عُقدت في العاصمة القطريةالدوحة، يوم أمس الإثنين، القمة العربية الإسلامية الطارئة، بمشاركة عدد من قادة الدول العربية والإسلامية، وذلك لبحث سبل الرد على الهجوم الإسرائيلي الغاشم الذي استهدف دولة قطر. وخلال كلمته أمام القمة، وصف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إسرائيل ب"العدو"، في تصريح اعتُبر لافتًا وغير مسبوق في الخطاب الرسمي المصري منذ عقود، وقال السيسي: "يجب أن نُغيّر من نظرة العدو نحونا، ليرى أن أي دولة عربية، مساحتها ممتدة من المحيط إلى الخليج، ومظلتها متسعة لكل الدول الإسلامية والدول المحبة للسلام". وأضاف: "ولكي تتغير هذه النظرة، فإن الأمر يتطلب قرارات وتوصيات قوية، والعمل على تنفيذها بإخلاص ونية صادقة، حتى يرتدع كل باغٍ ويتحسب كل مغامر". وقد أثار تصريح الرئيس السيسي تفاعلاً واسعاً في الأوساط الإسرائيلية، ووسائل إعلام عبرية، لأنها وبحسب الخبراء تُعد تطورًا لافتًا، إذ أنها المرة الأولى التي تًستخدم فيها هذه الكلمة رسميًا منذ زيارة الرئيس المصري الأسبق أنور السادات للكنيست الإسرائيلي عام 1977. الرئيس المصري السيسي يصف إسرائيل ب"العدو": علينا أن نغير نظرة العدو إلينا، بحيث يرى أي دولة عربية جزءًا من مساحة شاسعة تمتد من المحيط إلى الخليج. هذا يتطلب قرارات حازمة... لردع كل متجاوز، ولإعادة التفكير في أي مغامر. pic.twitter.com/Psn8MTDK9z — Arab-Military (@ashrafnsier) September 15, 2025 تحول جذري في الخطاب السياسي المصري وفي هذا السياق يوضح الدكتور محمد محمود مهران أستاذ القانون الدولي العام، أن استخدام الرئيس عبد الفتاح السيسي لكلمة "العدو" في وصف إسرائيل خلال خطابه في قمة الدوحة يمثل تحولا جذريا في الخطاب السياسي المصري الرسمي ويحمل دلالات قانونية وسياسية عميقة. وكشف مهران في تصريحات لموقع "مصراوي"، أن هذا التوصيف يضع مصر في موقع قانوني مختلف تماما تجاه إسرائيل من منظور القانون الدولي، حيث ينقل العلاقة من إطار السلام البارد إلى إطار العداء المعلن الذي يبرر اتخاذ إجراءات دفاعية واستراتيجية أكثر حزما، مؤكدًا أن هذا التصريح ليس مجرد كلمة عابرة بل موقف استراتيجي محسوب يعكس تقييما مصريا جديدا للسلوك الإسرائيلي المتصاعد ضد الأمة العربية. وأشار إلى أن استخدام مصطلح "العدو"، في الخطاب الرسمي لرئيس دولة يحمل وزنا قانونيا كبيرا في القانون الدولي، حيث يعكس تقييما رسميا لطبيعة التهديد الذي تشكله إسرائيل للأمن القومي المصري والعربي، لافتًا إلى أن هذا التوصيف يتيح لمصر قانونيا تبرير اتخاذ تدابير دفاعية أكثر صرامة وإعادة تقييم جميع الترتيبات الأمنية والسياسية مع الكيان الصهيوني. كما أكد أستاذ القانون الدولي، أن التوقيت الذي اختاره الرئيس السيسي لهذا التصريح ليس صدفة، بل يأتي في أعقاب العدوان الإسرائيلي على قطر واستمرار المجازر في غزة ومحاولات إسرائيل المستمرة لجر المنطقة إلى صراع أوسع، مشيرًا إلى أن هذا الموقف يعكس نضج