انتهى اجتماع وزراء الموارد المائية فى دول حوض النيل فى شرم الشيخ إلى الفشل، حيث تكتلت دول المنبع فى رفض الشروط الثلاثة التى وضعتها مصر والسودان لتوقيع اتفاقية إنشاء المفوضية الدائمة لدول حوض النيل وأعلنت دول المنبع أنها بصدد التوقيع على الاتفاقية دون مصر والسودان وهو ما يعنى فتح الباب أمام أوضاع جديدة تؤثر على الحياة والبشر فى مصر فعلينا مواجهة الحقائق والأوضاع الجديدة بصراحة ومحاولة التغلب على القوى التى تحاول إضعاف مصر. وإذا استمرت الحكومة فى تجاهل هذا الفشل بمثل تصريحات وزير الرى المصرى الذى قال إن جولة شرم الشيخ ليست نهاية المطاف وأن توقيع دول المنبع على الاتفاقية بدون مصر لن يكون ملزما لمصر وأن موقف مصر قوى وأن الاتفاقيات تحمى حقوق مصر، فهذا دليل على عدم قدرة هؤلاء المسؤولين على التصدى وتحمل تبعات هذا الملف المهم و على القوى المصرية أن تحاول التصدى لهذا الفشل والذى يؤثر على حياة الأجيال المقبلة من خلال التحول من موقف المتفرج إلى المشارك الأساسى فى مواجهة هذا الفشل. إن ما حدث لم يكن مفاجأة فمنذ اجتماعات الكونغو ومواقف دول المنبع واضحة فى عدم الاعتراف بالحقوق التاريخية لمصر والسودان فى مياه النيل وأعلنت أن فترة الستة شهور التى اتفق الوزراء فى الإسكندرية عليها للتفاوض ستكون هى نهاية المفاوضات، ورغم ذلك أخذت الحكومة المصرية فى التعامل مع هذه الفترة وكأنها ليست نهائية وأنه يمكن الاستمرار فى التفاوض إلى ما لا نهاية وهو ما أدركته دول المنبع وأعلنت من قبل أنها ستوقع على الاتفاقية دون مصر والسودان، وهو ما لم يجعل الحكومة تغير من منهجها واعتبرت أن ذلك ما هو إلا تصريحات لن تتحول إلى فعل، وكان على الحكومة بدلاً من تضييع الوقت أن تقدم إلى هذه الدول مقترحات بديلة تحقق مصالح هذه الدول دون الانتقاص من حق مصر. ويلاحظ أن الموقف المصرى يعتمد على التمسك بالاتفاقيات السابقة، رغم أن اتفاقيتى 1929، و1959 اعتمدتا على مراعاة التعداد السكانى ومدى الاحتياج للمياه لدى الدول الأعضاء، لذلك كان يجب التركيز على حجج واضحة تقف بها مصر أمام الرأى القائل إن دول حوض النيل لم تكن تتمتع بإرادة حرة وقت توقيع الاتفاقيتين، أهمها مراعاة حجم مصر وتعدادها السكانى وعدم وجود مصادر أخرى للمياه لدينا. كذلك من أخطاء الحكومة المصرية التركيز فى هذا الملف على إثيوبيا «وهو ما اتضح من خلال زيارة رئيس الوزراء المصرى فى ديسمبر 2009» وهو ما جعل باقى الدول تنظر إلى مصر باعتبارها تركز مباحثاتها فى هذا الملف مع السودان، وإثيوبيا فقط وبالتالى وجدنا فى اجتماعات شرم الشيخ تنزانيا وكينيا هما الأكثر تشدداً وتبعتهما باقى الدول فى ظل صمت مريب من إثيوبيا. ورغم الاهتمام الحالى بإثيوبيا من الحكومة المصرية عند العودة للاهتمام بملف مياه النيل، فإن إثيوبيا لها وجهة نظر مختلفة حيث يرجع الموقف الإثيوبى الرافض للاتفاقيات فى جزء منه إلى أن التحرك المصرى بدأ فى مياه النيل بدون إثيوبيا ومثال على ذلك اتفاقية 1959 والتى تم توقيعها بين مصر والسودان فقط، وحسب قول وزير الموارد المائية والرى الإثيوبى، «فإن مصر أهملت إثيوبيا فى هذه الاتفاقية ولو كانت إثيوبيا طرفاً فيها لكان هذا أفضل بكثير، وبالتالى رفضت إثيوبيا التحكم فى النهر من قبل دولتين هما مصر والسودان وسجلت اعتراضها واحتجاجها على هذه الاتفاقية. ومن أخطاء الحكومة أيضاً أنها تعتمد على أن الدول المانحة لن تقدم تمويلاً للمشروعات التى ترغب فى إقامتها هذه الدول وبالتالى لن تستطيع إقامة مشروعات تنقص من حصة مصر وهذا يعد قصوراً فى الرؤية المستقبلية فهناك بديهية وهى أن الواقع والمصالح تفرض نفسها على الاتفاقيات ومن الممكن أن تغير هذه الجهات موقفها فماذا تفعل الحكومة وقتها؟!، كما أن هناك من الدول التى تجد من صالحها تقديم هذه المساعدات مثل الصين وإسرائيل وهناك الدول التى اشترت ملايين الهكتارات من الأراضى الزراعية والتى تحتاج إلى الماء لزراعتها وبالتالى ستقدم التمويل اللازم لذلك. على قوى المجتمع المدنى أن تدرك أن هذه الحكومة غير قادرة على التصدى لهذا الملف فهو أكبر من قدراتهم السياسية لذلك على منظمة المجتمع المدنى أن تأخذ زمام المبادرة بالدعوة إلى مائدة مستديرة لتدارس هذه المشكلة والخروج بمقترحات يمكن أن نطلق عليها الصفقة الشاملة، حيث يتم تحديد المطلوب لتنمية هذه الدول وكيف يتم توفيره وأن يتم تكوين قوافل من المصريين للذهاب إلى هذه الدول لمساعدتهم وتقديم بعض الخدمات لهم ونحن لدينا المئات من المتخصصين العاطلين فلماذا لا نفعل مثلما يفعل الأوروبيون حينما يذهبون إلى هذه الدول من خلال منظمات خيرية مثل «أطباء بلا حدود»؟! ويلاحظ أنه لا يوجد دور لمنظمات المجتمع المدنى فى دول حوض النيل فى محاولة التجمع وتبادل الآراء دون تدخل خارجى، وقد يرجع السبب فى ذلك إلى أن الحكومات لا تعترف ولا تقبل بدور لمواطنيها فى مناقشة الأمور العامة، ولكن لابد أن تقوم منظمات المجتمع المدنى، خاصة فى مصر بدور فى الاتصال بالجمعيات والمؤسسات المختلفة فى دول الحوض لإقامة جسور من التعارف والنقاش حول هذه القضايا وذلك بهدف تنوير هذه الأطراف بموقف مصر وتقليل النبرات العدائية فى هذه الدول