القدس - خاص ل"مصر الجديدة" - أعلن يائير لابيد، السياسي جديد العهد، في يناير (كانون الثّاني) من العام المنصرم، عن استقالته من مجال الصحافة والإعلام، ورغبته في خوض الميدان السياسي، وتفاوتت آنذاك التوقعات إن كان سيصبح نجما سياسيا، أم أن شعلته سرعان ما ستنطفئ. ولكن النتائج النهائية للانتخابات الإسرائيلية، والتي أجريت أمس الثلاثاء، أفرزت أن حزب لابيد، "يش عتيد" (يوجد مستقبل)، حصد 19 مقعدا من أصل 120 مقعدا في الكنسيت ال 19. وأجمعت عناوين الصحف الإسرائيلية أن لابيد هو مفاجأة الانتخابات الإسرائيلية الكبرى، وأن الأحزاب الإسرائيلية، من اليمين ومن اليسار، ولا سيما حزب "الليكود" بزعامة بنيامين نتنياهو، سيغازلونه بدون انقطاع. من هو يائير لابيد؟ وكيف وصل إلى المرتبة الثانية بين الأحزاب الإسرائيلية بعد أن تقدّم على حزب "العمل" بزعامة شيلي يحيموفتش (15 مقعدا)، وتفوّق على الأحزاب اليمينية مثل حزب، "البيت اليهودي" بقيادة نفتالي بينيت (11 مقعدا). دوّن لابيد على صفحة "فيسبوك" الخاصة به، في يناير 2012، بعد اعلانه دخول السياسية: "انطلقت الى طريق جديد. مسلحا بالحقيقة أنني أقوم بأمر اؤمن به. انتم جماهيري، واستمد منكم قوتي. أعدكم بأن اصغي لمطالبكم وبأن اطْلعكم على كل جديد". وكتب لابيد طوال الوقت حول مواضيع سياسية شغلت الشارع الإسرائيلي، ومن هذه القضايا كانت إقصاء النساء في إسرائيل من الحيز العام، حيث علّق لابيد على القضية سائلا اليهود المتدينين، تحديدا المتزمتين: "هل تقبلون العيش في دولة تمنع اليهود من الغناء؟ وتمنعهم من الجلوس في مقدم الحافلات؟ " مشددا أنهم لن يرضوا بهذا، ومتسائلا "لماذا إذن تصلح هذه القيود في دولة اليهود". وهنّأ عديد من السياسيين آنذاك لابيد، بعد اعلانه دخول السياسة، منهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مستقبلا إياه في يناير العام المنصرم: "اهلا وسهلا لحلبة السياسة". وتمنت رئيسة حزب "العمل" شيلي يحيموفيتش النجاح للابيد، قائلة عنه: "(إنه) إنسان فريد من نوعه وصاحب قدرات ستعود بالنفع على السياسة والمجتمع". واليوم هما، نتنياهو ويحيموفتش، نادمان على دخول لابيد إلى الساحة السياسية، بعد أن تبيّن أنه الرابح الأكبر. ومما جاء في صفحة "فيسبوك" الخاصة بلابيد عن رؤيته الاجتماعية، متأثرا من الاحتجاجات الشعبية التي ظهرت في إسرائيل عام 2011، "السنوات الاخيرة أوضحت لنا (الإسرائيليين) انه يتعين علينا أن ننشأ بنية جديدة للتعايش المشترك، لا تستند فقط الى ضرورة الصمود في وجه أعدائنا... يجب علينا بناء نظام مدنيّ جديد". تنطبق مقولة "ابن الوز عوام" على يائير لابيد، فهو ابن السياسي المعروف يويسي "تومي" لابيد، والذي عمل أيضا في مجال الصحافة والإعلام وقاد بعدها حركة "شينوي" تعني "تغيير". وحصلت الحركة عام 2003 على 15 مقعد في الكنيست ال16 وشغل خلالها "تومي" لابيد منصب وزير العدل ونائب رئيس الوزراء. وعُرف تومي بأفكاره ومواقفه العلمانية. واعتبر ممثلو الأحزاب الدينية في البرلمان الإسرائيلي، طموحات لابيد "الابن" السياسية، انها ستكون نسخة طبق الأصل لأبيه، أي خصما لدودا لمواقفهم الدينية المتحفظة. ويذكر أن لابيد ولد عام 1963، متزوج وأب لثلاثة أولاد. تلقى تعليمه في تل أبيب ولندن، حيث زاول الإعلام، وقد كتب في الصحف المشهورة في إسرائيل مثل: معريف ويديعوت أحرونوت. وعمل في التلفزيون الرسمي والتجاري. وألّف لابيد عشر روايات، معظمها من النوع الدرامتيكي، تعتمد على عنصر التشويق، حظيت على إعجاب الكثيرين في إسرائيل. إضافة لذلك، مارس لابيد في شبابه رياضة الملاكمة، وهو ما زال يحافظ على لياقة بدنية جيدة، ويُظهر انه ضليع وقوي. وقرص بعض النواب من الكتل اليمينية النجم السياسي الجديد زاعمين انهم لا يراهنون على قدرة بقاء لابيد في حلبة المصارعة السياسية. ويذكر ان اسم لابيد اتصل ب "قانون لابيد"، وهو مشروع قانون ينص على منع الإعلامين من استغلال منصبهم في تمهيد الطريق للسياسة. وإن خرج هذا المشروع الى حيز الوجود فسيُجبر الإعلاميين والصحافيين بالتقاعد لفترة لا تقل عن سنة، قبل خوض أي عمل سياسي.
