والنتائج خير حكم علي ما يشير إليه العنوان الذي ربما يدهش أو حتي يستفز الكثيرين، خصوصا من رفاق الثورة المصرية. ولكن تزول الدهشة ويتبدد الشعور بالاستفزاز، حينما نتذكر حين وضعت ثورة يناير أوزارها، كيف رفع الغرب – ضمن من رفع - القبعات للمصريين، وكيف تغني الاستعماري البريطاني "توني بلير" بشباب مصر، وأشاد بهم رجل المافيا الإيطالية "بيرلسكوني". ولنتذكر أيضا كيف عاشت إسرائيل أسعد لحظات حياتها، معلنة عبر قادة جيش دفاعها كيف أنها أصبحت تنام مطمئنة الجانب من جهة المصريين، وأن همها الأكبر بات منصبا علي الشرق "سورية" الذبيحة، وكيف وضعت أيامها أمريكا "رِجلا علي رِجل" في وجوهنا جميعا وهي تدفع بحليفتها الإرهابية – التكفيرية والمقصود بها "جماعة الإخوان المسلمين" إلى قمة السلطة في مصر، باعتبارها الوحيدة القادرة علي الاشتراك معها في جريمة تقسيم مصر علي أساس طائفي، وفقا لمؤامرة الشرق الأوسط الجديد، وتنفيذا لأخطر بنود الوثيقة اليهودية الثانية التى وضعت عام 1984، وتنص علي التزام قوي الماسونية الدولية بدعم تيارات السياسة المتأسلمة في دول المنطقة، وبالمقابل إسقاط جميع الأنظمة الديكتاتورية الحاكمة، عند صدور الأمر بإنهاء مهامها في خدمة الغرب الصهيوني، بقهر الشعوب وإفقارها، وحرمانها من العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، ذات الشعارات التى سيضعها صناع الربيع "العربي" علي ألسنة الشعوب بعد ذلك، وكما شهدنا جميعا. وبالفعل راقبنا بأعيننا كيف تحولت الثورة أمام أعيننا تتناهي إلى مجرد "انتفاضة"، ثم إلى حركة التفاف حول الثورة، ثم أخيرا قضاءً تاماً علي جميع أهدافها، فلا عيش ولا حرية ولا عدالة اجتماعية ولكن فقط ظهور وجوه حاكمة مكفهرة، مفعمة بالكراهية للآخر، بقيت لعقود مستترة وراء جدران الوهم بأنها كانت ضحية للاضطهاد، ولو كانت كذلك حقا، ما أسفرت فجأة عن ظهور كل هذه الكوادر السياسية وهؤلاء المليارديرات، وكأنهم أفراخ تربت في حديقة للدايناصورات، ثم خرجت من أعشاشها لتلتهم الأخضر واليابس!. 30 / 6 ثورة الثلاثين من يونيو، كانت علي العكس تماما، والدليل أن الغرب الذي رفع القبعات لمصر في 25 يناير، هو ذاته الذي، وأخيرا فقط، رفع الراية البيضاء علي مضض، بعد أن أجبره عشرات الملايين المصريين علي احترام إرادتهم، والاعتراف بثورتهم التي صنعت في مصر. كيف إذن لا يكون هناك فارق بين ثورة صنعت في مصر وأخري صنعت في إسرائيل، والأساطيل الأميركية المعادية تجوب – الآن - سواحل البلاد وتتنمر لنا قرب مياهنا الإقليمية في ذات المسارات التى وطئتها بوارج الاحتلال البريطاني عام 1882؟ كيف لا يكون هناك فارق بين ثورة صنعت في مصر وأخري صنعت في إسرائيل، والكيان الصهيو غربي الذي اعترف بالحكم العسكري بقيادة طنطاوي وعنان إبان ثورة 25 يناير، هو ذاته الذي يضع قيادة مصر العسكرية – الآن - تحت ضغوط لا هوادة فيها لمنعها من التجاوب – لأول مرة منذ ثورة يوليو 52 – مع شعبها؟ كيف لا يكون هناك فارق بين ثورة صنعت في مصر وأخري صنعت في إسرائيل، والبنتاجون الأميركي يبتز مصر ثورة 30 يونيو، بورقة المعونة العسكرية ويتلكأ في إمدادنا بالسلاح، ليس مناً منه علينا ولكن وفقا لبنود معاهدة السلام؟ كيف لا يكون هناك فارق بين ثورة صنعت في مصر وأخري صنعت في إسرائيل، والكونجرس ومن وراؤه أوباما يحاولون اتباع سياسة العصا والجزرة، فيرهنون الإفراج عن المعونة المالية المقررة لعام قادم، بإفراج مصر عن زعماء العصابة من حلفائهم الإخوان الإرهابيين؟ كيف لا يكون هناك فارق بين ثورة صنعت في مصر وأخري صنعت في إسرائيل، عندما تري العالم الذي أشاد بعدة ملايين خرجوا في ثورة يناير، ويتجاهل أضعافهم من عشرات الملايين الذين خرجوا في أكبر تظاهرة بشرية عرفها التاريخ، لإسقاط الوجه القبيح الأخير – ذي اللحية - للنظام الصهيو أميركي؟ ليس من العدل طبعا إهالة التراب علي ثورة لصالح أخري، بل في كل منهما خير، إلا أنه ايضا لابد من الاعتراف أننا – كثوار – إن كنا قد تعلمنا في ثورة يناير لعبة إسقاط النظام، أي نظام، فإننا الآن نتعلم لأول مرة عبر ثورة يونيو، فن إسقاط نظام لإقامة ال"نظام" الذي نظن أن بلدا بحجم وقيمة وقامة مصر تستحقه.. نتعلم كيف نهد لنبني في كل الميادين، وليس فقط لنهد ثم نجلس علي "تلها" في ميدان التحرير، بعد أن عجزنا عن حماية ثورتنا وانفصلنا عن جيشنا وشعبنا وأصبحنا بحالنا وحدنا فصيلا معزولا عن الشارع، ينظر إلينا الآخرون بامتعاض، وبدورنا نبادلهم امتعاضهم بالتعالي والاستهزاء والمعايرة أنهم "جهلاء". لقد صنعت ثورة 25 يناير "ثواراً" هم الأنبل في تاريخ مصر، ولكن الثورة الحقيقية لم تقم في مصر إلا عندما حدثت عملية "غربلة" لهؤلاء الثوار بحيث لم يستمر منهم إلا الأصلح، ثم عرف هؤلاء الثوار الطريق أخيرا إلى حضن وطنهم الأكبر، من أجل خوض معركة كبري هدفها واحد اتفق عليه الجميع، عالم وأمي، مثقف ونصف متعلم، رجل وامرأة، مسلم وقبطي، شعب وجيش وشرطة، ضد عدو واحد....... رأسه في إسرائيل، وقلبه في أمريكا وأذرعه ممتدة حول رقابنا كالأخطبوط، ووجوهه مختلفة لكنها لا تحمل وراء ملامحها – مهما بدت طيبة أو تعرف ربنا – سوي الموت والدمار. مرة أخري، إلى كل من لازال يصدق أن 25 يناير كانت ثورة حقيقية، عليه أن ينزل إلى الشارع الآن، ويسأل نفسه: لماذا شارك الشعب بكل طوائفه في ثورة "ثلاثين"، ولم يشارك منه إلا القليل – إلى جانب النخب الفاسدة في معظمها – في ثورة "الخامس والعشرين". الإجابة واضحة بالتأكيد، فبين ثورة تُفرق، وثورة تَجمع "الغالبية العظمي من الناس" علي قلب رجل واحد وتحت علم واحد: هناك فرق.