يحكى أنّ أحد الأشخاص زار الفيلسوف الكبير سقراط، وبعد التحية والسلام قال له:عزيزي سقراط، هل سمعت ما يقولون عن صديقك، لا ، أجابه سقراط وعلامات الدهشة مرتسمة على وجهه، ولكن قبل أن تقص علّيّ خبرك، قل لي: هل مرّرت قصة صديقي عبر المصافي الثلاثة؟! "مصافي " أيّ "مصافي"، أجابه الضيف بدهشة، نعم، قبل أن يحكي الإنسان أي شيء عن شخص آخر لا بد من تصفيته ثلاث مرات، المصفاة الأولى هي مصفاة الحقيقة، فهل تحققت من أن ما تريد إخباري به هو الحقيقة؟، لا ، ليس بالضبط، لم أرى الشيء بنفسي، سمعته فقط. رد سقراط حسناً، أنت لا تعرف إذن إن كانت الحقيقة، فلننظر الآن المصفاة الثانية، مصفاة الخير، هل ما تريد أن تخبرني به عن صديقي خير؟، آه ، لا ، بل على العكس سمعت أنهم يقولون عن صديقك أنه أساء التصرف. فيتابع سقراط إذن تريد أن تحكي لي أشياء شريرة عنه وأنت لا تعرف إذا كانت حقيقية أم لا، هذا لا يبشر بالخير، ولكنك تستطيع أن تكمل الاختبار، ولا يزال أمامك، المصفاة الثالثة، مصفاة الفائدة، هل من المفيد أن تخبرني بما فعل صديقي؟، مفيد؟! لا، في الحقيقة لا أعتقد أنه مفيد. فيعلق سقراط إن ما ستقوله عن صديقي ليس حقيقة ولا خيراً ولا فائدة فيه، فلم تريد إذاً أن أسمع منك ؟ من الأفضل أن تنسى كل هذا. وبعد ما سمعنا حكاية سقراط، دعني أسألك هل لاحظت كم وكالة للأنباء تركب معك المترو والباص كل يوم، وتأكل وتشرب معك في مكتبك، وهل مررتها عبر المصافي الثلاثة، ولاحظت إنها مجرد إشاعات وسموم ينفثونها بوعي أحياناً وبغباء أحياناً كثيرة. في زمن المخلوع كان هذا النوع يكتفي ببث أخبار عن فلان الذي تزوج، وفلانة التي تطلقت، وذلك خوفا من زيارة خاطفة لمقام سيدنا "لاظوغلي"، اما اليوم فالأمر اختلف، واتسع بث الوكالات المتجولة ليشمل الرئيس الذي قال كذا، والحكومة التي عملت كذا. حواديت المترو والباص وحتى القهاوي، اصبحت إدمان الشعب يجتمعون ويفترقون عليها، تستهويهم مع كل سحبة "شيشة"، وتشدهم ويعيدون روايتها مع كل شفطة شاي أمام فضائية مروجة. والإشاعة هي نشر الأخبار بدون تثبت، وغالباً ما يكون وراءها مقاصد خطيرة؛ إذ تعد الإشاعة سلاحاً مهماً في الحرب النفسية، وعادة ما يكون انتشار الخبر بحسب موضوعه وأهميته، وهو ما يحقق انتشاره على تويتر والفيس بوك. وأصبحت الإشاعة منتجا تديره مؤسسات خبيرة مفرغة لإجهاض الثورة واسقاط الرئيس، وكم كان العم "توماس كارلايل" مصيباً عندما قال إن قطيعاً من ملايين الأشخاص يمكن أن يتلاعب به شخص واحد. ولو أردت ان تمارس العمل السياسي بصدق وأمانة، فعليك أن تتحمل اشاعات باطلة، أو تختار الهجرة أو الصمت أو النفاق أو التعرض للمهالك، لأن هذا ببساطة هو ميراث الاستبداد السياسي الذي غرسه فينا مبارك. ومن تلك الإشاعات رسالة وصلتني على الإميل عنوانها جعلني أفطس ضحكاً من فرط غباء مرسلها، الذي يقول "بشرى إلى الأخوة من المرصد الإسلامى: الجيش معنا..والرئيس أدب السيسي"..! وفي آخر الرسالة تنويه هام يقول "برجاء نقل هذه المعلومات إلى جميع الأخوة، مع مراعاة عدم تسريبها (!!)،خاصة وقد لاحظنا أن بعض المعلومات التى نرسلها إليكم قد جرى تسريبها لوسائل الإعلام مما استدعى منا نفيها منعا لإحراج فخامة الرئيس و الاخوة".!! وعلى منوال الرسالة "الغبية" إنفراد نشرته جريدة "الوطن"، يفجر تسريب وثيقة للقضية رقم 333 لسنة 2012 تحقيق أمن دولة عليا، تتضمن مائة شخصية سياسية مستهدفة بالاغتيال، وبالعودة لأوراق القضية طلع الموضوع مجرد إشاعة و"فشنك". وكان مقصد إشاعة "الوطن"، إعطاء غطاء ومبرر سياسي للجريمة، فضلاً عن إرباك وتهيئة المجتمع للقبول بها، علاوة على محاكمة الرئيس وجماعته مسبقاً بجريمة لم تقع، والأهم إطلاق موجة جديدة من العنف والسخط الشعبي. المذيع يوسف الحسينى أحد مروجي الإشاعة اللامعين، مرة طلع إشاعة عن بيع مبنى ماسبيرو ووزير الاعلام نفاها، ومرة طلع إشاعة ان ابن الرئيس تزوج بنت د.قنديل، والفرح اتكلف كام مليون من ميزانية الدولة، والرئيس نفاها. ومرة أخرى طلع إشاعة ان ابن الرئيس اتعين فى إحدى شركات القطاع العام وبيقبض 38 ألف، ومرة طلع إشاعة ان بنت وزير الدفاع السيسى راحت اشتغلت فى نفس الشركة، ما اضطر الأخير إلى إصدار بيان ينفى فيه هبل الحسيني. المشكلة ومكمن الخطورة إن غالبية الاشاعات بتصل وكالات الأنباء الجوالة في المترو والباص وعلى القهاوي، لكن نفى الاشاعة لا يصل للناس كلها ولا يهتم به أحد، لذلك يجب محاكمة مروجي الإشاعات لأنهم عود الثقاب الذي يشعل كومة القش.