شهدت العاصمة المغربية الرباط وعدة مدن أخرى، في أواخر سبتمبر الماضي، مظاهرات شبابية مفاجئة استجابة لدعوات حركة جديدة تحمل اسم "جيل زد 212"، ورغم الغموض الذي يحيط بهوية مؤسسيها، فقد عرّفت الحركة نفسها منذ اللحظة الأولى بأنها مبادرة شبابية سلمية مستقلة، رافضة للعنف ومؤكدة على "حب الوطن والملك"، كما جاء في شعاراتها الأولى. جاء ظهور "جيل زد 212" في سياق عالمي يشهد بروز حركات شبابية يقودها أبناء جيل "Z" عبر شبكات التواصل الاجتماعي. وفي المغرب، انطلقت الدعوة إلى التظاهر يومي 27 و28 سبتمبر عبر منصات رقمية مثل "ديسكورد" و"تيك توك" و"إنستجرام"، وهو ما منحها زخمًا وانتشارًا سريعًا بين فئات عمرية تتراوح بين الثالثة عشرة والثامنة والعشرين. منذ البداية، ركّزت الحركة على قضايا اجتماعية أساسية تتعلق بالتعليم والصحة ومحاربة الفساد، ورفعت شعار "مغرب يسير بسرعتين" في استحضار لعبارة وردت في خطاب سابق للملك محمد السادس، للتعبير عن رفضها للفوارق الاجتماعية والسياسات العمومية التي اعتبرها المحتجون غير عادلة. وفي حين انتقد شباب الحركة تخصيص استثمارات ضخمة لبناء ملاعب البنية التحتية استعدادًا لمونديال 2030، فقد طالبوا بتحويل هذه الموارد إلى تحسين المدارس والمستشفيات وتوسيع الخدمات الاجتماعية. ورغم أن بعض المظاهرات عرفت اعتقالات، فإن المحتجين تمسكوا بطابع سلمي، وهو ما أكده المشاركون في تصريحات للإعلام المحلي والدولي. وقد اعتبر مراقبون هذا الحراك بمثابة مفاجأة سياسية، كونه كشف عن وعي حقوقي متقدم داخل فئة شبابية لطالما وُصفت بأنها منشغلة بما يُعرف ب"التفاهة" وبعيدة عن الشأن العام. تشير بيانات المندوبية السامية للتخطيط إلى أن هذه الفئة العمرية تمثل أكثر من ربع سكان المغرب، أي حوالي 9.6 ملايين شاب وشابة، تتوزع نسبهم بشكل متقارب بين الذكور والإناث، لكن هذه القوة الديموغرافية تعاني من هشاشة اقتصادية واضحة، إذ تصل معدلات البطالة بين الشباب من 15 إلى 24 سنة إلى 35.8%، بينما تبلغ 21.9% بين الفئة العمرية 25 – 34 سنة. كما يقدر عدد الشباب الذين لا يدرسون ولا يعملون ولا يتابعون أي تدريب مهني بحوالي مليون ونصف المليون، ما يفسر حالة الاحتقان والرغبة في البحث عن مسارات جديدة للتعبير عن مطالبهم. ورغم أن الحركة لا تزال في بداياتها، فإن مطالبها تبقى واضحة ومحصورة في تحسين الخدمات الأساسية وتوسيع فرص العمل. لكن مستقبلها يظل رهنًا بمدى تجاوب السلطات مع هذه المطالب، وبقدرة هذا الجيل الذي يشكل ثقلًا ديموغرافيًا بارزًا على فرض نفسه كفاعل مؤثر في الحياة السياسية والاجتماعية للمغرب. وتعرّف الحركة نفسها على منصاتها الرقمية كفضاء للنقاش الحر يضم شبابًا مستقلين لا ينتمون لأي جهة سياسية، وقد بلغ عدد أعضائها على "ديسكورد" نحو 12 ألفًا، ما يعكس حجم الاهتمام الذي أثارته في فترة وجيزة. أما تسمية "جيل زد"، فهي تحيل إلى الفئة المولودة بين 1997 و2012، أي شباب الإنترنت الذين ارتبطت نشأتهم بوسائل التواصل الاجتماعي وانفتاح أكبر على القضايا العالمية.