ارتفاع أسعار الذهب في مصر .. وعيار 21 يسجل 3100 جنيه    محافظ أسوان يتابع أعمال مشروعات مياه الشرب والصرف الصحى    محافظ المنيا يوجه بتنظيم حملات لتطهير الترع والمجارى المائية بمراكز المحافظة    «هاباج لويد»: خطر هجمات الحوثيين لم يمتد إلى البحر المتوسط حتى الآن    الدفاع الروسية: إسقاط مقاتلة سو-27 وتدمير 5 زوارق مسيرة تابعة للقوات الأوكرانية    وزير الشباب يشهد "المعسكر المجمع" لأبناء المحافظات الحدودية بمطروح    مصر تحقق الميدالية الذهبية فى بطولة الجائزة الكبرى للسيف بكوريا    حبس المتهمة بقتل زوجها بسبب إقامة والده معها في الإسكندرية    «الصحة»: إجراء 4095 عملية رمد متنوعة ضمن مبادرة إنهاء قوائم الانتظار    "الإسكان": استرداد 17990 متراً بالسويس الجديدة وقرارات إزالة في ببني سويف    «التنمية المحلية»: مبادرة «صوتك مسموع» تلقت 798 ألف شكوى منذ انطلاقها    برلماني يطالب بزيادة مخصصات المشروعات و الإنشاءات في موازنة وزارة الصحة    زيادة قوائم المُحكمين.. تحديث النظام الإلكتروني لترقية أعضاء هيئة التدريس    جامعة أسيوط تنظيم أول مسابقة للتحكيم الصوري باللغة الإنجليزية على مستوى جامعات الصعيد (AUMT) 2024    الرئاسة الفلسطينية: نحمل الإدارة الأمريكية مسؤولية السياسات الإسرائيلية الخطيرة    فون دير لاين تحذر الرئيس الصيني من "الممارسات التي تحدث خللا بالأسواق"    بمناسبة عيد ميلاده.. كوريا الشمالية تدعم الزعيم كيم جونج أون بقسم الولاء    "دور المرأة في بناء الوعي".. موعد ومحاور المؤتمر الدول الأول للواعظات    على مائدة إفطار.. البابا تواضروس يلتقي أحبار الكنيسة في دير السريان (صور)    موعد مباراة الأهلي والزمالك في دوري كرة السلة والقناة الناقلة    قبل مواجهة الاتحاد.. الحلفاوي يعلق على عدم تواجد موديست بين أساسي واحتياطي الأهلي    استياء في الزمالك بعد المشاركة الأولى للصفقة الجديدة    طارق العشرى يُخطط لمفاجأة الأهلي في مواجهة الثلاثاء    «يأتي حاملًا البهجة والأمل».. انتصار السيسي تهنئ الشعب المصري ب«شم النسيم»    محافظ بني سويف يتابع جهود الوحدات المحلية خلال احتفالات المواطنين بشم النسيم    النادي الاجتماعي بالغردقة يستقبل 9 آلاف زائر خلال شم النسيم والاستعانة ب 25 منقذًا    برج الدلو.. حظك اليوم الإثنين 6 مايو: تغيرات إيجابية    إيرادات علي ربيع تتراجع في دور العرض.. تعرف على إيرادات فيلم ع الماشي    "كبير عائلة ياسين مع السلامة".. رانيا محمود ياسين تنعى شقيق والدها    لماذا يتناول المصريون السمك المملح والبصل في شم النسيم؟.. أسباب أحدها عقائدي    في ذكرى ميلادها.. محطات فنية بحياة ماجدة الصباحي (فيديو)    مفاجأة.. فيلم نادر للفنان عمر الشريف في مهرجان الغردقة لسينما الشباب    وسيم السيسي: قصة انشقاق البحر الأحمر المنسوبة لسيدنا موسى غير صحيحة    5 ملفات تصدرت زيارة وفد العاملين بالنيابات والمحاكم إلى أنقرة    معهد أمراض العيون: استقبال أكثر من 31 ألف مريض وإجراء 7955 عملية خلال 2023    تضر بصحتك- أطعمة ومشروبات لا يجب تناولها مع الفسيخ    بالليمون والعيش المحمص.. طريقة عمل فتة الرنجة مع الشيف سارة سمير    7 نصائح مهمة عند تناول الفسيخ والرنجة.. وتحذير من المشروبات الغازية    التعليم تختتم بطولة الجمهورية للمدارس للألعاب الجماعية    رئيس مدينة مطاي يتفقد سير العمل بمعدية الشيخ حسن    إزالة 9 حالات تعد على الأراضي الزراعية بمركز سمسطا في بني سويف    فنان العرب في أزمة.. قصة إصابة محمد عبده بمرض السرطان وتلقيه العلاج بفرنسا    فشل في حمايتنا.. متظاهر يطالب باستقالة نتنياهو خلال مراسم إكليل المحرقة| فيديو    مقتل 6 أشخاص في هجوم بطائرة مسيرة أوكرانية على منطقة بيلجورود الروسية    مفاجأة عاجلة.. الأهلي يتفق مع النجم التونسي على الرحيل بنهاية الموسم الجاري    موعد عيد الأضحى لعام 2024: تحديدات الفلك والأهمية الدينية    إصابة أب ونجله في مشاجرة بالشرقية    ولو بكلمة أو نظرة.. الإفتاء: السخرية من الغير والإيذاء محرّم شرعًا    قصر في الجنة لمن واظب على النوافل.. اعرف شروط الحصول على هذا الجزاء العظيم    رئيس لجنة الدينية بمجلس النواب: طلب المدد من ال البيت أمر شرعي    بالصور.. الأمطار تتساقط على كفر الشيخ في ليلة شم النسيم    مفاضلة بين زيزو وعاشور وعبد المنعم.. من ينضم في القائمة النهائية للأولمبياد من الثلاثي؟    الدخول ب5 جنيه.. استعدادات حديقة الأسماك لاستقبال المواطنين في يوم شم النسيم    الأوقاف تحدد رابط للإبلاغ عن مخالفات صناديق التبرعات في المساجد    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 6-5-2024    دقة 50 ميجابيكسل.. فيفو تطلق هاتفها الذكي iQOO Z9 Turbo الجديد    البحوث الفلكية تكشف موعد غرة شهر ذي القعدة    استشهاد طفلان وسيدتان جراء قصف إسرائيلي استهدف منزلًا في حي الجنينة شرق رفح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإشاعاتي !
نشر في محيط يوم 10 - 09 - 2007


الإشاعاتي !
مأمون فندي
إشاعة مرض الرئيس المصري حسني مبارك، وما تلاها من استدعاء لرئيس تحرير جريدة «الدستور» ابراهيم عيسى للتحقيق، ثم إشاعة إغلاق صحيفة «الدستور» ذاتها، وما سبقتهما من إشاعات مثل الأغذية المسرطنة التي تعيشت منها بعض الصحف المصرية طويلا، ولن أذكر هنا عشرات الإشاعات الصغيرة مثل بخاخة الصليب أو العلكة المثيرة للرغبة القادمة من إسرائيل..
إشاعات تكشف لنا الكثير عن مجتمع مصر وقيمه أكثر من كونها تخبرنا بشيء محدد عن صحة الرئيس أو الأغذية المسرطنة وما سواها. من الشخصيات المصرية المقوضة للثقافة المدنية هي شخصية «الفهلوي» والتي ترمز لكل من يتحايل على القوانين ولا يلتزم بالمعايير، وبدلا من القضاء على هذه الظاهرة، تضيف مصر اليوم إليها شخصية «الإشاعاتي» التي انتشرت كظاهرة إعلامية. فاختلط الامر في مصر حتى لم نعد نفرق بين «الإعلامي» و«الإشاعاتي».
في مقال سابق، كتبت عن انثربولوجيا الكذب في لبنان، واليوم أتناول ظاهرة انثربولوجيا «الإشاعاتية» في مصر، أي من خلال عرضها في سياق الدراسات الانثربولوجية التي تعنى بدراسة العلاقة بين الشائعات وثقافة المجتمعات. الإشاعة بشكل عام هي تناقل المعلومات غير الموثقة، وهي من أولى الوسائل الإعلامية التي عرفها الإنسان.
تنتشر الشائعات في المجتمعات لسببين، أولهما غياب مؤسسات إنتاج الحقائق الاجتماعية التي تهم الناس فتأتي الإشاعة لسد الفراغ وملء الفجوة المعلوماتية، وثانيهما غياب مؤسسات التحقق والتأكد من صدقية المعلومة. وغالبا ما يحدث هذا في مجتمعات تعاني من تآكل لمنظومتها القيمية، دينية كانت أم دنيوية، فلماذا لا تنتشر شائعات كهذه في مجتمعات متطورة كبريطانيا مثلا، رغم عدم وجود نص مقدس لديهم بصرامة النص القرآني في نهيه عن الغيبة والنميمة!..
