«المرأة آخرُ مستعمرات الرجل. هذه حقيقة يعرفها الرجل؛ يتحسس وطأتها، ويتهيَّب نتائجها. لذلك تراه يقاتل، على الجبهات كافة، كي لا يسلِّم بخروج هذه «المستعمرة» من أملاكه، كي يمنع تحرُّرَها واستقلالها، أو كي يؤجل أحكام التاريخ فيه إن لم يستطع إلى إعدامها سبيلًا!» بهذه الكلمات يُصدِّر الباحث المغربي عبد الإله بلقزيز (تحرير وتقديم) كتاب «المرأة العربية من العنف والتمييز إلى المشاركة السياسية» (مركز دراسات الوحدة العربية، 2014). الشاهد أن قصة المرأة مع المجتمع الذكوري تزدحم بوقائع المعاناة؛ فهي فقدت، في هذا المجتمع، حقوقها الطبيعية والمدنية المكتسَبة، ونوزِعت فيها بقوةِ الأمر الواقع القهري، والمَحمِيِّ بالقوانين والأعراف والقيم الجمعية المكرَّسة في ذلك المجتمع، والمترسخة بفعل الزمن. ولم تكن محنةُ المرأة، فقط، مع دولةٍ تتحيز ضد حقوقها، وتفرض عليها التمييز في المعاملة، وإنما كانت -وما برحت حتى اليوم- مع مجتمعٍ ذكوري ينازعها الحق في المساواة والمواطنة الكاملة؛ باسم الدين، أو باسم القانون، أو باسم العُرف، أو باسمها جميعًا. ولا يتعلق ذلك بالتيارات المحافظة في هذا المجتمع، حصرًا، بل حتى بتلك التي مستها رياحُ الحداثة بدرجاتٍ متفاوتة؛ فهذه نفسُها تبلَع حداثتها في الغالب ما إن يتعلق الأمر بحقوق المرأة، وكثيرًا ما تكون هذه الحقوق عندها محض شعار سياسي ترفعه في وجه خصومها المحافظين، وتنساه عندما تصل إلى السلطة. من وجوه انتهاك حقوق المرأة وآدميتها العنفُ الذي يُمارَس، في المجتمع، ضد النساء: في الأسرة، وفي أماكن العمل. وهو عنفٌ مزدوج: جسدي ونفسي أو معنوي. العنفُ هذا ثمرةُ ثقافةٍ ذكورية لا ترى إلى المرأة بوصفها كيانًا إنسانيًا مستقلًا ذا حُرمة، بل بما هي موضوع تسخير خاضع لسلطان الرجل المادي والمعنوي. ومع أن القوانين مقصّرة في تجريم العنف الأسري، أو العنف الإنتاجي (المهني) ضد المرأة، فإن القليل منها، الذي يحفظ للمرأة كرامتَها وحقوقَها، لا يُحترَم أو يلتزَم به في منظومة العلاقات الاجتماعية العامة بسبب هيمنة القيم الذكورية في المجتمع. وإذا كان هذا العنف سمة عامة في المجتمعات، حتى المجتمعات المتقدمة؛ لأنها تعاني سيادة العلاقات والقيم الذكورية، فهو أظهرُ في مجتمعاتنا العربية حيث القيم الذكورية تلك متغلغلة في مسام الناس -بمن فيهم النساء من أسفٍ شديد- وحيث المجتمع يُضفي على تفوق الرجل شرعية دينية. يُقدِّم كتاب «المرأة العربية من العنف والتمييز إلى المشاركة السياسية» مجموعة دراسات تتمحور حول قضايا العنف والتمييز ضد المرأة في بعض البلدان العربية من جهة، فيبحث في مجموعة العوامل الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والقانونية المؤثرة في مدى استمرار حضور هذا العنف والتمييز ضد المرأة في المجتمعات العربية. وهي تتمحور حول تجارب في المشاركة السياسية للمرأة من جهة أخرى، ساعية لتقييم تلك التجارب ولتحليل العوامل الداعمة والأخرى المعيقة لعملية المشاركة السياسية للمرأة العربية. وعبر 191 صفحة، يستعرض الكتاب مجموعة من القضايا المتعلقة بالمرأة العربية، ففي الفصل الأول نطالع موضوع «العنف والتمييز ضد المرأة في المغرب: مقاربة سوسيولوجية»، للباحث عصام عدوني. يقول عدوني إن الصورة التي يمنحها المجتمع المغربي عن نفسه اليوم هي صورة مجتمع يعرف «انتقالات» في جميع مناحي الحياة؛ مجتمع يعيش في كنف وضعية«المابين» التي تجعله يتأرجح بين مشروعين متناقضين، أي بين وضعيتين رمزيتين متغايرتين، أو بين الرغبة في الانخراط الكلي في قيم الحداثة من جهة، أو الرفض المطلق لها أو