القيادة المصرية وفهمها العميق لطبيعة التهديد الإسرائيلي الحقيقي للمنطقة. ولفت أيضا إلى أن هذا التصريح يضع أساسا قانونيا قويا لتبرير أي إجراءات مصرية مستقبلية لحماية الأمن القومي، بما في ذلك إعادة النظر في اتفاقية كامب ديفيد أو تعديل الترتيبات الأمنية في سيناء إذا تطلبت المصلحة الوطنية ذلك، مشددًا على أن القانون الدولي يقر بحق أي دولة في اتخاذ التدابير اللازمة لحماية أمنها القومي عندما تواجه تهديدا معلنا من عدو محدد. ويرى أن هذا الموقف المصري الجديد سيكون له تأثير كبير على المعادلات الإقليمية ويرسل رسالة واضحة لإسرائيل بأن سياساتها العدوانية لن تمر دون رد حاسم، مؤكدا أن مصر تحتفظ بكامل حقها في الدفاع عن نفسها وعن الأمة العربية ضد أي تهديد إسرائيلي مستقبلي. ارتباك في الداخل الإسرائيلي ومن جانبه، يرى الدكتور محمد عبود، أستاذ الدراسات الإسرائيلية بجامعة عين شمس والمتخصص في الشأن الإسرائيلي، أن خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسي في قمة الدوحة حمل رسالة مباشرة موجهة إلى الداخل الإسرائيلي، واعتُبر بمثابة ضربة قوية أربكت حكومة نتنياهو ووضعتها في موقف حرج أمام جمهورها. وأوضح عبود في تصريحات ل"مصراوي"، أن ما زاد من وقع الخطاب في الأوساط الإسرائيلية هو أنه ولأول مرة منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1979 يصف فيها مسؤول مصري، وعلى هذا المستوى، إسرائيل علنًا ب"العدو"، مشرًا إلى أن ذلك "رسالة مصرية واضحة لها ما بعدها، وصفعة سياسية مدوية تضع نتنياهو في مأزق أمام شعبه، الذي بات أمام فرصة حقيقية لإعادة التفكير في قيادته". ولفت إلى أن خطاب الرئيس المصري لم يُتعامل معه في إسرائيل كتصريح خارجي عابر، بل كقضية داخلية أثارت جدلاً واسعًا وتناوله الإعلام الإسرائيلي بجميع وسائله من الصحف إلى القنوات التلفزيونية باعتباره محورًا رئيسيًا في تغطية قمة الدوحة، لافتًا إلى أن القناة 12 الإسرائيلية وصفت الخطاب بأنه "رسالة تحذير"، بينما تصدّر الخبر الصفحات الأولى والمواقع الرئيسية للصحف الكبرى مثل يديعوت أحرونوت وهآرتس، في دلالة على حجم الارتباك الذي أحدثته الكلمة في المشهد السياسي الإسرائيلي. وأشار أستاذ الدراسات الإسرائيلية بجامعة عين شمس، أن كلمة الرئيس اخترقت جدار الرقابة العسكرية والتعتيم ووصلت الرسالة للعنوان المقصود، لافتًا إلى أن رموز المعارضة الإسرائيلية تناولوا الرسالة المصرية بجدية كبيرة، إذ حذّر يائير جولان، رئيس حزب الديمقراطيين، من تجاهل تصريحات الرئيس السيسي، ودعا إلى إسقاط حكومة نتنياهو. رسالة الرئيس السيسي في قمة الدوحة لم تكن مجرد تعبير عن موقف سياسي، بل تحولت إلى لحظة فارقة في الخطاب العربي الرسمي تجاه إسرائيل، وذلك في الوقت الذي تعيش فيه المنطقة على وقع تصعيد غير مسبوق يشنه الكيان الصهيوني الغاشم، جاءت هذه الكلمة لتؤكد أن المعادلات القديمة لم تعد صالحة، وأن التوازنات الإقليمية مرشحة لإعادة التشكيل.