الأخطر في ظهور الشائعات في المجتمع هو أن تتناقل الإشاعة وسائل إخبار حديثة كالصحف أو الإذاعات أو التلفزة. أي أن تصبح الإشاعة مصدرا للخبر من دون التأكد من صدقيتها، فتتحول وسائل الإعلام التي يفترض أنها تؤدي دورها في الإخبار الصادق إلى «إشاعاتي» بالألوان.. إذا ما رأيت ذلك في مجتمع ما فتأكد أنك أمام حالة من موت المعايير ومعها موت الصدق كظاهرة اجتماعية أو كقيمة دينية.
في أي مجتمع تتقاطع فيه الشائعة مع الخبر الصحافي لا بد أن هذا المجتمع يعاني من غياب في مفهوم المعقولية بالحكم على الأمور. فمن المعقول مثلا أن يمرض رئيس أي دولة في العالم، أو أن يتوارى عن الظهور الإعلامي لسبب أو لآخر، ولكن من غير المعقول أن يضخم بالصورة التي ضخم بها في مصر. غياب المعقولية يكشف عن ملامح مجتمع مريض، فعندما تسقط الحدود بين الإشاعة والخبر يعني ذلك غياب العقل الذي يستطيع التمييز.
فهل مصر اليوم، أو على الأقل وسائلها الإعلامية، قد خلت من هذا العقل؟.. هذا أمر يحتاج إلى بحث ميداني، ولكن الذي لا أشك فيه هو أننا أمام ملامح مجتمع بدائي يعتمد على الإشاعة كوسيلة اتصال، أو أننا أمام مجتمع ما بعد حداثي فانتازي يموت فيه المؤلف، كما يرى الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو، ليولد فيه الفرد الإشاعاتي، صحافيا كان أو سياسيا!
تبدأ الإشاعة صغيرة وتكتسب مبالغات كلما تناقلتها الألسنة، وتزداد المبالغة كلما تحركت الإشاعة في تجمعات بعيدة عن مصادر الأخبار. وبنفس الطريقة غالبا ما تنقى الإشاعة من الشوائب والمبالغات كلما تحركت في اتجاه تجمعات عليمة بحقيقة الخبر. فإشاعة مرض الرئيس مثلا تصبح أقرب إلى الموت في مجاهل الصعيد حيث البعد عن مصدر الخبر، أو تصبح مجرد نزلة برد كلما اقتربت من الإسكندرية، لتكون مجرد صداع عندما تقترب من برج العرب أو من مارينا حيث يقيم من هم قريبون من مصادر الأخبار.
هناك دراسات عديدة حول انثروبولوجيا الإشاعة، وهناك جدل أكاديمي كبير حول علاقة الإشاعة بالحقيقة. فبينما يرى البعض أن من ضرورات استمرارية الإشاعة أن تحتوي على شيء ولو قليل من الحقيقة، كما يقول المثل العربي «لا دخان من غير نار»، يرى البعض الآخر أن الحقيقة الجزئية هذه ليست ضرورية لتداول الإشاعة، ويذهب بعض الباحثين إلى القول بأن أهم شروط استمرارية الإشاعة ألا يكون لها أي أساس من الصحة، أي برأيهم ان خلو الإشاعة التام من الحقيقة هو ما يكسبها الاستمرارية والنمو. ظهور الرئيس مبارك مع ملك الأردن ومع ممثل الرباعية الدولية للشرق الأوسط توني بلير، يدل على أن إشاعة مرض الرئيس المضخمة خالية تماما من الحقيقة، وربما هذا سبب استمرارها وفقا للنظرية الأخيرة.
قسم علماء الانثروبولوجيا الإشاعة إلى ثلاثة أنواع: النوع الأول هو الإشاعة التي تعكس تفكيرا رغبويا أو أماني لجماعة ما، وهو ما قد يساعد في تفسير انتشار شائعة مرض الرئيس المصري، فلا بد أن هناك جماعة ما في مصر لديها الرغبة والأمنية بأن يخلو لها مقعد الرئاسة.
