قبل يوم واحد من انطلاق انتخابات عمدة مدينة نيويورك، تصاعدت حدة المواجهة السياسية والإعلامية بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والمرشح الديمقراطي زهران ممداني، في سباق وُصف بأنه الأكثر إثارة للجدل في تاريخ المدينة الحديث. تتنافس ثلاثة أسماء بارزة على منصب العمدة: الديمقراطي زهران ممداني، والمستقل أندرو كومو، والجمهوري كورتيز سيلوا، في جولة انتخابية حاسمة تجري الثلاثاء المقبل. وصفت صحيفة واشنطن بوست السباق بأنه "الأكثر اشتعالًا" في المشهد السياسي المحلي منذ عقود، مشيرة إلى أن الجدل تجاوز حدود المدينة ليأخذ طابعًا قوميًا بسبب تدخل الرئيس الأمريكي المباشر في مسار الحملة. اشتعلت الحرب الكلامية بين ترامب وممداني في الأيام الأخيرة، بعدما صعّد الرئيس الأمريكي من هجومه ضد المرشح الديمقراطي، واصفًا إياه بأنه "شيوعي خطير" و"كارثة على نيويورك"، محذرًا سكان المدينة من انتخابه. وقال ترامب في منشور على منصة "تروث سوشيال": إذا فاز المرشح الشيوعي زهران ممداني بانتخابات عمدة مدينة نيويورك، فمن غير المرجح أن أقدم الأموال الفيدرالية للمدينة، باستثناء الحد الأدنى المطلوب لمنزلي الأول العزيز، بحسب ما نقلت صحيفة الغارديان البريطانية. كما كرر ترامب الموقف ذاته في مقابلة مع برنامج 60 دقيقة على شبكة "سي بي إس"، مضيفًا: سيكون من الصعب عليّ كرئيس أن أقدم الكثير من التمويل لمدينة يديرها شيوعي، لأن ما سيفعله هو إهدار الأموال المرسلة إليها. وتابع ترامب في منشور لاحق أن فوز ممداني سيعرّض المدينة لأزمة مالية، مضيفًا: "أفضل أن أرى ديمقراطيًا ناجحًا يتولى المنصب بدلًا من شيوعي بلا خبرة وسجل من الفشل الكامل والشامل". ممداني يرد من جانبه، رد زهران ممداني على تهديدات ترامب خلال تجمع انتخابي مساء الاثنين، مؤكدًا أنه "ليس خائفًا من الابتزاز السياسي"، وقال: "كنت أعلم منذ أشهر أن ترامب سيدعم المرشح الجمهوري كورتيز سيلوا أو المستقل أندرو كومو، لكنني أتعامل مع تهديداته كما هي: تهديد، وليست قانونًا". وأضاف ممداني أن تمويل نيويورك "ليس منحة من الرئيس، بل استحقاق للمواطنين الذين يساهمون في الاقتصاد الوطني"، مؤكدًا عزمه "مواجهة ترامب في كل خطوة" والدفاع عن استقلالية المدينة في إدارة شؤونها المالية والخدمية. ويُعرف ممداني بأنه سياسي أمريكي من أصول أوغندية مسلمة، وأحد أبرز الوجوه التقدمية في الحزب الديمقراطي. خاض تجارب سياسية محلية ناجحة سابقًا، ويُعد من الشخصيات المثيرة للجدل بسبب مواقفه المؤيدة للعدالة الاجتماعية وحقوق الأقليات. وبحسب تقارير أمريكية، فإن إدارة ترامب حاولت في الكواليس إقناع المرشح الجمهوري كورتيز سيلوا والعمدة الحالي إريك آدامز بالانسحاب من السباق مقابل مناصب في الإدارة الفيدرالية، بهدف تقليص المنافسة إلى ممداني وكومو فقط. لكن ترامب نفى صحة تلك المعلومات، مؤكدًا أن السباق يجب أن يعكس "إرادة الناخبين لا الصفقات السياسية". وترى صحيفة واشنطن بوست أن ترامب وممداني أصبحا "عدوين لدودين لا يتوقفان عن مهاجمة بعضهما"، مشيرة إلى أن كلًّا منهما يستفيد سياسيًا من هذا الصراع؛ فترامب يوظف المواجهة لتصوير ممداني كرمز للتطرف اليساري، بينما يستخدم ممداني هجمات ترامب لحشد الديمقراطيين وتوحيد صفوفهم قبل التصويت. ورغم التباينات الأيديولوجية الواضحة بين ترامب وممداني، فإن مسيرتيهما السياسية تحملان بعض القواسم المشتركة؛ فكلاهما ينحدر من نيويورك، وأطلق حملات "متمردة" ضد النخب الحزبية، ويبرع في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لبناء قاعدة جماهيرية واسعة. كلاهما أيضًا ركّز على قضايا معيشية تتعلق بتخفيف أعباء الحياة اليومية، ما جعل خطابهما قريبًا من الشارع، وإن اختلفت الوسائل والرؤى جذريًا. ويرى مراقبون أن ممداني وترامب يمثلان "وجهين متقابلين لعملة سياسية واحدة"، حيث يجسّد الأول التيار التقدمي اليساري، فيما يعبّر الثاني عن الشعبوية اليمينية المحافظة، ما جعل المواجهة بينهما محط اهتمام وطني غير مسبوق. تشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن زهران ممداني يتصدر السباق بفارق ملحوظ عن منافسيه، يليه المستقل أندرو كومو في المرتبة الثانية، ثم الجمهوري كورتيز سيلوا. وتوقعت صحيفة واشنطن بوست أن يستمر الصراع بين ممداني وترامب حتى بعد انتهاء الانتخابات، إذا فاز ممداني بالمنصب، معتبرة أن العلاقة بين البيت الأبيض وبلدية نيويورك قد تدخل مرحلة توتر غير مسبوقة.