في مشهد يحمل دلالات رمزية، استأنف صيادو غزة نشاطهم على ساحل البحر المتوسط بعد عامين من الحصار وتوقف أعمال الصيد، ليعود البحر كريمًا معهم، مُهديًا إياهم أغرب وأكبر صيد: قرش حوتي ضخم، أكبر سمكة في المحيطات. العملاق الوديع إذا حالفك الحظ وكنت تقضي عطلتك على شواطئ البحر الأحمر، أو في رحلة بحرية بالعين السخنة، فقد تشاهد فجأة مجموعة من المصطافين والقوارب الصغيرة تتسابق نحو كائن بحري هائل: سمكة القرش الحوتي، يسهل تمييز هذا العملاق بزعنفته الهلالية ورأسه المسطح، فهو أكبر الأسماك في المحيطات، وقد يصل طوله إلى 21 مترًا. وعلى الرغم من ضخامة حجمه الذي قد يتجاوز طول اللنشات والمراكب الصغيرة، إلا أنه مسالم للغاية (ولذلك يُلقب ب "العملاق الوديع")، لا يهاجم هذا القرش الصيادين أو الأسماك الأخرى، ولا يعترض طريق الصيد، بل يمر بسلام وهدوء تام. الاحتفاء بظهوره تكرر رصد أسماك القرش الحوتي بأحجام مختلفة، تتراوح بين 9 أمتار و12 مترًا، منذ بداية موسم الصيف الماضي وحتى وقت قريب، حيث شوهدت آخر مرة قبالة شواطئ مدينة الغردقة. وفي مناسبات عديدة، مثلما حدث في مدينة دهب بشهر مايو الماضي، تجمّع حوله فوج سياحي في أجواء احتفالية، هذا الاحتفاء ليس لندرة ظهوره فحسب، بل لأن وجوده في المياه يُعد مؤشرًا على سلامة البيئة البحرية، فالقرش الحوتي، على عكس بعض أنواع القروش المفترسة مثل قرش النمر، يتغذى بطريقة بسيطة تعتمد على فلترة الكائنات البحرية الدقيقة والأسماك الصغيرة، ما يجعله كائنًا ضروريًا في النظام البيئي. هجرة غريبة عبر قناة السويس من جانبه، كشف الدكتور أمجد شعبان، المتخصص بأسماك القرش في المعهد القومي لعلوم البحار، في تصريحات خاصة ل"مصراوي"، أن ظهور القرش الحوتي في البحر المتوسط "أمر جديد وغير معتاد"، فالقرش الحوتي، المعروف برحلاته الطويلة التي قد تصل إلى 13 ألف كيلومتر، يتواجد عادةً في البحار الاستوائية والدافئة ويغوص لأعماق تتجاوز 1900 متر، باستثناء البحر المتوسط. من الناحية البيولوجية فإن القرش الحوتي من الأنواع الولودة وتضع الأنثى الحامل أكثر من 300 قرش صغير يتراوح طولها بين 40 الى 60 سم . وأوضح شعبان أن السمكة التي ظهرت قبالة سواحل غزة هي حالة هجرة استثنائية تعرف علميا ب (The Lessepsian migration)، وهي ظاهرة هجرة الكائنات البحرية من البحر الأحمر إلى المتوسط عبر قناة السويس بعد حفرها. العملاق المسالم في قائمة الانقراض رغم ضخامته، يؤكد شعبان، أن هذا الكائن مسالم لا يهاجم الإنسان ويتغذى على الكائنات الدقيقة والقشريات الصغيرة (الهائمات)، بل إن وجوده دليل على سلامة البيئة البحرية. لكن ظهور هذا الكائن المهدد بالانقراض يحمل إنذارًا، حيث إنه مدرج ضمن القائمة الحمراء للاتحاد العالمي لصون الطبيعة، وطالب شعبان بضرورة توعية الصيادين بأهمية هذا الكائن الذي يُصاد غالبًا ك "صيد عارض" بعد تعلقه بالشباك. تكمن القيمة الحقيقية لهذا الكائن، وفقا لتصريح الخبير بمعهد علوم البحار، في قيمته المضافة للدول التي يمر بها، إذ تستغله تلك الدول في تنظيم رحلات سياحية للغوص والسباحة بالقرب منه كونه لا يمثل أي خطورة. ويشير تاجر الأسماك كمال محمد، إلى أن لحم القرش الحوتي يشبه لحم سمك القرش العادي، حيث لا يحتوي على شوك بل على غضاريف، وذكر أن الصيادين في مصر لا يفضلون صيده عادة بسبب حجمه الهائل، فضلا عن أن ذلك يعرضهم للمساءلة القانونية ويمكن أن يوقف نشاط العائمة البحرية التي جلبتها من البحر سواء كانت مركب أو لنش أو فلوكة صيد، وإن جرى صيدها فهى تخرج صيد عارض، بعدما تعلق في الشباك العائمة.