أما النوع الثاني فتكون فيه الإشاعة انعكاسا لقلق أو خوف عام، ويمكننا أن نقول هنا إن هذا التفسير قد ينطبق أيضا على شائعة مرض الرئيس، فهناك بلا شك فئة كبيرة من الناس يساورها قلق تجاه مسألة من سيخلف الرئيس، وخصوصا في حالة غياب نائب له وعدم وضوح آليات انتقال السلطة..
علما أنه وفقا للدستور المصري، فإن رئيس مجلس الشعب يملأ هذا الفراغ لمدة ستين يوما. ولكن حتى هذا النص الواضح والصريح أصبح لا يصدق نتيجة اللغط المثار حول الموضوع في المجتمع القاهري الإشاعاتي بامتياز. النوع الثالث من الإشاعات هو الإشاعة التي تحاول بث الفرقة أو الشقاق، وهو التفسير الذي تبناه من هم قريبون من الحكم، باتهامهم أعداء الخارج والداخل بالرغبة في إثارة فتنة في مصر.
عندما تتآكل صدقية الوسائل الرسمية لنقل الأخبار أو تقل شفافيتها، يروج سوق الشائعات. وفي حالة تشتد فيها حدة الصراع بين السلطة والمعارضة (كما هو الحال بين «الإخوان المسلمين» والدولة المصرية)، قد تلجأ المعارضة لمحاربة الرواية الرسمية بالشائعات.
ولا يهمنا اليوم من يمتلك الحقيقة، بقدر ما يجب أن يشغلنا غياب معايير التثبت من الحقائق. يحزنني، كمصري، أن أقول إن المجتمع المصري في الفترة الأخيرة يعاني من غياب المعايير على كافة الأصعدة الاجتماعية والسياسية والثقافية، سواء في نشر الكتب والمطبوعات التي لا تحظى بتدقيق أي لجان علمية أو ثقافية، أو في نشر الأخبار، حيث تسيطر الشائعات وثقافة الكسل والتواكل والدسائس كبديل عن الصحافة المحترمة. غياب مؤسسات التأكد من الصدقية يجعل الخبر القادم من مصر في معظم الأحيان مشكوكا فيه، ويختلط على قارئه أو سامعه الخط الفاصل بين الحقيقة والإشاعة.
علاقة الفرد بالإشاعة يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أنواع حسب موقف الفرد من الإشاعة وطريقة تعامله معها. العلاقة الأولى تخص الفرد الذي يعيش في مجتمع عقلاني متطور يمنحه القدرة على فرز الحقيقة من الكذب، أي أن يتخذ الفرد موقفا نقديا من الإشاعة. وهذه القدرة تتبنى مؤسسات في المجتمعات المتقدمة تنميتها لدى الفرد منذ الصغر ابتداء بالمدارس مرورا بالجامعات ووسائل الإعلام والجمعيات الإنسانية، الخ..
في هذا النوع من المجتمعات قلما يكون لدى الفرد دافع لنقل الإشاعة بشكل تطوعي. العلاقة الثانية هي التي لا تكون لدى الفرد فيها الأدوات أو القدرات لتمييز الصدق من الكذب ويتقبل الإشاعة ويصدقها لكنه لا ينقلها. أما العلاقة الثالثة ففيها يتلقى الفرد الإشاعة ثم يتطوع بنقلها إلى أكبر عدد ممكن من البشر، معنى ذلك أننا أمام حالة قرر فيها الفرد إلغاء عقله تماما، وغالبا ما تكون في سياق ثقافي متخلف. العلاقة الثالثة هي الأقرب إلى ما شهدناه في قصة إشاعة مرض الرئيس المصري.
ظهور شخصية «الإشاعاتي» إلى جانب شخصية «الفهلوي» هو إنذار بأننا أمام ملامح مجتمع تظهر عليه أعراض مرض غياب المصداقية وترهل المؤسسات العاملة عليها. وفي حالة مصر كدولة كبرى في المنطقة تحيطها تحديات لا يستهان بها، لا بد أولا أن نعترف بالمرض كي تكون لدينا النية الصادقة في التخلص منه.
لا يكمن الحل في محاربة الإشاعة بإشاعة أكبر أو مواجهة «الإشاعاتي» ب»الفهلوي».. الحل يكمن في مواجهة النفس وفي بناء مؤسسات التحقق من المعلومة. ولنبدأ بالإعلام، فمصر اليوم بأمس الحاجة إلى التفريق بين «الإعلامي» و»الإشاعاتي».
عن صحيفة الشرق الاوسط
10/9/2007


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.