بعد النضوج والاقتراب من اكتمال الرؤى لدى الافراد والجماعات لا يمكن النظر بين اقدامنا ولا يمكن ولا يجوز البقاء على ذلك طويلا حيث يتوفر هنا ما يمكن الاعتماد عليه من قواعد فكرية رصينة مكتنزة كافية للنهوض والبقاء والاستمرار السليمين, ولا ادري متى تكتمل الرؤى لدى سياسي السلطة اليوم? ولماذا يتمنون أن يغفل عنهم الجميع? ولا اعلم إن كان في امنيتهم هذه صواب أو إدراك? ولماذا تطلب احدى البرلمانيات العراقيات من المثقفين الا يترفعوا على السياسيين, وقد قصدت سياسيي السلطة? وهل في طلب السيدة الكريمة شرعية ما, الا يوجد ما يوجب الترفع عليهم وانا لا اترفع عليهم فقط بل انني استنكر الكثير من افعال الكثيرين منهم لكنني اترفع بادب تستحقه الذات البشرية المترفعة . عند الحديث عن سياسيي السلطة اليوم فاننا نتحدث عن اناس عاشت غالبيتهم كمناضلين عجت بهم المنافي في مقتبل اعمارهم وعادوا شيوخا يكسوهم الشيب واخرين صغارا وعادوا اليوم شبابا وحكاما, ويفترض بمن امضى حياته سياسيا مناضلا من اجل الديمقراطية وحقوق الانسان والحوار واللاعنف أن يكون مفكرا ومسؤولا في مجتمعه ساهرا عليه وأن يديم حياته مناضلا بعد بلوغه السلطة حفاظا على رصيده النضالي كملكية ذات اعتبار وقدسية عاليين, وكذلك عليه أن ينظر خلفه وبين يديه وفي محيطه وأمامه مليا طويلا وبواقعيةعالية, ومن يطلب الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان ويدعو الى اللاعنف عليه طلب ذلك من منطلق الادراك والحاجة اليها وأن يعلم ما هو المطلوب لبلوغ ذلك ومع الاسف لم نر ما يجعلنا انهم يدركون ان لذلك ثقافة لم ندركها بعد ولا زلنا لم نسع الى بلوغها ولكننا سعينا الى الدم من اجل الدم . لم ينظروا خلفهم ويروا أن سواد جماهيرهم البسيطة المجردة من كل شيء لاكثر من خمسين عاما من السهل جدا أن تكون حطاما او حطباً هشا سريع التآكل امام اضعف الفتن فتهلك ويهلكوا معها ولم يروا ان العراق بحاجة الى اصلاح الحقبة الجمهورية السابقة ومنذ عام 1958 وحتى سقوط الديكتاتور عام2003 حيث قامت السلطة وتعاقبت في العراق بالدم والعنف والسلب والنهب, فثورة عام 1958 قامت على العنف والدم والسلب والنهب والتمثيل باجساد القتلى المغدورين ورغم كل ذلك سارت الجماهير وراء الثورة وقادتها باحترام في حين تفتقر تلك الثورة الى ذلك فقد قتلت ملكا اختاره العراقيون جميعا في حين ان الثورة فرضت حاكما على الجماهير بالدم والعنف فلم تفرض بديلا افضل بل فرضت حقبة جديدة من البؤس على العراق ولا زال الشعب يدفع ثمن تلك الجريمة, الا ان عدل ربك قائم ابدا وسداد الدين من جنسه وطريقته ووقع قصاصه على الجميع موت قادة ثورة عام 1958 قصاصا وماسلبوه سلبه القوميون والبعثيون الذين وصلوا إلى السلطة كخلفهم بالدم وقد اخذ صدام حسين السلطة من رئيسه البكر عنوة فقد حدث ان اخذ البكر وشركائه السلطة من الرئيس المسالم عبدالرحمن عارف رحمه الله سلبا ايضا وقصاصا على صدام حسين ما اوقعه على شريكه البكر كما حدث مع عبدالسلام عارف ما احدثه على شريكه ورئيسه عبدالكريم قاسم قتل الاباء كما قتل ابناء الشعب ورأى ابناءه قتلى كما رأى سائر الاباء ابنائهم وسجن كما سجن الاخرين واشتكى ليعلم كيف اشتكى الاخرون والحياة قصاص ورغم ايماني بالقصاص والعفو قبله الا انني لم أقبل بالطريقة التي حوكم وأعدم بها صدام حسين ولم ترقني اكثر التبريرات التي اطلقت ردا على الانتقادات التي وجهت إلى من نفذوا الاعدام وكنت آمل وأرغب في استمرار المحاكمة حتى نهايتها وان يحكم على صدام حكما منفردا بكل دعوة يدان فيها فالطريقة التي اعدم فيها صدام لم تعبر عن بديل متحضر. حفلت سني الثمانينات من القرن الماضي بعبر كثيرة يمكن الاستفادة منها ومنها مهالك حرب ايران غير المشروعة واحتلال الكويت الذي كان قرارا صادرا من حانة في اواخر ليلها لم تعرف للصحوة والصلاح سبيلا وكانت ضحايا تلك الحماقات شعوبا ودولاً بدءا من الكويت التي احترقت وسلبت اموالها ومقدراتها وقتل ابرياؤها ودولة العراق التي مات جنودها جوعا وهلاكا في المعركة ودمر جيشها ودخل الحرام الى اسواقها وبعض بيوتها وحوصر شعبها وتبعتها التسعينات بالقصص المثيرة والعبر والتجارب الكثيرة بين المعارضة وصدام من جهة واطراف المعارضة من جهة اخرى وجزء من ذلك كفيل بتوفير القاعدة البيانية اللازمة للنهوض بالعراق الجديد عراق ديمقراطي متعاف وآمن كما هو مخطط له وكما ينبغي أن يكون. وكل ذلك كان كافيا للابتعاد من ثقافة العنف المتأصلة لدى الجماهير التي غفت وافاقت على لون ورائحة الدم وتبعاته من آلام ومعاناة المت بالجميع واهلكت قلوبهم, وبدلا من الاصلاح والابتعاد برعيتنا بعيدا من الدماء ولغة الموت فعلنا خطابا سياسيا بالاثارة وصولا الى الدم من اجل السلطة حتى طغى الموت على كل شيء واصبح من المبكيات المضحكات فلم يعد مؤلما ان ترى مقتولا امامك او تسمع بموت احدهم او اصابته وان حدث شيء فمجرد صدمة عابرة تمر بسهولة .. وترك الامر على حاله لن يدعم سلطة القانون او يدعم قيام دولة القانون بل سيكرس لانفصال عقائدي بين الفرد المفترض انه يملك احساسا بالمواطنة وبين السلطة ووسيلة ادارتها للبلاد وهو القانون واستدل بذلك على موقف رأيته بام عيني في منطقة اليرموك باتجاه ساحة النسور في بغداد عند مرور موكب جنازة عسكرية يتوسطها تابوت مغطى بعلم العراق ولم يقم لها الناس وزنا ولم يقدم لها ادنى احترام وخصوصا ان موروثنا الاجتماعي يهاب الجنازة ويحترمها ويقف امامها في الشارع والسيارة لتحيتها والسلام عليها, بل نكلوا بها, وبنفسي طلبت من بعض الناس باحترام تلك الجنازة وعدم النيل منها فكلنا الى الله سائرون فلم يعيروا لي اهتماما.. ولا اعلم ما اذا كان هذا الرفض لان الجنازة كانت عسكرية وسلوك من في الموكب مستفزا بسلاحهم وبدلاتهم العسكرية المتعارف عليها بالطابع التسلطي ام ان الناس اعتادت الموت والموتى والافتراض الاول هو الاصح فللبدلة العسكرية موروث لم تتخلص منه بعد ونخشى اعادة تكريس عسكرة البلاد من جديد. الموقف الجماهيري لا إثارة السياسيين, والموقف السياسي في العراق لا يحتمل منطق الهواة, في حين يحتاج العراق إلى أن يصبح ويكتمل كدولة بمفهوم وضوابط الدولة وعندها سيكون اقامة سلطة ما ستكون حكومة لدولة العراق وليس المسمى التاريخي (العراق) يجب ان تجتمع عناصر تكوين الدولة ويجب ان يكون لها عقيدتها الادارية النقية وبعدها يمكن للراغبين بالسلطة ان يتقاسموا ويقتتلوا, ليقتتلوا في دولة قائمة, دولة وحكومة لكيان واحد وليس اكثر, والارادة الحرة والتي هي مطلبنا الاساسي في عراق اليوم باتت مرهونة. والى عالم أفضل.