وكانت العينات الانتخابية التي نقتلها وسائل الإعلام الإسرائيلية، مساء أمس قد أشارت إلى تقدّم يائير لابيد، زعيم حزب "يش عتيد" (يوجد مستقبل)، في معسكر اليسار والوسط في الانتخابات الإسرائيلية. وأظهرت النتائج أن لابيد حاز على 18 – 19 مقعدا، وأن قائمة "الليكود بيتنا" حازت على 31 مقعدا، بعد توقعات كبيرة بفوز سهل في المعركة الانتخابية الراهنة. وتعد هذه النتيجة، مفاجأة كبرى لمعسكر الوسط – اليسار الإسرائيلي، وضربة قاسية لمعسكر اليمين بقيادة رئيس الحكومة الراهن بنيامين نتنياهو. وكانت استطلاعات الرأي التي أجريت قبل الانتخابات قد توقعت حصول لابيد على 12 مقعدا وتمركزه في المرتبة الرابعة بعد حزب "العمل" بقيادة شيلي يحيموفتش، وحزب "البيت اليهودي" بقيادة نفتالي بينيت. ومن المتوقع أن يقود لابيد كتلة الوسط – اليسار في إسرائيل، والتي تؤمن بتقديم قيم ليبرالية، وعلمانية، وتعزيز التربية والتعليم. وركز لابيد، الإعلامي في السابق، في برنامجه السياسي، على الشؤون الاجتماعية، ولا سيما تكريس المساواة في المجتمع الإسرائيلي وتعزيز الطبقة الوسطى. ويطالب لابيد في برنامجه السياسي تجنيد الحريديم ( المتدينين المتشددين)، وتوزيع العبء في المجتمع الإسرائيلي على نحو متساوٍ، رافعا شعار "جئنا لنغيّر". أما على المستوى السياسي، ينشر حزب "يوجد مستقبل" على موقعه الانتخابي، أن الحزب يدعم مساعي العودة إلى طاولة المفاوضات، والتوصل إلى سلام مع الفلسطينيين وفق مبدأ "الدولتين لشعبين". وصرّح مرشح الحزب، رجل الأمن في السابق يعقوب بيري، إبّان المعركة الانتخابية، حين سئل عن إمكانية انهيار السلطة الفلسطينية اقتصاديا، قائلا: "انهيار السلطةسيكون حدثا كارثيا لإسرائيل". وانشغل الإعلام الإسرائيلي، خلافا لنتائج العينات الانتخابية، بنجم اليمين الصاعد نفتالي بينيت، والذي حاز وفق العينات الانتخابية على 12 مقعدا. وركزت الصحف على تصاعد اليمين الإسرائيلي، ولا سيما اليمين المتطرف، وساد الاعتقاد أن نتنياهو يخوض معركة انتخابية سهلة، وأنه سيُقيم ائتلافا حكوميا ذا طابع يميني. وعبر وزير التربية والتعليم والقطب من حزب "الليكود"، جدعون ساعر، صباح اليوم، عن قلقه إزاء نسبة التصويت العالية خلال الانتخابات، مشيرا إلى أنها تدل على تصويت عال في مناطق اليسار الإسرائيلي. وأشار محللون سياسيون في إسرائيل إلى أن نتائج الانتخابات هي صدمة غير متوقعة لحزب الليكود وأن الحزب يعيد حساباته، ويعتبر المعركة الانتخابية الراهنة فاشلة. وكان حزب "الليكود" قد أعلن، قبل الانتخابات، عن توحيد الحزب مع حزب "إسرائيل بيتنا"، وخوض الحزبان الانتخابات في قائمة موحدة، اعتبارا أن التوحيد سيحصّل للحزب مقاعد أكثر في الكنسيت الإسرائيلي. وتظهر نتائج العينات أن خطة الليكود توحيد صفوفه مع إسرائيل بيتنا لم تحقق هدفها المنشود، وأن نتنياهو سيواجه معضلة حقيقية في تأليف حكومة مستقرة. وتواترت التقارير في وسائل الإعلام الإسرائيلية منذ الساعة السابعة صباحا، أن نسبة التصويت في الانتخابات الجارية عالية، مقارنة مع الانتخابات الماضية، وأن أكثر من 5 ملايين ونصف المليون ناخب إسرائيلي، 15% منهم عرب، خرجوا للإدلاء بأصواتهم لانتخاب 120 عضواً في الكنيست الإسرائيلي من بين مرشحي 32 حزباً.