بدلًا من أصوات الطبول والزغاريد التي كانت ستملأ الشوارع في مدينة إسنا جنوب محافظة الأقصر احتفالًا ب"حنة العريس"، خيم الحزن على المكان، بعد أن رحل الصيدلي الشاب صابر منصور في لحظة صادمة، قبل ساعات من ليلة طال انتظارها. كان صابر، الذي لم يتجاوز الثلاثين من عمره، نموذجًا للشاب الخلوق الطيب، يعرفه جيرانه بابتسامته الهادئة وأخلاقه الرفيعة، ويشهد له كل من تعامل معه بحسن المعاملة وحرصه على مساعدة الجميع، كان محبوبًا من أهل منطقته في المنشية بإسنا، دائم السؤال عن الناس، لا يتأخر عن مريض ولا يرد محتاجًا. في الأيام الأخيرة، كان صابر يعيش أسعد لحظات حياته، ترتيبات الزفاف انتهت، وقاعة الفرح جهزت، والبيت امتلأ بزينة العُرس ورائحة الفرح، أصدقاؤه كانوا يمازحونه عبر فيسبوك بعبارات التهنئة، وخطيبته تجهز ليلتها المنتظرة، وكل شيء كان يسير كما حلم به. لكن القدر كان يخبئ مشهدًا آخر، صابر وجد داخل منزله وقد فارق الحياة بشكل مفاجئ، قبل ساعات فقط من انطلاق احتفالات الحنة التي كانت مقررة مساء اليوم. لم يصدق أحد الخبر، فالشاب الذي كان بالأمس يضحك ويتحدث عن تفاصيل الزفاف، أصبح حديث الجميع اليوم بعبارات الحزن والدعاء بالرحمة. تحولت صفحات التواصل الاجتماعي، التي كانت تمتلئ بدعوات الفرح، إلى دفاتر للعزاء، حيث كتب أحد أصدقائه: "كنا بنجهز نرقص في فرحك، لكن ربنا اختارك في ليلة كانت المفروض تبقى أسعد أيامك... وداعًا يا صابر الخلوق". وكتب آخر: "هتفضل صورتك مبتسمة في بالنا دايمًا... ربنا يرحمك يا طيب". النيابة العامة باشرت التحقيقات لمعرفة ملابسات الوفاة المفاجئة، لكن ما اتفق عليه الجميع أن صابر رحل وهو في قمة الفرح والاستعداد لبداية جديدة في حياته، ليترك وراءه قصة إنسانية تمس القلب وتذكر الجميع بمدى هشاشة هذه الحياة، وأن الفرح والحزن لا يفصل بينهما سوى لحظة. رحل صابر منصور قبل أن يلبس بدلة زفافه، وقبل أن يسمع الزغاريد التي كانت تنتظر من أجله، تاركًا لأهله وأصدقائه ذكراه الطيبة وسيرته العطرة، ودموعًا لا تجف على فراقه المفاجئ.