عقب نشر مقالنا السابق عن مؤتمر الترجمة وكتابات رجال الحملة الفرنسية, وصلنا عتاب في صورة تساؤلات من بعض الذين ترجموا وراجعوا موسوعة وصف مصر, وأيضا المشرف علي مشروع تنفيذها الاستاذ حسين البنهاوي رئيس تحرير بالهيئة العامة للكتاب, تلك التي اصدرت هذه الموسوعة أثناء رئاسة الراحل الدكتور سمير سرحان, ومن هذه التساؤلات: لماذا تجاهلنا الجهود المبذولة في ترجمة هذه الموسوعة وطباعتها ونشرها؟ ولماذا لم نشر الي قيمتها العلمية والثقافية ؟ وهل كان تاريخنا القومي في حاجة اليها ؟ الي آخر هذه التساؤلات التي يمكن الرد عليها بأنه لو كان المقال مخصصا للحديث عن هذه الموسوعة, لما تجاهلنا ذكر جهود القائمين عليها أو تقييمها. إلا ان مقالنا كان يدور حول جانبين, مناسبة إنعقاد مؤتمر الترجمة بالمركز القومي للترجمة, ثم مطالبة هذا المركز بترجمة كتب رجال الحملة الفرنسية, علي غرار ترجمة كتاب وصف مصر.. خاصة ان هذه الكتب يصل عددها الي أكثر من32 كتابا وأن أهميتها تبدو عندما نقارن بين ما تركه رجال السيف والقلم في أوروبا من وثائق ومذكرات, وبين نقص تاريخنا من هذه النوعية من الكتب, خاصة ان هذا النقص يلقي ظلاما علي الكثير من وقائع تاريخنا ويحول دون معرفة الحقائق في كثير من أمهات الحوادث.. أما الاشارة الي موسوعة وصف مصر فقد كانت عرضية حيث لم نتطرق للحديث عنها او تقييمها. ولا يقلل ذلك من تقديرنا للجهود المبذولة في ترجمتها ونشرها, خاصة جهود الراحل الاستاذ زهير الشايب وكريمتيه مني وأمل, بالطبع الي جانب استكمالها ومراجعتها من علمائنا وأدبائنا وفنانينا وجهد القائم علي تنفيذها الاستاذ حسين البنهاوي.. علي اعتبار ان هذه الموسوعة تعتبر عملا خالدا يتضمن مجموعة من الأبحاث والمذكرات والخرائط واللوحات والاكتشافات التي قام بها رجال الحملة الفرنسية, والتي كانت من الدقة في الوصف, والشمول في النظرة, والموضوعية في التناول الي الحد الذي يجعلها من افضل الكتب التي ظهرت عن مصر وتخطيطها في العصر الحديث كموسوعة اعدها رجال هذه الحملة الذين بدأوا في وضعها وتبويبها بعد رجوعهم الي فرنسا, حيث أخذوا يجمعون الاوراق, وما بها من مذكرات ووثائق ومعلومات كانوا قد سجلوها أثناء وجودهم بمصر ثلاث سنوات ويفحصونها, ويقضون في إعداد مجلداتها التي بلغت سبعة وثلاثين مجلدا, اعدوها في سبعة عشر عاما, وذلك تنفيذا لقرار من نابليون بأن تجمع هذه المادة الخاصة بالعلوم والآداب والفنون عن مصر, وأن تطبع علي نفقة الحكومة الفرنسية.. وللقيام بهذا العمل شكل نابليون لجنة من ثمانية اعضاء من علماء ومهندسي وأدباء وفناني الحملة علي النحو التالي: برتوليه رئيسا, واعضاؤها مونج وكونتي وكوسنار وديجينيت وفورييه وجيراد ولانكري وانضم الي هؤلاء الثمانية خلال فترة العمل ثلاثة اعضاء آخرون هم ديفليه وجومار وجالوا لتظهر المجلدات الأولي من الموسوعة عام1809, ويستمر ظهور بقية مجلداتها تباعا حتي تكتمل عام1826, وتعاد طباعتها كاملة في طبعة جديدة عام1829. هذه الموسوعة تنقسم من حيث موضوعاتها الي قسمين أولهما الابحاث وتغطيها ستة وعشرون مجلدا والثاني اللوحات والخرائط وتقع في أحد عشر مجلدا, والقسمان يتضمنان أغلب ما يتصل بتاريخ مصر وأحوالها في عصورها القديمة, والوسيطة والحديثة حتي رحيل الحملة عنها, من خلال ما سجله رجال هذه الحملة من أبحاث وتقارير و ملاحظات ومشاهدات الي جانب وصف مبانيها وصناعات مواطنيها وزراعاتهم وفئاتهم, وكذلك لوحات ورسوم لحيواناتها وطيورها وأسماكها وحشراتها ونباتاتها ومعادنها وأحجارها, وخرائط جغرافية عن ريفها وحضرها, وأحيائها ومديرياتها, وسواحلها وصحاريها, وجبالها وترعها, وبحيراتها وغير ذلك مما تشتمل عليه مجلدات الابحاث والتاريخ الطبيعي. وهكذا لا يسع القارئ لهذه الموسوعة الضخمة بمجلداتها إلا أن يشيد بمقدرة رجال هذه الحملة الفرنسية في استيعاب الحقائق العلمية والجوانب الثقافية والاجتماعية والتاريخية, مع استقصاء واف للمشاهدات والمعلومات والبيانات الدقيقة عن مصر, كما يشيد بجهود الذين ترجموها الي العربية, وأصدروها لتكون ضمن مشروع القراءة للجميع بأقل الأسعار.