التعامل الاستراتيجي معها الذي يقتضي التأرجح الدائم بين حديها بحسب السياقات والمصالح (ص 35). لكن هذه الاختيارات تتم في سياقات اقتصادية وسياسية واجتماعية موسومة بالاضطراب: تحضُّر متسارع، انتقال ديمغرافي، سلم اجتماعي هش، نمط عيش استهلاكي، فقر وهشاشة كثيفة، معدلات بطالة وجريمة وعنف مرتفعة، تمييز واستغلال جنسي. في الفصل الثاني، الذي يحمل عنوان «صورة المرأة في البناء الثقافي – الاجتماعي في الأردن»، تناقش الباحثة ميسون العتوم تمثلات النساء في عيون النساء، والتمثلات التي يرسمها الرجال عن النساء، وصورة المرأة الند، والمرأة المواطنة، في عيون فئة قليلة من المبحوثين اصطلحت الباحثة على تسميتهم ب«الحالمين». تستفيض الباحثة في الحديث عن مؤسسة الزواج وتكريس هوية الأم، ودور الزواج في بناء ملامح المرأة الأردنية، كما تتطرق إلى التقسيم غير المتكافئ للعمل بين الجنسين، فضلًا عن ملف الانتماء الطبقي ودوره في بناء الفوارق بين النساء ( ص 50-56). في الفصل الثالث، الذي حمل عنوان «حجج هشة بمواجهة قضية عادلة: مناقشة حول مشروع قانون حماية المرأة من العنف الأسري»، تفتح الباحثة عزة شرارة بيضون باب النقاش حول مشروع القانون الذي تقدمت به «حملة تشريع حماية النساء من العنف الأسري» من مجلس الوزراء اللبناني، بهدف حماية النساء من العنف الأسري، وهو قانون لا تقتصر مواده على عقاب الجاني أو الجانية، فهي تشتمل على تدابير وقائية وأخرى توفر الحماية للمرأة المعنّفة أو تتعامل مع تداعيات العنف عليها (ص 61). أما الفصل الرابع، وعنوانه «المشاركة السياسية للمرأة الفلسطينية»، فإن الباحثة دنيا الأمل إسماعيل ترى أنه في المجتمع الفلسطيني الذي يتسم بالمحافظة، وباحتفاء أقل بإمكانات النساء في ظل هيمنة ذكورية تستأثر بالنصيب الأكبر من فعاليات الحياة المختلفة، يُتوقَع من المرأة أن تبذل جهودًا مضاعفة من أجل إدماجها في عملية صنع القرار. وتضيف أنه على الرغم من تنامي الاهتمام الفلسطيني بموضوع المشاركة السياسية بشكلٍ عام، والمشاركة السياسية للمرأة بشكل خاص، فإن هذا الاهتمام لم ينعكس بدرجة كافية في مختلف سياسات السلطة الفلسطينية وممارساتها إلا في حدها الأدنى، ولاعتبارات مستمدة غالبًا من الضغط الدولي والجهات المانحة، فيما تبقى جهود الكثير من المنظمات النسوية والناشطات النسويات خارج عملية صنع القرار الحقيقية (ص 90). في الفصل الخامس: «المشاركة السياسية للمرأة بالمغرب: الدلالة الاتفاقية والاحتجاجية»، يقول الباحث كولفرني محمد إن المشاركة السياسية للمرأة في المغرب مرتبطة مرحليًا وواقعيًا بتوسيع دائرة التمييز الإيجابي، وعدم التوظيف السياسي لمشاركتها الاتفاقية. كما أنها مرتبطة على مستوى المشاركة الاحتجاجية بالنقد الجذري للمجتمع البطريركي وامتداداته الفردية والجماعية التي تؤمّن السيطرة الذكورية في المجتمع المغربي سياسيًا وفكريًا ومعرفيًا. ويضيف أنه إذا كان المغرب قد أعاد الاعتبار للمرأة مع مدونة الأسرة، وأسس لمبدأ المساواة بين الجنسين في دستور 2011؛ فإن «تأنيث» السياسة أضحى ضرورة تاريخية لأنه السبيل الوحيد لإضفاء الصدقية على السياسة (ص 141-142). تتوالى فصول الكتاب المهم، لتشمل في الفصل السادس: «المرأة والسياسة في الجزائر»، للباحثين سمارة نصير ورشيد تلمساني؛ وفي الفصل السابع: «سرديات ثورة 14 كانون الثاني/يناير على لسان نساء تونسيات: ظواهر اجتماعية متناقضة وأدوار»، للباحثة سميرة الولهازي؛ وأخيرًا في الفصل الثامن: «المشاركة السياسية والتمكين السياسي للمرأة العربية: حالة الجزائر»، للباحث بو رغدة وحيدة.