكرة «التغيير من الخارج» و«ضرورات التدخل الأمريكى» فضحكت منهم وصرخت فى وجوههم: كرسى مبارك أكثر أهمية عند جورج بوش من كل المسيحيين العرب، لأنه «صديقه الاستراتيجى» فى الشرق الأوسط برمته.
وصدّق العقلاء الفاهمون من الأقباط يومها على كلامى، ونبهوا الشباب المتعجل إلى ما حاق بمسيحيى العراق عقب سقوط نظام صدام، وعلى مسمع ومرأى من الأمريكان. وقبل أسبوع، وأثناء تناولنا طعام الغداء، سألنى أحد أساتذة العلوم السياسية بجامعة أكسفورد، التى حللت ضيفا عليها لإلقاء محاضرة عن الدين والسياسة فى مصر: ما حقيقة موقف واشنطن من التغيير فى بلادك؟
فأجبته: أمريكا تمارس مع المصريين جميعا دور المرأة اللعوب، التى تلوّع كل المتهافتين عليها، الساعين وراءها، وتقربهم منها بقدر يوهمهم بأنهم كادوا أن يقضوا منها وطرهم، وحين يكاد أيهم أن يلمسها تفر مبتعدة وتتصنع الغضب ثم تبدأ معه رحلة جديدة من الإغراء واللوع، فيذهب خلفها سادرا من جديد.
وراقت الإجابة للرجل فهز رأسه، مؤمنا على الكلام، لكننى ألفيت فى عينيه بحثا عن تفاصيل، فاستطردت: أمريكا عادت لتضع يدها فى يد النظام الحاكم، فتبدو راعية ونصيرة له، لكنها فى الوقت نفسه تغض الطرف عن الضغوط التى يتعرض لها على أيدى دول منابع النيل، ومع أن واشنطن تعول على السلطة الراهنة بمصر فى عدم إحداث أى اضطراب لإسرائيل، وتعترف بهذا، فإنها تميل إلى اتجاه تل أبيب للتلاعب بأمن مصر المائى.
وفى المقابل فإن أمريكا تطلق ألفاظا عن تأييد الإصلاح الديمقراطى فيتوهم بعض الراغبين فى التغيير أن واشنطن يمكن أن تكون لهم ظهيرا، لكن ما إن يحين العمل فى سبيل الحرية حتى تصطف أمريكا مع النظام قلبا وقالبا، لأنها معه تضمن حماية مصالحها، وبه يكون بوسعها أن تعذب أعداءها من «الإسلاميين» فى سجون النظام وبأيدى زبانيته فيستنطقونهم بما لا يمكن للمحققين الأمريكان أن يتحصلوا عليه.
وهناك من بين القائمين على دكاكين حقوق الإنسان وأكشاكه من يرون فى أمريكا وحلفائها منبع التمويل المالى ولذا يدافعون عن أفكارها وتصوراتها، غير مفرقين بين قيم إنسانية دافعة للتقدم يجب التمسك بها وبين جنوح واشنطن إلى استخدام تلك القيم فى تسويق مشروعها الاستعمارى البغيض.
لكن من بين دعاة التغيير، وهم الأغلبية، ومن بين نشطاء المجتمع المدنى والمدافعين عن حقوق الإنسان، وهم الواعون، من يفهم جيدا أن التغيير الحقيقى لن يأتى إلا بأيدى المصريين، وأن التعويل على أمريكا وغيرها فى تحصيل الحرية لبلادنا هو سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء، أو برق يكاد يخطف الأبصار ثم لا يلبث أن يموت فى ظلمة السدم والأجرام البعيدة.
لكن بين الفريقين هناك حالات عديدة من الخلط والشطط فى التعامل مع أمريكا، فالنظام ورجاله يتهمون المعارضة أو بعضها بأنها تريد تنفيذ «أجندة أمريكية» وكأن السلطة فى بلادنا تواجه أمريكا وتقاوم مشروعها الاستعمارى.
وبعض من يدافعون عن أجندات غير مصرية دخلوا على الخط، عبر اتهام البرادعى مثلا بأنه رجل أمريكا، وهى تهمة غير صحيحة حتى الآن، لكنهم يستخدمونها بذكاء، ربما لمنافع شخصية، وإن كانوا فى سعيهم يساهمون فى قطع الطريق على المشروع الأمريكى، وهذا حق وأنا أؤيده، لكن فى الوقت نفسه للاقتراب زلفى من السلطة، وهذا باطل تجب مقاومته، لأن أهل الحكم فى بلادنا يصطفون فى معسكر أمريكا، ولا يقفزون منه إلا فى لحظات عابرة بغية الدفاع عن كراسيهم وأموالهم، ثم سرعان ما يعودون إليه طائعين خانعين، حين يطمئنهم الأمريكان على ما كسبوه واستمرأوه.
إن هذه المعادلة السياسية الغريبة تحمل على أكتافها علاقة المصريين بأمريكا منذ كامب ديفيد وحتى الآن، ورغم تعاقب الإدارات التى جاءت إلى البيت الأبيض متقلبة بين الديمقراطيين والجمهوريين، فإن الجميع حافظ عليها، وحرص على أن تستمر، مهما تبدلت الظروف. ولهذا لا يجب أن تخدعنا السلطة، وكتابها حين تسوق اتهامات باطلة لكل معارضيها بأنهم يخدمون «الفوضى الهدامة» التى تتبناها واشنطن. ولا يجب فى الوقت نفسه أن يتوهم بعض المعارضين أن فى إمكان أمريكا أن تفعل لهم شيئا.
والحمد لله أن الأغلبية الكاسحة ممن يريدون التغيير فى بلادنا يدركون هذا الأمر جيدا، ويعملون بجد من أجل إطلاق طاقة المصريين أنفسهم لتشق طريقا واسعا نحو الحرية، والشكر لله أن هناك من يدرك أن هناك فرقاً كبيراً بين أمريكا الإدارة، وتلك هى المرأة اللعوب، وبين أمريكا الشعب، التى نقدرها ونعول على وعيها فى إنصاف أصحاب الحقوق المشروعة يوما ما.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.