شهد المتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية، اليوم الإثنين، افتتاح فعاليات الجزء الثاني من معرض "حدوتة مدينتين" تحت عنوان "الجغرافيا والغموض"، والذي يستمر حتى 20 سبتمبر الجاري، بتنظيم مشترك بين مؤسسة "آرت دي إيجيبت" والقنصلية الإيطالية بالإسكندرية، وبدعم من المعهد الثقافي الإيطالي بالقاهرة والإدارة العامة للإبداع المعاصر بوزارة الثقافة الإيطالية. ويضم المعرض أعمالًا فوتوغرافية للفنانين الإيطاليين مارينا بالو شارميت وستيفانو كاجول، تحت إشراف القيّم الفني أليساندرو كاستيغليوني، ويأتي امتدادًا للمبادرة الثقافية التي انطلقت في يوليو الماضي بمتحف "MA*GA" بمدينة جالاراتي الإيطالية، بهدف تعزيز الحوار الفني بين ضفتي المتوسط. وفي تصريح خاص، أوضح الفنان ستيفانو كاجول أن المعرض يستكشف العلاقة المعقدة بين الجغرافيا والهوية، كما يسلط الضوء على التغيرات البيئية التي تواجهها المدن الساحلية، مشيرًا إلى أن الإسكندرية وفينيسيا تشتركان في تحديات مناخية متزايدة، أبرزها ارتفاع منسوب البحر واضطراب الأنماط المناخية، وهي عناصر تنعكس بصريًا في الأعمال المعروضة التي تمزج بين التوثيق والتجريد. وتكشف إحدى الصور المعروضة، انعكاس الضوء على سطح مائي مهجور، في مشهد يوحي بانحسار أو تبدّل، وكأن المدينة تراقب نفسها وهي تتغير بصمت. هذا الغموض البصري لا يُقرأ فقط كجماليات فنية، بل كتحذير ضمني من هشاشة المدن أمام التحولات البيئية. وقد أجرى الفنانون أبحاثًا ميدانية في إيطاليا ومكتبة الإسكندرية، تناولت حوارًا مفتوحًا مع الجغرافيا الطبيعية وآثار الماضي، في محاولة لربط تاريخ البحر الأبيض المتوسط بمستقبله. ويكتسب المعرض رمزيته من موقعه داخل المتحف الذي أسسه عالم المصريات الإيطالي جوزيبي بوتي عام 1891، كمؤسسة متخصصة في التراث المتوسطي ودور الإسكندرية كمركز حضاري بين العالمين اليوناني والروماني، وهو الدور الذي بلغ ذروته مع صعود المسيحية القبطية. ويهدف المعرض إلى تحويل التصوير الفوتوغرافي إلى وسيلة تربط بين الأزمنة، مستعرضًا قضايا تاريخية وبيئية ومناخية، ومؤكدًا على دور الفن كجسر للتواصل بين الماضي والحاضر والمستقبل. وقالت نادين عبد الغفار، مؤسسة "آرت دي إيجيبت": "يسعدنا أن نواصل مبادرة حدوتة مدينتين من خلال معرض 'الجغرافيا والغموض' في الإسكندرية، إن استضافة هذا المعرض في المتحف اليوناني–الروماني تمثل لحظة فارقة، حيث نضع الفن المعاصر في حوار حي مع تاريخ يمتد آلاف السنين. وأضافت أن الإسكندرية كانت وما زالت ملتقى للحضارات، واليوم من خلال الفن نعيد التأكيد على هذا الدور، ونبني جسورًا جديدة بين الماضي والحاضر والمستقبل." من جانبه، أشار "أليساندرو كاستيغليوني" إلى أن المشروع ينطلق من قدرة الفنانين على استكشاف هوية الأماكن وتاريخها، ويتوسع ليشمل تحليلًا جغرافيًا أعمق، مضيفًا: "في عصرنا الحالي، تكتسب الممارسات الجغرافية أهمية جديدة، فهي لم تعد مجرد توثيق، بل فعلًا من الوعي والمعرفة. نحن لا نتحدث عن جغرافيا إيجابية جازمة، بل عن مشروع يستكشف حدود المعرفة والجهل، ويستدعي شعورًا بالدهشة أمام التاريخ والطبيعة والمرئي وغير المرئي. ومن هنا جاء عنوان المعرض: الجغرافيا والغموض."